جنازة عالمية
لم تحظ أي جنازة لفلسطيني في التاريخ القريب كما حظيت بها جنازة الزميلة شيرين أبو عاقلة، فلم يكن المشيعون الذين جاءوا بعشرات الآلاف ليزفوها من خلال "طريق الخلاص" وعبر "درب الآلام" التي مرّ بها السيد المسيح بعد أن عذبه الأجداد اليهود وانهكوا جسده وهو يدعو لهم بالمغفرة قبل ألفي عام، فقد مرت الجنازة على مدن فلسطين الرئيسة قبل أن تصل الى مثواها، وإن كان شعب الجبارين هم من هبوا الى تشييع جثمانها، فقد شيعها عبر قنوات البث التلفزيوني ملايين البشر حول العالم، تلك الفاصلة التي رسمتها شيرين كان وبالاً على نظام القمع والقتل والتمييز العنصري الديني، ولكن العالم المنافق لا يزال يخشى من لعنة الحرب العالمية الثانية وإجبارهم على التصديق بالهولوكوست كمسلّمة لا يجوز إنكارها.
موت شيرين كان هو الرصاصة التي حطمت الزجاج المموه أمام دول العالم التي تدعي الإنسانية وتصمت عن جرائم الاحتلال، حكومات العالم المسيحي حاولت التخفيف من وقع الصدمة وجانبوا الحقيقة بمصطلحات ملتوية من خلال المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق، وكأن الجميع لا يعرفون تاريخياً أن قوات الاحتلال تقتل على الظن دون محاسبة، ولكن بعدما ظهرت القوة المتوحشة للقوات الصهيونية في مواجهة جثمان شيرين وضرب حامليه وإسقاطه على الأرض، والتقييد على شقيقها والتهديد والوعيد لهم، لم يترك مجالاً لنادي أصدقاء إسرائيل كي يستمروا في النفاق لها، فقد ألب المشهد الحكومات والشعوب على دولة الفصل العنصري.
عندما يقتل يهودي واحد على يد عربي تقوم الدنيا ولا تقعد عند المحتل، تتحرك أرتال العربات المدرعة والاجتياحات المسلحة نحو بلدات وقرى المنفذين العرب، يهدمون بيوتهم وينكلون بأهليهم ويضربون حصارا عليهم، ولا ينتقدهم أحد، بل هناك من يؤيد إجراءاتهم ويتهم الفلسطيني بأنه المتسبب بالإرهاب، فيما اقتحام الأماكن الدينية ومنع المصلين المسلمين والمسيحيين من الوصول الى المسجد الأقصى والكنائس لا يندد بها أحد من العالم الأعور.
اليوم اضطر العالم الذي يبدو أنه ملّ وكلّ من دلع وولع دميتهم المدللة في تل أبيب من تلك المسيرة الدموية التي تحميها الدول الغربية وهي تعلم جيدا أنها تحترف الإجرام، ولهذا أدانت حكومات الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول أخرى ما جرى خلال مراسم التشييع الذي فضحهم، ولكن هذا المشهد سينسى بالتأكيد، وستعود إسرائيل لما كانت عليه أمتهم قبل آلاف السنين من كراهية للمسيح المخلّص وللعرب المسلمين، ومن ورائهم العالمان الإسلامي والمسيحي، لأنهم يرون أنهم فوق كل هذا الكون جنساً مميزاً عليهم، وهذه على ما يبدو ستكون بداية النهاية التي بشّر بها الله كل المستضعفين على الأرض لتخليصهم من شرور دولة استباحت كل المحرمات والمواثيق لصالح ستة ملايين يهودي يعيشون على أرض لم تكن لهم أصلا، فيما يرفض ملايين اليهود في العالم الهجرة لها.
من عمق الصورة التي ظهرت بها تلك المقدسية المقاتلة بالصوت والصورة وهي تقتل دون رحمة وبتخطيط دولة لا شخص، فقد كانت الرصاصة هي البداية لوضوح الصورة عن آخر دولة مستبدة، ستكون القضية الفلسطينية حكاية في كل بيوت العالم الذي كان مغيبا عنها، وسيزيد زخم الكراهية ضد الكيان المغتصب، ولعل الرعاة البلاتينيين لحكومات تل أبيب تفهم أن المستقبل لن يكون إلا لأصحاب الحق، وإن ماتت شيرين كفلسطينية، فإن السيد المسيح قد مشى على تلك الأرض قبل أن يميته الله ويرفعه في أعلى السماوات كي يعود قريباً إلى هذه الأرض الفلسطينية، أرض المعراج والعودة ليحق الحق ويبطل باطل الذين ظلموا.
Royal430@hotmail.com