الحلاق
حين تجلس على كرسي الحلاق في الغرب, فإنه ينظر لشعرك ويعرض عليك مجموعة من القصات.. وأنت تختار ما يناسبك, الحلاق في بريطانيا له نظرة خاصة أنت عليك أن تقبل برأيه لأنه في النهاية هو من يرى مؤخرة رأسك وهو من يعرف ما يناسبك..
حلاقة الرأس في كل دول العالم, هي شراكة بين الزبون والحلاق... إلا في الأردن فأنت حين تجلس على الكرسي تبدأ عبارات: (لا اتقصر السوالف, من فوق شوي بدي, خذ من اليمين شوي كمان).. تشعر بأن الجالس على الكرسي لا يقوم بحلاقة شعره بل يقوم بمحاولات لأجل اصطفاف (تريلا) في مكان ضيق... العبارات هي ذاتها: (يمين كمان شوي, اطلع لفوق... بس لا توخذ ع اليمين)..
المشكلة الأخرى أنهم يصرون على التخفيف من الشعر, وحين يقوم الحلاق بذلك.. تلاحظ أن الرأس مزروع بالفشخات, وحين يبدأ باستعمال الماكينة, تبدأ الابتسامات.. ويحدقون في المرايا, وأنا لا أعرف حقيقة لماذا يبتسمون.. هل اكتشف الأخ أنه يشبه (براد بيت) مثلاً؟
الأنكى من كل ذلك, أن الشوارب تحتاج لوضعية خاصة, تشعر بأنه يحضر معادلة كيميائية فالأوامر التي تأتي للحلاق صارمة, مثل قول الزبون: (حاسهن مايلات من الشمال)... وحين ينظر الحلاق يكتشف أن فم الزبون (أعوج) والأزمة ليست في الشوارب, لهذا تبدأ عملية المجاملة, ويبدأ بالتبرير المتضمن انحدار المرايا... ويبدأ الحلاق أيضا ببث عبارات الثناء على الشوارب.
حين ينهي الزبون الحلاقة, تشعر بأن مرحلة استلام العهدة قد بدأت الآن فهو يبحث عن النظارة الشمسية, والموبايل ومفتاح السيارة, والمحفظة... ويبدأ الحلاق بلملمة الأغراض معه, وحين ينتهي يطلق صرخة: (حمودة وين راح كان معي).. يبدو أنه قد وجد كل شيء وفقد ابنه الأصغر الذي تاه في الشوارع..
في النهاية يجدون حمودة, وتنتهي العملية بقول الحلاق للزبون: (ما شالله عريس)... وهذه هي الشيفرة السرية الكفيلة بإسعاد الزبون...
لست بحاجة لقراءة تكوين العقل العربي لمحمد عابد الجابري, فالجلوس عند حلاق ومشاهدة العربي وهو يحلق رأسه والشوارب.. كفيلة وحدها بجعلك تتعرف على شخصية الإنسان العربي دون الحاجة للغوص في مسائل التاريخ..
المهم أنه يغادر والابتسامة تعلو شفتيه دون أن يدري, أن الحلاقة فضحت حجم ما في الرأس من (فشخات).
abdelhadi18@yahoo.com