شقير يكتب: القدس محور الصراع: نظرة على التصعيد الجاري في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟

مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/18 الساعة 14:51
مدار الساعة - كتب:السفير الأردني السابق قيس شقيرما الذي يجري على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقدسها الشريف، ومسجدها الأقصى المبارك؟
هل هي بالفعل صدامات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية كما يروّج الإعلام الغربي في تغطيته الإعلامية؟ هل استهداف المصلّين داخل مسجدهم، واغتيال شيرين أبوعاقلة مجرّد صدامات مع القوات الإسرائيلية؟ كيف يمكن أن ننظر إلى هجوم شرطة الاحتلال على مشيعي جنازة الإعلامية المغدورة؟ وما الذي يحدث حقًا في القدس، مدينة السلام؟ وما الذي يدفع بشابٍ فلسطينيٍ ألا يتجاوز عمرة عشرون ربيعًا، لا خلفيةً سياسيةً له، ولاعسكرية، أن يهاجم الإسرائيليين في كل مكان حوله، وفي كل مكان يتسنّى له أن يصله؟

ومتى يتوقف العنف؟ وكيف؟ وهل هذا ممكن؟ أم أنه ما يزال غايةً صعبة المنال؟
وهل من الممكن تسوية الصراع في فلسطين، أسوةً بغيره من النزاعات في عديدٍ من بقاع العالم؟
أليس من البدهي للفلسطيني أن يكرّر السؤال: "لم لا يكترث المجتمع الدولي بأزمتي، ويتصرف بحزمٍ في غيرها من الأزمات؟. وكيف يكون احتلال أرضي جائزًا، فيما هو من المحرّمات في أماكن أخرى؟
وللإجابة على هذه الأسئلة هذه كلها، علينا النظر إلى السبب الجذري للصراع الفلسطيني؛ "الاحتلال"، الاحتلال الأطول في تاريخ الإنسانية الحديث، والذي يتصدى له الفلسطينيون لأكثر من سبعة عقود، وهم ليسوا استثناءً في ذلك، فكل الشعوب كافحت ضد الاحتلال في مختلف بقاع الأرض، واقتلعت الاستعمار من جذوره، وإن طال أمد ذلك. فهل علينا أن نحتكم إلى القانون الدولي للتأكيد على الشرعية تلك؟ شرعية مقاومة المحتل، وإنهاء الاحتلال؟
إن ما نفتقده في مواجهتنا للصراع الجاري في فلسطين، هو الإرادة الجادة بدءًا من الدول والحكومات، وصولًا إلى وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية، وغيرها من المؤسسات المعنية. نحن نفتقر بالفعل، إلى الإرادة لوضع حد لدائرة العنف، وإراقة الدماء التي ما تزال مستمرة منذ عقود. وإن كنا نتفق جميعاً على رفض الاحتلال، فلم نشهد يومياً أحداثاً دموية في القدس، وأماكنها المقدّسة الإسلامية والمسيحية ؟ ولم لا نعطي لما يجري حقه من الاهتمام؟ الاهتمام الذي يجب أن يترجم لفعلٍ مؤثر، حيث لا يكفي أن نعبر عن قلقنا ، وأسفنا العميق على الضحايا في أزمة لا يبدو أن لها نهاية.
إن سبب للصراع في المنطقة هو الاحتلال، والمخرج الوحيد منه، هو بإنهاء هذا الاحتلال. والمسجد الأقصى هو وقفٌ إسلاميٌ محتلٌّ من جانب إسرائيل، كما هي القدس الشرقية والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية محتلةٌ بموجب القانون الدولي. ولقد حان الوقت لأن نبذل أقصى ما لدينا من جهدٍ دبلوماسيٍ كي تدرك إسرائيل بأن إنهاء الاحتلال هو لصالحها، كما هو لصالح الفلسطينيين، والمجتمع الدولي أيضًا. وذلك لا يتأتّى إلا بأقصى ما يمكن من ضغطٍ على إسرائيل من جانب الجميع دولًا، ومؤسساتٍ، وأفراد، لتعي أنها لا تملك تفويضًا دوليًا مفتوحًا للجوء إلى الرصاص بدلاً من النوايا الصادقة التي يجب أن تترجم إلى أفعال على الأرض لإحلال السلام وتحقيق الازدهار في المنطقة. وهذا ليس واقع الحال - للأسف – فما نراه على الأرض هو تنفيذٌ لسياساتٍ إسرائيليةٍ أحادية الجانب، وممارساتٍ تستهدف المكانة القانونية التاريخية للمسجد الأقصى، سعيًا لفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى/ الحرم القدسي الشريف، البقعة المقدسة عند نحو ملياري مسلم في أصقاع الأرض، في انتهاكٍ صارخٍ للقانون الدولي، ولمسؤولياتها القانونية قوةً قائمةً بالاحتلال.
وإن ما نحتاجة حقًا هو رؤيةٌ سياسيةٌ، لا تركن إلى إبداء المواقف فحسب، بل تنهض لدائرة الفعل، والتي باتت متاحةً، وعلى أكثر من صعيد. فالفضاء الرحب المفتوح لتداول المعلومات، وللتبادل السريع للأخبار، والآراء، والأفكار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، يوسّع من الدائرة تلك، للتجاوز وسائل الإعلام التقليدية، وارتباطاتها، وأجنداتها، بل ولتتجاوز الدول، وحكوماتها، ولأن تضغط بنحوٍ مؤثرٍ لتحقيق التسوية السياسية القائمة على رفض احتلال دولة لأراض غيرها سبيلًا لحل الصراع في فلسطين، وإقامة دولتهم المستقلة.
لقد تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي، وتجاوز وسائل الإعلام التي احتكرت الخبر، والمعلومة لعقود، وبالتالي تشكيل الرأي العام، وتوجيهه أيضًا. ولم تعد بعض المؤسسات الإعلامية قادرة على تسويق روايتها الحصرية للخبر. وعليه، فإن الفرصة متاحةٌ لترسيخ الرواية الصادقة المطابقة للواقع على الأرض، لا على ما يجري فحسب، بل وما يجب عمله إزاء صراع طال أمده، ولن يفضي التأخر في حله، إلا إلى إراقة مزيدٍ من الدماء. ويجب أن يكون القانون الدولي هو المرجع للتصدي للنزاع هذا، وليست المعتقدات الدينية، أو الأيديولوجية. ولقد حذّر مسؤولون كبار في المنطقة مؤخرًا من تحوّل الصراع في المنطقة إلى صراع ديني. فعلى إسرائيل -القوة القائمة بالاحتلال- الحفاظ على الوضع القانوني التاريخي القائم في مدينة القدس المناط بالمملكة الأردنية الهاشمية، منعًا لذلك.
إن تحقيق السلام هو واجب الجميع دولًا، ومؤسساتٍ، في مقدمتها وسائل الإعلام، وكذلك قوى الرأي العام في مختلف الدول، للضغط على إسرائيل، وحملها على إعادة إطلاق عملية السلام القائمة على التفاوض الجاد والمحدد بإطارٍ زمنيٍ، ومرجعيةٍ قانونيةٍ تستند إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي. ولقد حان الوقت لطوي آخرفصل من أطول قصة احتلال في تاريخنا المعاصر، بما فيها عذاباتٍ وآلام.
وأما المماطلة والتأخر – بقصدٍ، أو بدونه – في التوصل للحل المقبول من كافة الأطراف للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتغاضي عن الاحتلال الإسرائيلي للأرض وفظائعه التي تستهدف الإنسان، والأرض، والحجر، وتحدّيه للقانون الدولي، ورفضه الانصياع للشرعية الدولية، فلا ينذر بعواقب على الأمن والاستقرار في المنطقة فحسب، بل إنه يهدّد مستقبلها، وقد يوسّع دائرة العنف لتصل لمدىً أبعد، وهو ما نرفضه جميعًا، ويستوجب أن نعمل على منع وقوعه.
وإن الالتزام بشرعية الأمم المتحدة، وتعزيزها من خلال تنفيذ قراراتها ذات الصلة، واجبٌ على جميع الدول، لا تُستثنى منه دولة. وإن إنهاء الاحتلال هو الطريق لبناء شرق أوسطٍ مستقرٍ وآمن ، تقوم فيه الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران، وعلى أساس حل الدولتين، والقدس الشرقية عاصمةً لفلسطين، هو مايحقق – أخيرًا- الأمن والاستقرار في المنطقة، ولإسرائيل، وللعالم.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/18 الساعة 14:51