السعودية بلد الكفاءة والبشائر

د. محمود حسين العزازمة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/04 الساعة 18:39
عند زيارتك قارئي العزيز إلى السعودية، ستتفاجأ ببحر عارم من نقاء الشعب السعودي، سواء أكان ذلك في التعامل، أو عند رصدك لطبيعة تعامل ذلك الشعب العظيم مع بعضهم بعضا، أو من خلال سماعك لأحاديثهم.
ستلاحظ أن أول كلمة تجري على ألسنتهم بكثرة لافتة هي كلمة أبشر. وكم من البشائر والأمن والطمأنية والحب واللطف الذي تضفيه هذه الكلمة على سامعيها، أما كلمة (تكفى) التي قد تعادل الكلمة المتحضرة لطفاً، فستلاحظ أنها تتكرر آلاف المرات، مقرونة بابتسامة عريضة وعربية أصيلة لا يمكن أن يتقنها شعب آخر غير الشعب السعودي.
ولقد كانت البشائر وكانت هذه الكفاءة انعكاساً عظيماً لتعامل القيادة السعودية الحكيمة مع شعبها النبيل الذي بادلها حبا بحب ووفاء بوفاء، وبشراً ببشر، وكفاءة بكفاءة، ومن تلك العلاقة النادرة في حبها وولائها وانتمائها، بدأ الحب، بدأ الإنجاز، ولنقل واثقين ومطمئنين: بدأ الإبداع.
شاءت الأقدار أن أعمل في المملكة العربية السعودية خمسة عشر عاماً، كنت فيها أستاذاً جامعياً في الصباح، وفي المساء دائب الحركة بين الأخوة والأصدقاء المثقفين والشعراء والكتاب والفنانين والصحفيين والموهوبين، وأعتقد أنني تعرفت على معظم شرائح المجتمع السعودي الطيب المعطاء المحب للعرب والعروبة، ابتداء من العمال والكادحين إلى الموظفين والأساتذة الجامعيين، ثم الفنانين والشعراء والكتاب وسوى ذلك الكثير.
وأزعم أن أشجار النخيل التي تملأ الميادين والطرقات والفيافي والقرى والمدائن في مملكة الحب والنقاء والخير، ستعرفني إذا ما مررت بجوارها وسأعرفها.
لقد كان عملي طوال تلك السنوات في منطقة حائل؛ حيث جامعتها الفتية النابضة بالتطور والإنجاز، غير أنني تجولت في مدن سعودية كثيرة كالرياض والدمام والمدينة ومكة، وحفر الباطن، والقريات ، وجيزان، عسير، والطائف، وأبها، وخميس مشيط، وبريدة وتبوك، وكل عام كنت أشد الرحال إلى أجمل مدن الدنيا جدة الحبيبة وأقضي فيها مع أسرتي أجمل ثمانية أيام في الحياة.
أستطيع القول بعد رحلتي السعيدة والطويلة، أنني غادرت وطناً حانياً لا يمكن تعويض فقده في قلبي أو قلوب أسرتي التي رافقتني الرحلة، إلا بأمر واحد فقط، هو أن نواصل بعد مغادرته الدعاء له بالخير، ومواصلة محبته والإخلاص له على مر الدهور والعصور.
لقد غادرت المملكة العربية السعودية بعد انتهاء تعاقدي إلى دولة الإمارات العربية العربية المتحدة، وتقلدت منصب عميد لكلية في إحدى جامعاتها المرموقة، ولا بدّ لي من نقل ما أشعر به من شوق عظيم إلى السعودية وأهلها وطرقاتها ونخيلها وفلواتها، وأستطيع القول بعد رحلتي في المملكة الحبيبة، أن المملكة العربية السعودية أعطتني أكثر بكثير مما أعطيتها، على أنني اجتهدت وحاولت أن أقدم ما أستطيع وبكل جهدي وإخلاصي، لكنها كانت لي كالأم الحانية تمنح وتعطي دون مقابل أو حساب.
كنت عام 2008 م عندما شددت الرحال إليها من الجامعة الأردنية إلى جامعة حائل، كنت أعتقد أنني سأنقل تجربة فريدة إلى الجامعة، وخبرات وطاقات وقدرات كثيرة وخلاقة، غير أنني وجدت في الجامعة والمملكة والشعب السعودي المحب الكريم طاقات مبدعة وخلاقة أستطيع القول بصدق وأمانة أنني تعلمت منها الكثير، وقد راكمت فوق تجربتي أغزر وأثمن التجارب.
لقد كانت المعارف والأفكار التي انتقلت إليّ من المجتمع السعودي، خبرات مغلفة بإنسانية فريدة ومفرطة في المحبة والتسامح والإنسانية والأخوة والكرم.
أقول إنها مغلفة بإنسانية مفرطة، إذ كثير ما يردد الشعب السعودي مفردة "تكفى" وأعتقد أنني سمعتها مئات آلاف المرات، ليست موجهة لي شخصياً بل كانت متنوعة، قد يطلقها الطالب نحو المعلم أو الطالب نحو زميلة، أو الابن نحو والده، أو البنت نحو معلمتها إلى غير ذلك، وإن تكرار مفردة "تكفى" له دلالة عظيمة في اللغة والحضارة والعلم والإنسانية والتاريخ.
وبالعودة إلى إلى معنى تكفى؛ نجد أن لها علاقة وثيقة بالكفاءة والعطاء والبناء وهي تقال تقْدمة لطلب ما، وفيها معنى الرجاء الإنساني اللطيف الممزوج بالتأدب والعفة، فقائلها يرجو من قالها له، فيقول له: تكفى. ومثالها: تكفى أعطني هذا الكتاب، ويقابلها لطفاً.. أعطني هذا الكتاب.
وفي اللغة العربية فإن الفعل( كفي) من كفى الرجل كفاية، والرجل الكفي من تكون به الكِفاية والمنعة والشموخ، نقول: هذا رجلٌ كَفْيُك من رجل!
وكفى الشيء، بمعنى استغني به عن غيره، كفاه مؤونته، جعلها كافية له، أي قام فيها مقامه، وكفيته شر عدوه، أي حفظته منه، ويمكن أن يأتي معنى تكفى من كافأه، أي جازاه.
وقد وردت كلمة (تكفى) في قصيدة الشاعرة السعودية (نورة الرشيد) في قصيدة جميلة، منها قولها:
جيتـك بكلمـه كنهـا صعــقـة الويـل وإن قلت تكفى لاتهــاون بتكفــى
تــكفى تراها كلمــةٍ تقــطم الحيـــل لا بالله الا تنسف الحــيل نسفا
وتعادل كلمة تكفى في تحضرها ووقعها المعنوي الجميل، وأثرها على المتلقي، أكثر بكثير مما تؤديه كلمة ( بليز) بالإنجليزية.
أما كلمة ( أبشر) فتجري ملايين المرات على ألسنة المجتمع السعودي الذي يتصف بالنخوة والشهامة والكرم والإغاثة والحنو والرأفة.
تكفى، وأبشر، ليس مجرد كلمتين أو جملتين أو نصين طويلين من نصوص التحضر والإنسانية الذاهبة عميقاً في الرقة والدماثة والحب، أؤكد لكم ، من خلال تجربتي العميقة مع الشعب السعودي المعطاء، أنهما عالم حقيقي من الخير والأمان والرأفة والحب لكل من يتربى على سماعهما في مملكة المحبة والكرم والعطاء منذ الصغر.
لهذا يصر ابني أسامة ذو العشرة أعوام، والذي ولد على ثرى المملكة العربية السعودية أن يجيب على كل من يسأله: من أين أنت يا أسامة، إلا القول: أنا ولدت في السعودية، أنا سعودي!
ولا غرابة يا ولدي أسامة في القول أنك سعودي، فوالدك وكل من عاش في ربوع السعودية العزيزة، وشرب من مائها الصافي الرقراق وتعامل مع أهلها الطيبين، ولفحه بعض هجيرها الحبيب، هو- لعمري- سعودي، وسيبقى على مدى الدهر سعودياّ مخلصاً ومحباً أبد الدهر، فكن يا ولدي، أبد الدهر سعودياً محبّاً لوطن شهقت على ثراه الطهور شهقة الحياة.
Mama888_6@hotmail.com
  • عربية
  • نادرة
  • عرب
  • مال
  • الموظفين
  • منح
  • الأردن
  • لب
  • الرقة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/04 الساعة 18:39