قراءة في تعديلات قانون التنفيذ

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/12 الساعة 02:06

أقر مجلسا الأعيان والنواب مشروع القانون المعدل لقانون التنفيذ لعام 2022، الذي تضمن جملة من النصوص المستحدثة التي سعت إلى إعادة رسم العلاقة بين الدائن والمدين في مجال تنفيذ الأحكام القضائية وتحصيل الديون.

وتمثلت أبرز هذه الأحكام الجديدة في توسيع الحالات التي لا يجوز فيها حبس المدين لتشمل المدين المفلس والمعسر والمحجور عليه، والذي يعاني من مرض مزمن لا يرجى شفاؤه، بالإضافة إلى عدم جواز الحبس في الديون بين الأزواج أو الأصول أو الفروع أو الأخوة، وتلك التي تقل قيمتها عن خمسة آلاف دينار.

كما تضمنت التعديلات الجديدة تغييرا في شروط حبس المدين. فبعد أن كان القانون يلزم المدين بدفع (25%) من المبلغ المحكوم به لتفادي قرار الحبس، جرى تخفيض هذه النسبة لتصبح (15%) فقط، على ألا تتجاوز مدة الحبس ستين يوما في السنة عن الدين الواحد، وما مجموعه (120) يوما في السنة مهما تعدد الدائنون.

ويبقى الحكم الأبرز في قانون التنفيذ المعدل يتمثل بعدم جواز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي باستثناء عقود إيجار العقار وعقود العمل، على أن يبدأ سريان هذا النص القانوني بعد مرور ثلاث سنوات على نفاذ القانون المعدل.

قد يعتقد البعض أن مبررات هذا التعديل تكمن في وجوب التوافق مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص في المادة (11) منه على عدم جواز حبس أي إنسان بسبب عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي، حيث تعالت الأصوات التي تهاجم قانون التنفيذ بأنه يتعارض مع هذه الاتفاقية الدولية.

إلا أن النص المُعدّل بحلته النهائية الذي يجيز حبس المدين في الالتزامات التعاقدية المتعلقة بعقود الإيجار والعمل، يؤكد أن المشرع الأردني لم يُقم وزنا للعهد الدولي الخاص، باعتباره فاقدا للشرعية الدستورية. فهذا العهد الذي يعتبر اتفاقية دولية تمس حقوق الأردنيين العامة والخاصة ويحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات، لم تُستكمل الإجراءات الخاصة بدخوله حيز النفاذ كما حددتها المادة (33/2) من الدستور. فهو وإن جرى نشره في الجريدة الرسمية، إلا أنه لم يُعرض على مجلس الأمة للموافقة عليه بقانون تصديق خاص وفق أحكام الدستور.

وفيما يتعلق بسريان قانون التنفيذ المعدّل، فإن المادة (16) منه تنص على أن تسري أحكامه على المحكوم عليهم الذين صدرت بحقهم قرارات حبس تنفيذي قبل نفاذه، وأنه يتعين على رؤساء التنفيذ المباشرة بتطبيقه على القضايا قيد التنفيذ، وإلغاء قرارات الحبس الصادرة قبل نفاذ أحكامه.

وقد يرى البعض في سريان القانون المعدل على القضايا التنفيذية القائمة قبل نفاذه وعلى قرارات الحبس الصادرة قبل دخوله حيز النفاذ مخالفة دستورية، بحجة أن القاعدة القانونية تسري بأثر فوري مباشر.

إن هذا القول غير سديد ويتعارض مع المادة (93/2) من الدستور التي تنص صراحة على أن يسري مفعول القانون بإصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوما على نشره في الجريدة الرسمية، ما لم يرد نص خاصّ في القانون على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر.

وقد سبق للمحكمة الدستورية أن قضت في قرارها رقم (5) لسنة 2017 بجواز تضمين التشريع من درجة قانون لتاريخ سريان خاص به، وأن هذا الحكم يقتصر فقط على القانون دون النظام الذي لا يمكن أن يسري بأثر رجعي على الوقائع السابقة لتاريخ نفاذه. فالأثر الرجعي من وجهة نظر المحكمة الدستورية لا يكون إلا لتشريع من درجة قانون إذا تضمن القانون نصا خاصا على ذلك، ولأمر تقتضيه ضرورات الصالح العام.

وعليه، فإن سريان قانون التنفيذ المعدل على قرارات الحبس التي صدرت قبل نفاذه يتوافق مع الأصول الدستورية فيما يخص سريان القانون من تاريخ آخر لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية، حيث ورد نص صريح بذلك، وأن مقتضيات الصالح العام تفرض الاستفادة من الأحكام المستحدثة في قانون التنفيذ، وذلك بما يتوافق مع اجتهاد المحكمة الدستورية.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com

مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/12 الساعة 02:06