في 'عُقمِ' الرِهان على 'تفكّك' إسرائيل.. قبلَ 'الثمانين' (2 ــ 2)

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/11 الساعة 11:31
أضاف المُعجبون حدود الاحتفال بما كَتبه مجرم الحرب/إيهود باراك, وَهّماً جديداً ينهض على سلسلة من مُسلّمات يل خزعبلات, تقول إن دولة العدو الصهيوني مُقبلة على التفكّك والانهيار, بعدما بثّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق عبر مقالتين في صحيفة يومية, مخاوف مُتجدّدة تغرِف من تاريخ «يهودي» مؤسطر «قبل ميلاد السيد المسيح», وأن دولتهم الراهنة ستلقى المصير البائس لـ«مملكتين يهوديتين» هما مملكة داود والأخرى مملكة الحشمونائيم, لم تصل أي واحدة منهما «سن الثمانين».
هنا أضاف المحتفلون إلى قواعد وخزعبلات إطمأن إليها عرب ومسلمون وخصوصاً فلسطينيون, بأن إسرائيل محكومة بالفناء من داخلها وما عليهم سوى انتظار اليوم «الموعود». خصوصاً لأسباب ديموغرافية ورهانهم الدائم على «الرحم» الفلسطيني, مُستعينين بإحصائيات معظمها إسرائيلية, تعكس تفوقاً متزايداً في عدد الفلسطينيين على أرض فلسطين «التاريخية» مقارنة بعدد اليهود, الذين لم تتوقف قوافل استجلابهم من معظم دول العالم وبخاصة الخزان البشري اليهودي في أوروبا الشرقية، وأحدثها هجرة يهود أوكرانيا الذين تمّ إلباسهم خداعاً وتواطؤاً، صفة اللاجئين, رامت دولة الصهاينة إيواء اليهود منهم وأبقت الآخرين على قِلّتهم في وضع مُعلّق حتّى الآن.
لم يسقط الرهان الفلسطيني العربي على الرحم الفلسطيني (ديموغرافياً), وما يزال البعض على قناعة بـ«سيرورة» هذا الخيار، فيما لم تتوقف «نبوءات» بل هلوسات أخرى عن الظهور بين الفينة والأخرى تتحدث عن زوال إسرائيل في القريب الوشيك, على النحو الذي حدّده الشيخ/بسام جرّار (كمثال طازج على سلسلة نبوءات مُماثلة يستطيع من يهمّه الأمر البحث عنها والوقوف على تفصيلاتها ومبرراتها المتهافتة), الذي قالت «نبوءته» إنّ زوال إسرائيل سيكون «في الفترة التي تلتقي فيها السنتان القمرية/والشمسية، أي ــ بٍحسبِه ــ بدءاً من 5 آذار/الماضي وحتّى نهاية شهر حزيران الوشيك. وإذ لا تفصلنا سوى أسابيع قليلة عن الموعد الذي ضربه لنا فضيلة/الشيخ جرار، فإنّ وسائل الإعلام نقلت عنه تنصّله من نبوءته هذه، إذا لم تتحقق، خاصّة أنّ كثيرين صدّقوها وراحوا يبثّونها في فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي, على نحو زاد عدد المريدين والمروّجين والمخدوعين كما يجب التنويه، إذ برّر سماحته في حال عدم تحقق ما تنبّأ به وكيف سيبدو أمام مريديه، قائلاً في استذكاء بل باستخفاف بعقول الجمهور: «أنا لم أقل أنّ النبوءة ستتحقّق بنسبة مئة بالمئة، بل قلت أنّ نسبة حدوثها بين 95-96%». فتأملوا وقارِنوا واكتشفوا حجم الخراب الذي تُحدثه خزعبلات كهذه.
ما علينا..
تناسى بل صرفَ المحتفلون بمخاوف إيهود باراك النظر عن جوهر ادّعاءاته وصلفه وغروره اليهودي/الصهيوني/العنصري، ولم يقِفوا عن قصد وربما عن جهل على ما قاله وحذّر منه يهود الدولة الصهيونية, حول المخاطر والظواهر الاجتماعية التي تحدّق بهم، وضرورة الحدّ منها بل تلافيها حتّى لا تلقى دولتهم الاستيطانية مصير «سابقتيها» الأسطوريتين.. بل إنّ رهط المحتفلين والحالمين بتفكك إسرائيل بفعل عوامل داخلية, لم يقارنوا ما قاله وشخّصه وأضاء عليه داخل دولة العدو، بما هي «أحوال» معظم بلاد العرب ومجتمعاتهم المُفخّخة وأنظِمتِهم المأزومة, وما يفتك بها من أمراض وعوارض اجتماعية تفكيكية خطيرة.. ظاهرة وخفية تهدّد بانهيارات على أكثر من صعيد، زِد على ذلك ما تعانيه وتمرّ به العلاقات العربية/العربية من عِداء وتنافر وغياب أي مقاربات أو جهود, للحدّ من الخلافات وتجاوز الأفخاخ والمطبات التي يضعها ويحفرها العرب لأنفسهم وفي ما بينهم، على نحو لم يعد لعرب اليوم أيّ وزن أو دور أو تأثير في المشهدين الإقليمي/والدولي، زِد على ذلك محاولات تغييب وإخفاء الانهيار لما تبقّى لهم من روابط «جامعة» آيلة للسقوط, ومثالها الأبرز جامعة الدول العربية وخصوصاً مؤسسة القمة. فيما نرى على مقلب آخر كيف تسارع دول متجاورة/ومتعادية للبحث عن صيغ ومقاربات تخدم مصالحها، مُبعدة الخلافات العميقة تمهيداً لمعالجتها لاحقاً، وانظروا إلى تجمّع آسيان ومنظمة شنغهاي ودول بريكس, ولا ضرورة للتذكير بالاتحاد الأوروبي وما بين إسرائيل واليونان وقبرص، كذلك ما تسعى إليه تركيا لتكريس ما تسميه «العالم التركي» في الدول الآسيوية السوفياتية السابقة.
إليكم ما استند إليه إيهود باراك ليحذر اليهود من مصير مُظلم ينتظرهم, إذا ما واصلوا تجاهله في الوقت الذي تبجّح فيه بقوة إسرائيل القادرة على هزيمة «كل» أعدائها.
إذ قال: «العدو الأخطر للدولة هو الانقسام الداخلي والكراهية المتزايدة بين اليهود، التحريض، التزمّت، والإنقسام الذي يشتدّ من سنة إلى سنة. الأُمم - أضاف - التي لم تعرِف كيف ترصّ صفوفها في لحظات الاختبار..إختفت عن مسرح التاريخ».
ويبقى السؤال فلسطينياً وعربياً.. ماذا عنّا نحن الأُمّة التي تمزّقها الخلافات, وتعصِف بها الأحقاد والإنقسامات والحروب البيئية العبثية؟
kharroub@jpf.com.jo
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/11 الساعة 11:31