جريمة الشروع في الانتحار

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/08 الساعة 00:28
أقر مجلس النواب قبل أيام مشروع القانون المعدل لقانون العقوبات لعام 2022، الذي تضمن نصا مستحدثا يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من شرع في الانتحار في مكان عام، على أن تتشدد هذه العقوبة إلى الضعف إذا تم ذلك باتفاق جماعي.
وقد تباينت وجهات النظر القانونية والطبية بين مؤيد لهذا النص الجزائي ومعارض له، حيث يتمسك المدافعون عن هذا التعديل بأن حالات التهديد بالانتحار لم تعد ممارسات فردية، وإنما بدأت تتشكل ظاهرة اجتماعية جديدة تتمثل في تبسيط فكرة الانتحار واعتبارها أمرا يسهل تحقيقه لأي شخص يتعرض لمشاكل اقتصادية أو اجتماعية، بشكل يبث روح التشاؤم والانهزام في النفوس والضمائر، وأن هذا السلوك من شأنه أن يلحق ضررا بالأمن والسلم المجتمعي مما يبرر تجريمه.
كما يبدي أنصار هذا الاتجاه أن الشروع في الانتحار يعد جريمة في العديد من التشريعات المقارنة، ومثالها قانون العقوبات الإماراتي الذي يفرض في المادة (335) منه عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم أو بالعقوبتين معا على كل شخص يشرع في الانتحار.
كما يعاقب قانون العقوبات السوداني في المادة (133) منه كل من يشرع في الانتحار بمحاولة قتل نفسه بأي وسيلة، بالسجن مدة لا تتجاوز سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا.
في المقابل، يرى المعارضون لهذا النص القانوني الجديد أن الانتحار من السلوكيات الاجتماعية الخطيرة التي لا بد من التعاطي مع كل من يحاول الإقدام على هذا الفعل بطريقة مختلفة، وذلك من خلال توفير العلاج النفسي له بهدف منعه من تكرار هذه المحاولة في المستقبل، مع التأكيد على ضرورة إيقاع العقوبات الرادعة بحق كل من يُحرض على الانتحار وإزهاق النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق.
كما يبدي المعارضون لعقوبة الشروع في الانتحار أن التقارير الدولية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والجهات المعنية الأخرى تعتبر أن تجريم الانتحار يأتي بنتائج عكسية، وأنه يجب إلغاء أي عقوبة على مرتكب هذا السلوك والتعامل معه على أساس أنه مريض نفسي بحاجة للرعاية والاهتمام.
إن هذا الجدل التشريعي حول تجريم الشروع في الانتحار من عدمه وطبيعة الجزاء المقرر على هذا الفعل قد شهده مجلس النواب المصري مع بدايات هذا العام، حيث قدّم أحد النواب مقترحا لتعديل قانون العقوبات المصري لتضمينه نصا صريحا يُجرم الشروع في الانتحار. وقد تجدد اهتمام البرلمان المصري بهذا المشروع مؤخرا بعد إقدام أحد لاعبي كرة القدم على الانتحار لأسباب نفسية.
إلا أن الاختلاف بين النصوص التشريعية المقترحة واضح وجلي. ففي الوقت الذي أقر مجلس النواب الأردني عقوبة الحبس والغرامة بحق كل من يحاول الانتحار في مكان عام، فإن المقترح التشريعي المعروض على مجلس النواب المصري يقضي بمعاقبة كل من يشرع في الانتحار بالإيداع فى إحدى المصحات التي تُنشأ لهذا الغرض بقرار من وزير العدل، وذلك ليعالج فيها طبيا ونفسيا واجتماعيا لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات. وفي حال العودة إلى الانتحار، تكون العقوبة حسب المقترح التشريعي المصري فرض غرامة مالية لا تقل قيمتها عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه.
إن تباين الاتجاهات التشريعية في التعاطي مع جريمة الشروع في الانتحار يدعونا إلى التروي والتفكير مليا قبل إقرار عقوبة الحبس على مرتكبيها، والتي بمجرد تضمينها قانون العقوبات الأردني سيكون من الصعب إلغاؤها في المستقبل.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/08 الساعة 00:28