لماذا تدخلت دولة 'سلفادور' في حروب العالم الإسلامي؟
مدار الساعة -في اليوم التالي لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قررت الدول الأعضاء بحلف الناتو تفعيل المادة الخامسة من معاهدة الحلف، الخاصة ببند الدفاع الجماعي، حيث اعتبرت أنه ينطبق على الهجمات التي استهدفت الأراضي الأمريكية، لكن إدارة بوش حبّذت شنّ عملية عسكرية بعيداً عن الناتو، تحت اسم "الحرية الدائمة"، وذلك لتجنُّب متطلبات العمل ضمن الناتو، والتي تشترط الإجماع من كافة الدول الأعضاء على استراتيجيات ومهام العمل العسكري.
على جانب آخر قرّر مجلس الأمن تشكيل قوة أمنية للمساعدة الدولية لحفظ الأمن في العاصمة كابول والمناطق المحيطة بها، بحيث تتعاقب الدول المشاركة فيها على القيادة كل 6 أشهر، وهو ما استجابت له 17 دولة، ليبدأ انتشار القوة مطلع يناير/كانون الثاني 2002، تحت قيادة بريطانيا لأول فترة تناوب.
ومع انشغال أمريكا بتطورات المشهد العراقي، بعد أن سيطرت على بغداد في أبريل/نيسان 2003، ظهر حلف الناتو في المشهد الأفغاني، في أغسطس/آب 2003، ليتولى قيادة زمام القوة الدولية للمساعدة الأمنية (إيساف).
وبذلك تواجدت قوتان أجنبيتان في أفغانستان، الأولى قوات الحرية الدائمة، وتختص بمهام مكافحة الإرهاب وتأهيل القوات الأفغانية الحليفة، وتخضع لإشراف قائد القيادة المركزية الأمريكية، والثانية قوات إيساف المختصة بمهام حفظ الأمن، وتخضع للتسلسل القيادي لقائد قوات الناتو بأوروبا.
رحلة السلفادور إلى العالم الإسلامي
في ظل أجواء حربَي العراق وأفغانستان شاركت العديد من الدول ضمن التحالفات التي شكّلتها واشنطن، ومن بينها السلفادور، التي أرسلت أكثر من 3400 جندي إلى العراق، في إحدى عشرة عملية تناوب متتالية، لمدة خمس سنوات ونصف السنة، كما كانت الدولة الوحيدة من أمريكا اللاتينية التي انخرطت في حرب أفغانستان.
سبق أن شهدت السلفادور ذات الستة ملايين مواطن حرباً أهلية استمرت 12 عاماً بين اليساريين واليمنيين، وانتهت باتفاقية سلام في عام 1992، لكن المظاهر المصاحبة للحرب لم تنته مع فقدان الأمن خلال مجريات الحياة اليومية بالبلاد، فالسلفادور تقبع على ذروة معدلات الجريمة، في ظل انتشار عصابات الجريمة المنظمة بها، إذ يبلغ معدل جرائم القتل بالسلفادور 61.7 حالة لكل 100 ألف نسمة، وهو معدل ضخم يجعلها الأولى دون منافس؛ إذ يبلغ متوسط المعدل العالمي 6.1 حالة قتل لكل 100 ألف نسمة، ويتضح الأمر عند مقارنته بنظيره في المكسيك الشهيرة بانتشار الجريمة؛ إذ يبلغ معدل جرائم القتل بها 24 حالة لكل 100 ألف نسمة.
وفي مواجهة عصابات الجريمة المنظمة، يعتمد شاغل منصب الرئيس في السلفادور على دعم الجيش، الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع واشنطن منذ حقبة الحرب الأهلية، فجيش السلفادور هو أحد المتلقين الرئيسيين لبرنامج "التمويل العسكري الخارجي الأمريكي"، كما تزود واشنطن البحرية السلفادورية بمعدات الاتصالات والتدريب، وتعمل سفن البحرية وخفر السواحل الأمريكية وطائرات إنفاذ القانون التابعة لوكالات الأمن الفيدرالي الأمريكي جنباً إلى جنب مع قوات الأمن السلفادورية، في عمليات المراقبة على طول ساحل السلفادور، بهدف التصدي لعمليات الاتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة. كما تستخدم واشنطن منذ عام 2000 قاعدة كومالابا الموجودة بالسلفادور، في أنشطة الكشف والمراقبة الجوية في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي، وهي قاعدة ازدادت أهميتها لاحقاً مع إغلاق قاعدة مانتا الجوية في الإكوادور عام 2009.
انخراط السلفادور في حرب العراق حدث في عهد الرئيس المحافظ فرانسيسكو بيريز (1999-2004)، رغم معارضة 70% من السلفادوريين للحرب الأمريكية على العراق، وهو انخراط مفهوم في ظل تحالف اليمين السلفادوري مع واشنطن منذ حقبة الحرب الباردة. والطريف أن الرئيس بيريز اتُّهم لاحقاً بسرقة 15 مليون دولار، تبرعت بها تايوان لضحايا زلزال ضرب السلفادور، وتوفي في عام 2016 خلال خضوعه للإقامة الجبرية.
أما انخراط السلفادور في حرب أفغانستان في عام 2011 فكان هو المثير للجدل، إذ حدث في عهد الرئيس اليساري موريسيو فونيس (2009-2014)، المنتمي لجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني، التي خاضت سابقاً حرب عصابات شرسة ضد الجيش، سقط خلالها قرابة 75 ألف قتيل. فقرار الرئيس فونيس عارضه حزبه نفسه، الذي صوّت في البرلمان ضد القرار باعتباره يضفي الشرعية على الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، لكن موريس اعتمد على دعم الأحزاب اليمينية في تمرير القرار، ووجد في إرسال قوات من بلاده إلى أفغانستان فرصةً لجني مكسبين:
الأول هو تعزيز علاقته بالجيش في السلفادور، الذي كان خَصماً تاريخياً لليسار، وكذلك بعد اتفاق السلام عام 1992 جرى تخفيض حجم الجيش وتقليص نفوذه، وهو ما ولَّد احتقاناً بين كبار الضباط ضد الأحزاب اليسارية.
الثاني هو تعزيز علاقة السلفادور بأمريكا، ما يكفل استمرار المساعدة الأمنية والاقتصادية الأمريكية لبلاده. وفي السياق نفسه جدَّد فونيس اتفاقية التعاون مع واشنطن في عام 2009، لتسمح باستخدام قاعدة كومالابا الجوية لمدة خمس سنوات.
وقد كافأت إدارة أوباما السلفادور على دورها في أفغانستان؛ إذ اختارتها كواحدة من أربع دول إلى جانب غانا والفلبين وتنزانيا للمشاركة في مبادرة الشراكة من أجل النمو. كما منحت واشنطن في عام 2012 السلفادور ثلاث مروحيات بقيمة 9.7 مليون دولار، فضلاً عن حزمة مساعدات بمليون دولار شملت شاحنات صغيرة وقطع غيار.
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء السلفادوري اتهم الرئيس فونيس بعد تركه لمنصبه بغسل أكثر من 700 ألف دولار في حسابات مصرفية شخصية بشكل غير قانوني، ما دفعه لمغادرة البلاد والعيش في نيكاراجوا.
ماهية الدور العسكري للسلفادور في العراق وأفغانستان
تمركزت القوات السلفادورية في النجف وسط العراق، والحلة والكوت بالجنوب، وشاركت في تأمين نقاط التفتيش وقوافل الحراسة، ونفّذت عمليات للتخلص من الذخائر المتفجرة، فضلاً عن تدريب قوات الدفاع المدني العراقي، وتكبدت خلال تنفيذ تلك المهام خمسة قتلى وقرابة عشرين مصاباً.
وفي أفغانستان، خشي الرئيس فونيس من تداعيات سقوط قتلى من جنود بلاده، إذ كان هذا سيعزز من ضغوط حزبه للانسحاب من أفغانستان، ومن ثم حرص فونيس على نشر قواته في مهام غير قتالية بالعاصمة كابول، وغرب البلاد الذي اتصف بالهدوء آنذاك، تحت قيادة قوات إيطالية وإسبانية، ما يُخفف من عقبات اللغة التي قد يواجهها جنوده، إذ تُعد اللغة الإسبانية هي اللغة الرسمية بالسلفادور.
وقد أوفدت السلفادور 24 عسكرياً، في سبتمبر/أيلول 2011، من بينهم عشرة مدربين ليعملوا في تدريب الجيش والشرطة الأفغانيين على مهام مكافحة التمرد، فضلاً عن ثلاثة مدربين من الشرطة العسكرية، ليعملوا ضمن أكاديمية الشرطة الأفغانية في كابول، وتسعة من مدربي القوات الجوية لتدريب الطيارين الأفغان على مروحيات مي 17 الروسية، فضلاً عن مختصين عملوا مع قوة إيساف في مهام الاستخبارات والخدمات اللوجستية.
تجربة القتال في العراق وأفغانستان أصبحت لاحقاً شرطاً ضمنياً لتقلد المناصب القيادية العليا بالجيش السلفادوري، بحسب كتاب (تحديات التحالف في أفغانستان)، وساهم وجود عسكريين متقاعدين بجوار معدل البطالة المرتفع الذي يتجاوز 10% في تحويل السلفادور إلى إحدى الدول المصدرة للمرتزقة، إذ وُجهت اتهامات لمرتزقة من السلفادور، تعاقدت معهم دولة خليجية، بالتورط في عمليات اختطاف وتعذيب لناشطين وحقوقيين في سجون سرية باليمن.
وفي المحصلة، فإن تردِّي الوضع الاقتصادي، والنشاط المكثف لعصابات الجريمة المنظمة، والاحتياج للدعم الخارجي، هي عوامل استثمرتها واشنطن لدفع السلفادور لمسايرة مغامرات البنتاغون العسكرية، لكن في ظل محدودية عدد الجيش الذي لا يتعدى 24.5 ألف جندي، فلم يكن للسلفادور دور محوري في العمليات القتالية بالعراق وأفغانستان، إنما لعبت دوراً رمزياً احتاجته أمريكا في تكثير سواد حلفائها.