تقييم الدورة العادية لمجلس الأمة

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/17 الساعة 00:19

صدرت الإرادة الملكية السامية قبل أيام بفض الدورة العادية لمجلس الأمة، وهي بالمناسبة الدورة العادية الأولى التي يعقدها مجلس الأمة التاسع عشر الذي جرى انتخابه في نهاية عام 2020. فقد بدأ المجلس الحالي أعماله بدوره غير عادية انعقدت في شهر كانون الأول من عام 2020، لتتبعها دورة استثنائية في شهر نيسان من عام 2021، وليجتمع المجلس بعدها في دورته العادية الأولى منتصف شهر تشرين الثاني من العام الماضي، وذلك وفق أحكام الدستور.

إن الوصف العام للدورة العادية الأولى لمجلس الأمة أنها تشريعية بامتياز، حيث حيث نجح المجلس في إقرار عدد من القوانين الهامة على المستويين السياسي والاجتماعي. فقد أقر مجلسا الأعيان والنواب خلال الدورة العادية المنتهية كافة التشريعات التي أوصت بها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ابتداء من التعديلات الدستورية، مرورا بقانون الأحزاب السياسية وانتهاء بقانون الانتخاب.

ولم تكن عملية إقرار هذه التشريعات سهلة، نظرا لما تضمنته من نصوص وأحكام يمكن وصفها بأنها مستحدثة على الصعيدين القانوني والدستوري. فقد أثارت التعديلات الدستورية المتعلقة بإنشاء مجلس الأمن القومي حالة من الاشتباك الإيجابي بين مؤيد ومعارض له، لتقدم اللجنة القانونية في مجلس النواب صيغة توافقية ساهمت في إخراج هذا المقترح الحكومي إلى حيز الوجود.

وكذلك الحال بالنسبة لقانوني الأحزاب السياسية والانتخاب، فقد بذلت اللجان المعنية في مجلسي الأعيان والنواب جهودا استثنائية لإقرارهما، بما تضمناه من نصوص مستحدثة تتعلق بآلية النظام الانتخابي الجديد وتكريس مقاعد نيابية على مستوى الوطن للأحزاب السياسية، الذي انتقل الاختصاص بالنظر في شؤونها وأعمالها من الحكومة إلى الهيئة المستقلة للانتخاب.

ولم يكتف مجلس الأمة بهذا القدر من العمل التشريعي، فقد انتقل من القوانين السياسية إلى القوانين الاجتماعية التي لها مساس مباشر بأغلبية أفراد الشعب، والتي تمثلت بقانوني العقوبات والتنفيذ. فقد نجح المجلس في إقرار تعديل واسع على قانون العقوبات يهدف إلى التوسع في فرض العقوبات المجتمعية البديلة، وإعطاء القاضي الجزائي صلاحية أكبر في تطبيقها.

وقد رافق إقرار القانون الجزائي جدلا تشريعيا واسعا حول تجريم الشروع بالانتحار والجزاء الأنسب لمن يفشل في هذه العملية، فكان القرار البرلماني بفرض عقوبة الحبس والغرامة، على الرغم من المطالب القانونية والطبية بإخضاع الفاعل للعلاج الصحي والنفسي.

لينتقل مجلس الأمة بعد ذلك إلى إدخال تعديلات جوهرية على قانون التنفيذ عملت على إعادة رسم العلاقة بين الدائن والمدين فيما يخص حالات حبس المدين، وطبيعة الديون التي لا يجوز الحبس فيها سواء من حيث قيمتها التي تقل عن خمسة آلاف دينار، أو تلك المتعلقة بالإخلال بالالتزامات التعاقدية والتي ستسري بعد مرور ثلاث سنوات على نفاذ القانون المعدل.

وفي خضم هذا الزخم التشريعي، وقّع معظم أعضاء مجلس النواب على مذكرة نيابية تطالب الحكومة بتقديم مشروع قانون للعفو العام ليتزامن مع الإصلاح السياسي. إلا أن الحكومة لم تستجب لهذا المطلب، على اعتبار أن آخر قانون للعفو العام قد صدر في عام 2019، وأن آخر عفو خاص قد صدر في نهاية عام 2021.

وقد شهد مجلس النواب خلال دورته العادية الأولى أحداثا عصيبة تمثلت أهمها بالعراك الواسع الذي حصل في الجلسة الأولى لإقرار التعديلات الدستورية، وما نجم عنه من فرض عقوبات برلمانية وصلت حد تجميد العضوية. كما فقدت لجنة الصحة والبيئة النيابية نصابها القانوني باستقالة معظم أعضائها، فكان الخيار باللجوء إلى إعادة تشكيلها وفق أحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.

بدوره مارس مجلس الأعيان دوره التشريعي بحنكة وذكاء، فكان صمام الأمان للتشريعات التي أقرها مجلس النواب، فأعاد إلى المجلس النيابي العديد من مشاريع القوانين أهمها الأحزاب السياسية فيما يخص رفع نسبة مشاركة المرأة والشباب في تشكيل الحزب، وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد فيما يتعلق برفض منح مجلس الهيئة صلاحية إصدار قرارات الحجز ومنع السفر، والتي وافقه بها مجلس النواب.

وقد شهدت الدورة العادية الأولى عقد جلسة مشتركة واحدة لحسم الخلاف حول مسمى الهيئة المستقلة للانتخاب وقانون منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة فيما يتعلق بنسبة إيرادات المنطقة من ضريبتي الدخل والمبيعات. فكانت الغلبة لمجلس الأعيان، الذي قدّم بدوره توصية بتمديد العمل بأمر الدفاع رقم (28) حتى نهاية العام، في حال استمرت الحكومة بالعمل في قانون الدفاع.

أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com

مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/17 الساعة 00:19