دروس قاسية من الماضي.. أسوأ 5 كوارث وحالات ركود مالية في التاريخ
مدار الساعة -بينما يتخوف العالم من حصول أسوأ كارثة مالية في العصر الحديث نتيجة التضخم والارتفاع الصاروخي لتكلفة المعيشة خلال عام 2022، فإن رحلة عبر الزمن تفرض نفسها، بعدما لقنت الكوارث المالية مواطني دول العالم بأجمعه دروساً قاسية.
وقعت العديد من الكوارث المالية المماثلة والانهيارات الاقتصادية والأزمات العالمية التي تسببت في تدمير الاقتصادات الوطنية ودخول المواطنين على مر القرون في كساد. ومن أزمة الائتمان عام 1772، إلى الأزمة الاقتصادية عام 2008، تركت لنا العديد من هذه الأحداث دروساً مهمة تساعدنا على التعامل بنجاح مع الوضع الذي نواجهه اليوم.
أسوأ 5 كوارث مالية في التاريخ
نعدد في ما يلي، 5 من أسوأ الكوارث الاقتصادية والركود في التاريخ، وما يمكن أن نتعلمه منها:
أزمة الائتمان 1772
في يونيو/حزيران عام 1772، انهار بنك Neale, James, Fordyce and Down في لندن بعد خسارة ما يعادل 64 مليون دولار من قيمة هذا المبلغ اليوم من أسهم المضاربة في شركة الهند الشرقية (EIC).
انتشرت فوراً حالة من الذعر بعد ارتفاع حالات الإفلاس في لندن، وأفلست جميع البنوك الخاصة في أسكتلندا تقريباً.
ثم ما لبثت أن امتدت الأزمة بسرعة إلى العديد من البنوك الهولندية قبل أن تهدأ الأسواق في النهاية.
على أن شركة الهند الشرقية كانت الأكثر تضرراً، إذ واجهت نقصاً كبيراً في السيولة، ولحمايتها من الانهيار، أصدرت الحكومة البريطانية عام 1773 قانون الشاي، الذي منح الشركة حق احتكار مبيعات الشاي في أمريكا الشمالية، وفقاً لمتحف بوسطن تي بارتي، كما رفعت بريطانيا الضرائب على الشاي الذي كان ذا شعبية واسعة في الولايات المتحدة.
لكن بسبب هذا القانون، وفي 16 ديسمبر/كانون الأول عام 1773، ألقى الأمريكيون 342 صندوق شاي بالبحر، في احتجاج أصبح يُعرف بحادثة حفلة شاي بوسطن، وشكلت تلك الحادثة نقطة فارقة في رحلة إشعال الثورة الأمريكية نحو الاستقلال عن بريطانيا والذي تحقق بعد 3 سنوات في العام 1776.
الكساد الطويل 1873
بعد 100 عام من الأزمة الأولى، حلت أزمة مالية ثانية عُرفت باسم الكساد الطويل عام 1873 مع انهيار بورصة فيينا.
وكان منع تداول الفضة في ألمانيا والولايات المتحدة، فضلاً عن زيادة استثمار المضاربات، من ضمن أسباب هذه الأزمة.
وفي الولايات المتحدة، عمدت بنوك مثل بنك جاي كوك وشركائه إلى جمع الأموال من خلال بيع السندات، لاسيما المرتبطة بالسكك الحديدية. ومع ارتفاع تكاليف البناء، انهار مصرف جاي كوك وشركائه وغيره من المصارف، وفقاً لمكتبة الكونغرس.
كانت النتيجة أنه في 20 سبتمبر/أيلول، اضطرت بورصة نيويورك إلى وقف التداول لأول مرة، وانخفضت الصادرات في بريطانيا بنسبة 25% بينما ارتفعت البطالة إلى الضعف تقريباً.
والأسباب؟
كان أحد الأسباب الرئيسية لأزمة عام 1873 هو الزيادة السريعة في الإنتاجية التجارية والصناعية، وفقاً لرئيس التثقيف في معهد الشؤون الاقتصادية ستيفن ديفيز، الذي شرح في ورقة له: "تسببت هذه الأزمة في ظهور منتجات جديدة كثيرة ولكنها أدت أيضاً إلى تغييرات كبيرة جداً بعد تقلص الصناعات القديمة. وظهر تحوُّل أيضاً في تركيز الاقتصاد العالمي، نحو البلدان الناشئة الجديدة في العالم مثل ألمانيا والولايات المتحدة".
وقال ديفيز إن الدرس المستفاد من ركود 1873 والذي يرى أنه مشابه لمشكلات حدثت عام 2012، أن "المشكلة الأساسية مشكلة إعادة تنظيم اقتصادي طويل الأجل وليس مجرد انخفاض بسيط في الطلب".
أسوأ 5 كوارث مالية
كان الانهيار المالي والركود العالمي عام 2008 "أسوأ كارثة اقتصادية منذ الكساد الكبير عام 1929″/ Shuttershock
الكساد الكبير 1929
وبعد نحو 60 عاماً، وتحديداً في 24 أكتوبر/تشرين الأول عام 1929، انهارت سوق الأسهم الأمريكية بعد 18 شهراً من مبيعات المضاربة، وفقاً لأكاديمية خان.
تسبب هذا الانهيار في ضعف النظام المصرفي، وفرط الإنتاج الصناعي، وانهيار أسعار الزراعة، وأزمة مالية أُطلق عليها "الكساد الكبير". كان الكساد الكبير إحدى أسوأ الكوارث في التاريخ الأمريكي، إذ تقلص الاقتصاد الأمريكي بنسبة 50% في غضون خمس سنوات، وأصبح نحو 15 مليون شخص عاطلين عن العمل. وبحلول عام 1933، انهار 4000 مصرف.
كان للكساد الكبير تأثير هائل على الاقتصاد العالمي. ففي بريطانيا، انخفضت قيمة الصادرات إلى النصف وتضاعفت نسبة البطالة إلى 20%. ولم يبدأ الاقتصاد البريطاني في الانتعاش إلا عام 1931، بعد خفض قيمة الجنيه الإسترليني بنسبة 25%
ويعتبر كثيرون أن الكساد الكبير ساهم في صعود النازيين، رغم أن ورقة بحثية صدرت عام 2017 أشارت أيضاً إلى أهمية تدابير التقشف التي فرضها المستشار هاينريش برونينغ، وفقاً لموقع Vox. وارتبط الكساد بصعود الفاشية في بلدان عدة، ولم ينته إلا مع بداية الحرب العالمية الثانية التي عززت الصناعات العسكرية وخلقت فرص عمل.
وفي الولايات المتحدة، أطلق فرانكلين روزفلت مجموعة سياسات "الصفقة الجديدة" الاقتصادية؛ في محاولة لإنقاذ اقتصاد البلاد. وانطلقت هذه السياسات في ثلاث موجات من عام 1933 إلى عام 1939، وركزت على خلق فرص عمل للعاطلين، وتوفير المساعدات الزراعية، والضمان الاجتماعي (شكل من أشكال المعاشات التقاعدية) وزيادة حقوق العمل. ووفقاً لموقع The Balance، وصف المؤرخون البرنامج بأنه "رأسمالية بشبكات أمان وإعانات"، ولا تزال العديد من السياسات التي قدمها (مثل الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي) محتفظة بأهميتها في الوقت الحاضر.
الأزمة الاقتصادية في السبعينيات
في أواخر الستينيات، ارتفع التضخم على مستوى العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وبدأت الأزمة مع حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول التي شنتها إسرائيل على مصر وقرر تحالف الدول العربية عام 1973، وقف إمدادات النفط للولايات المتحدة والدول المؤدية لسياسات إسرائيل.
تسببت المقاطعة في ارتفاع حاد في أسعار النفط، وذكرت صحيفة The Guardian أن أزمة النفط "خنقت الاقتصاد العالمي وأدت إلى انهيار سوق الأسهم".
ارتفع معدل التضخم في المملكة المتحدة إلى أكثر من 20%، ووصل في النهاية إلى 24%، وفقاً لشركة Deloitte. لم يكن النفط هو السبب الوحيد وراء هذه الأزمة، بل ارتفاع الأجور، وميزانية عام 1972 (التي تضمنت تخفيضات ضريبية كبيرة) ونمو الإنفاق الاستهلاكي
في 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1972، حاولت الحكومة البريطانية وضع حد أقصى للأجور للحد من التضخم؛ ما تسبب بإضراب عمال مناجم الفحم، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية BBC. نتج عن هذا الإضراب نقص في الوقود، وفي عام 1974، اضطر رئيس الوزراء إدوارد هيث إلى تنفيذ سياسة أسبوع بـ3 أيام وترشيد استهلاك الكهرباء في البلاد
وبحلول صيف عام 1975، ارتفعت تكلفة المعيشة في بريطانيا إلى 26%. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها الدولة ارتفاعاً في معدلات البطالة والتضخم في الوقت نفسه.
الأزمة المالية لعام 2008
كان الانهيار المالي والركود العالمي عام 2008 "أسوأ كارثة اقتصادية منذ الكساد الكبير عام 1929".
كان السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة هو انهيار سوق الإسكان في الولايات المتحدة. ففي بريطانيا، كان مصرف نورثرن روك أول من تأثر بمشكلات سوق القروض العقارية بسعر المخاطرة في الولايات المتحدة. وحين ظهرت مشكلاته إلى العلن، أقبل الناس على البنك لسحب أموالهم، وفقاً لبنك إنجلترا.
وبالعودة إلى الولايات المتحدة، في 15 سبتمبر/أيلول عام 2008، انهار بنك ليمان براذرز (بنك استثماري تأسس عام 1847) وأدى إلى انهيار مالي عالمي.