لماذا وضعت الحرب في أوكرانيا الصين في “مأزق استراتيجي” سياسياً واقتصادياً؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/03 الساعة 19:18
مدار الساعة -أسفرت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عن "مأزق استراتيجي" لدى الصين. فمن ناحية، عطّل الصراع التجارة الصينية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وزاد التوترات في شرق آسيا، وعمّق الاستقطاب السياسي داخل الصين من خلال تقسيم الناس إلى معسكرين مؤيدين ومعارضين لروسيا. من ناحية أخرى، تلوم الصين الولايات المتحدة في استفزاز روسيا بدعمها لتوسيع الناتو وتخشى أن تسعى واشنطن لإطالة أمد الصراع في أوكرانيا من أجل إعاقة روسيا. ولا ترى بكين الكثير من المكاسب في الانضمام إلى الجوقة الدولية التي تدين موسكو.عربي بوست
الحرب الروسية على أوكرانيا ومعضلة الصين السياسية والاقتصادية
بغض النظر عمّا تقوله الصين أو تفعله رداً على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن هجوم في أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تخفف واشنطن من استراتيجية الاحتواء تجاه بكين كما تقول مجلة Foreign Affairs الأمريكية.
وباعتبارها الجار الأكبر والأقدر عسكرياً للصين، فإنَّ روسيا ليست قوة ترغب بكين في استعدائها؛ لذلك سعى صانعو السياسة الصينيون إلى تجنب استفزاز أي من القوتين المتنافستين بلا داعٍ؛ من خلال الامتناع عن التصويت لإدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة واختيار بياناتها الرسمية حول العملية العسكرية بعناية.
لكن استراتيجية التوازن هذه لا تخلو من التكاليف. فقد أدى رفض إدانة روسيا إلى توتر علاقات الصين مع بعض جيرانها ونأى بكين عن العديد من الدول النامية التي اصطفت ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، تكبدت بكين تكاليف اقتصادية ناجمة عن الهجوم الروسي يمكن أن تستمر لفترة طويلة في المستقبل. ومع ذلك، من أجل تقليل خسائرها الاستراتيجية إلى الحد الأدنى، من المرجح أن تلتزم الصين بهذا المسار الأوسط حتى تنتهي الحرب في أوكرانيا.
"الصراع بين روسيا وأوكرانيا لا يفيد الصين"
منذ بداية الصراع، اتهمت القوى الغربية الصين بدعم الأعمال العسكرية الروسية بشكل غير علني أو نشط في أوكرانيا. في مارس/آذار، على سبيل المثال، ذكرت صحيفة The New York Times مزاعم لم يُتحقّق من صحتها بأنَّ روسيا شاركت خططها العسكرية مع الصين قبل الصراع. لكن كما أشار تشين جانغ، سفير الصين لدى الولايات المتحدة، في مقال رأي بتاريخ 15 مارس/آذار في صحيفة The Washington Post، فإنَّ الصين لديها الكثير لتخسره من تصرفات روسيا: "كان هناك أكثر من 6000 مواطن صيني في أوكرانيا. والصين هي أكبر شريك تجاري لكل من روسيا وأوكرانيا، وأكبر مستورد للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم. الصراع بين روسيا وأوكرانيا لا يفيد الصين. فلو علمت الصين بالأزمة الوشيكة، لكنا بذلنا قصارى جهدنا لمنعها".
في الواقع، قلّل تشين من التأثير السلبي للعملية العسكرية على الصين؛ حيث تسبب الصراع في اضطراب أسواق السلع وتعطيل سلاسل التوريد؛ مما أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات للشركات الصينية. على سبيل المثال، خسرت مجموعة Tsingshan Holding Group الصينية العملاقة للنيكل 8 مليارات دولار في صفقات سيئة التوقيت بعد أن تسببت العملية العسكرية في ارتفاع أسعار النيكل ارتفاعاً كبيراً.
وأدت الاضطرابات المرتبطة بالعملية العسكرية أيضاً إلى إلغاء طلبات التصدير الصينية على نطاق واسع وإضعاف الإنتاجية الصناعية الصينية. وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء، انخفض مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الصيني – الذي يتتبع النشاط الاقتصادي في قطاع التصنيع- بنسبة 0.7% في مارس/آذار، وهو أداء أسوأ بكثير مما توقعه محللو السوق، ويمثل أول انكماش شهري منذ أغسطس/آب 2021.
ومما زاد الطين بلة أنَّ العملية العسكرية الروسية زادت من توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها. قالت أستراليا وكندا واليابان والمملكة المتحدة إنها ستنضم إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات ثانوية على الشركات الصينية التي تواصل التعامل مع روسيا كالمعتاد.
انقسامات داخلية في الصين من الحرب الروسية
وأخيراً، أدت العملية العسكرية في أوكرانيا إلى تعميق الاستقطاب السياسي داخل الصين نفسها. على منصة WeChat والشبكات الاجتماعية الأخرى، اندمج المواطنون الصينيون في معسكرات معارضة، أحدهما مؤيد لروسيا والآخر ضدها.
بعد فترة وجيزة من انطلاق العملية العسكرية، بدأ بعض مستخدمي الإنترنت الصينيين المناهضين لروسيا في مناقشة الظلم في معاهدة أيغون لعام 1858، التي تنازلت عن نحو 230000 ميل مربع (370149.12 كيلومتر) من الأراضي الصينية لروسيا. وقد جعلت الحساسية السياسية لهذا الحدث التاريخي بكين في الماضي حذرة من دعم أي جهود روسية للتوسع الإقليمي. ومع ذلك، في هذه الحالة، يجب على بكين أن تولي الاعتبار الصادق للمشاعر المعادية لروسيا بين بعض المواطنين الصينيين.
فقدان الثقة بالأمريكيين
لكن على الرغم من الآثار السلبية لهذه العملية العسكرية على الصين، بكين ليست مستعدة لقبول نهج واشنطن تجاه الصراع. منذ بداية الصراع، جادلت الحكومة الصينية بأنَّ الولايات المتحدة استفزت روسيا من خلال الضغط من أجل توسع الناتو باتجاه الشرق. وهي ترى الآن أنَّ واشنطن تُصعِّد العملية العسكرية عمداً من أجل إدامتها، وبالتالي إضعاف كل من روسيا والصين. في مكالمة افتراضية في 5 مارس/آذار، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن إنَّ بكين تعارض أية تحركات "تصب الزيت إلى النار" في أوكرانيا. وكرر القادة والصحفيون الصينيون نفس العبارة منذ ذلك الحين؛ مما يؤكد عدم ثقة بكين في نوايا واشنطن. على سبيل المثال، في 30 مارس/آذار، نشرت صحيفة People's Daily التي تديرها الدولة افتتاحية تقول إنَّ الولايات المتحدة "تصب الزيت إلى النار؛ مما يخلق عقبات أكبر أمام الحل السياسي لهذه الأزمة".
ولا تعتقد الصين أيضاً أنَّ السعي وراء أرضية مشتركة مع واشنطن بشأن العملية العسكرية في أوكرانيا سيؤدي إلى تحسين العلاقات الصينية الأمريكية الأوسع نطاقاً بشكل هادف. حتى لو انضمت بكين إلى الإدانة الدولية لروسيا، فلن تخفف الولايات المتحدة من سياسة الاحتواء التي تنتهجها ضد الصين.
لا يرى القادة الصينيون أي سبب للاعتقاد بأنَّ واشنطن ستغير هذه السياسة، التي تمثل لها أولوية، بأية طريقة حتى لو نأت بكين بنفسها عن موسكو. من وجهة نظرهم، فإن إدانة روسيا علناً والوقوف إلى جانب أولئك الذين يفرضون عقوبات عليها لن يؤدي إلا إلى فتح الباب أمام الولايات المتحدة لفرض عقوبات ثانوية على الصين نفسها. في 3 فبراير/شباط، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين: "لدينا مجموعة من الأدوات التي يمكننا نشرها إذا رأينا شركات أجنبية، بما في ذلك تلك الموجودة في الصين، تبذل قصارى جهدها لردم إجراءات مراقبة الصادرات الأمريكية، وتجنبها، والالتفاف حولها".
باعتبارها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، تعتزم الصين الاضطلاع بدور مهم في تشكيل المعايير الاقتصادية العالمية. لكن ليس لديها طموح للعب دور قيادي في شؤون الأمن العالمي، خاصة في مسائل الصراعات العسكرية، بسبب التفاوت العسكري الهائل بينها وبين الولايات المتحدة. ولا يزال تشكيل بيئة سلمية مواتية للتنمية الاقتصادية في الصين هدفاً دبلوماسياً مهماً. وطالما أنَّ الولايات المتحدة لا تقدم دعماً عسكرياً لإعلان تايوان الاستقلال القانوني، فمن غير المرجح أن تنحرف الصين عن مسار التنمية السلمية هذا.
الحرب الروسية على أوكرانيا ومعضلة الصين السياسية والاقتصادية
بغض النظر عمّا تقوله الصين أو تفعله رداً على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن هجوم في أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تخفف واشنطن من استراتيجية الاحتواء تجاه بكين كما تقول مجلة Foreign Affairs الأمريكية.
وباعتبارها الجار الأكبر والأقدر عسكرياً للصين، فإنَّ روسيا ليست قوة ترغب بكين في استعدائها؛ لذلك سعى صانعو السياسة الصينيون إلى تجنب استفزاز أي من القوتين المتنافستين بلا داعٍ؛ من خلال الامتناع عن التصويت لإدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة واختيار بياناتها الرسمية حول العملية العسكرية بعناية.
لكن استراتيجية التوازن هذه لا تخلو من التكاليف. فقد أدى رفض إدانة روسيا إلى توتر علاقات الصين مع بعض جيرانها ونأى بكين عن العديد من الدول النامية التي اصطفت ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، تكبدت بكين تكاليف اقتصادية ناجمة عن الهجوم الروسي يمكن أن تستمر لفترة طويلة في المستقبل. ومع ذلك، من أجل تقليل خسائرها الاستراتيجية إلى الحد الأدنى، من المرجح أن تلتزم الصين بهذا المسار الأوسط حتى تنتهي الحرب في أوكرانيا.
"الصراع بين روسيا وأوكرانيا لا يفيد الصين"
منذ بداية الصراع، اتهمت القوى الغربية الصين بدعم الأعمال العسكرية الروسية بشكل غير علني أو نشط في أوكرانيا. في مارس/آذار، على سبيل المثال، ذكرت صحيفة The New York Times مزاعم لم يُتحقّق من صحتها بأنَّ روسيا شاركت خططها العسكرية مع الصين قبل الصراع. لكن كما أشار تشين جانغ، سفير الصين لدى الولايات المتحدة، في مقال رأي بتاريخ 15 مارس/آذار في صحيفة The Washington Post، فإنَّ الصين لديها الكثير لتخسره من تصرفات روسيا: "كان هناك أكثر من 6000 مواطن صيني في أوكرانيا. والصين هي أكبر شريك تجاري لكل من روسيا وأوكرانيا، وأكبر مستورد للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم. الصراع بين روسيا وأوكرانيا لا يفيد الصين. فلو علمت الصين بالأزمة الوشيكة، لكنا بذلنا قصارى جهدنا لمنعها".
في الواقع، قلّل تشين من التأثير السلبي للعملية العسكرية على الصين؛ حيث تسبب الصراع في اضطراب أسواق السلع وتعطيل سلاسل التوريد؛ مما أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات للشركات الصينية. على سبيل المثال، خسرت مجموعة Tsingshan Holding Group الصينية العملاقة للنيكل 8 مليارات دولار في صفقات سيئة التوقيت بعد أن تسببت العملية العسكرية في ارتفاع أسعار النيكل ارتفاعاً كبيراً.
وأدت الاضطرابات المرتبطة بالعملية العسكرية أيضاً إلى إلغاء طلبات التصدير الصينية على نطاق واسع وإضعاف الإنتاجية الصناعية الصينية. وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء، انخفض مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الصيني – الذي يتتبع النشاط الاقتصادي في قطاع التصنيع- بنسبة 0.7% في مارس/آذار، وهو أداء أسوأ بكثير مما توقعه محللو السوق، ويمثل أول انكماش شهري منذ أغسطس/آب 2021.
ومما زاد الطين بلة أنَّ العملية العسكرية الروسية زادت من توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها. قالت أستراليا وكندا واليابان والمملكة المتحدة إنها ستنضم إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات ثانوية على الشركات الصينية التي تواصل التعامل مع روسيا كالمعتاد.
انقسامات داخلية في الصين من الحرب الروسية
وأخيراً، أدت العملية العسكرية في أوكرانيا إلى تعميق الاستقطاب السياسي داخل الصين نفسها. على منصة WeChat والشبكات الاجتماعية الأخرى، اندمج المواطنون الصينيون في معسكرات معارضة، أحدهما مؤيد لروسيا والآخر ضدها.
بعد فترة وجيزة من انطلاق العملية العسكرية، بدأ بعض مستخدمي الإنترنت الصينيين المناهضين لروسيا في مناقشة الظلم في معاهدة أيغون لعام 1858، التي تنازلت عن نحو 230000 ميل مربع (370149.12 كيلومتر) من الأراضي الصينية لروسيا. وقد جعلت الحساسية السياسية لهذا الحدث التاريخي بكين في الماضي حذرة من دعم أي جهود روسية للتوسع الإقليمي. ومع ذلك، في هذه الحالة، يجب على بكين أن تولي الاعتبار الصادق للمشاعر المعادية لروسيا بين بعض المواطنين الصينيين.
فقدان الثقة بالأمريكيين
لكن على الرغم من الآثار السلبية لهذه العملية العسكرية على الصين، بكين ليست مستعدة لقبول نهج واشنطن تجاه الصراع. منذ بداية الصراع، جادلت الحكومة الصينية بأنَّ الولايات المتحدة استفزت روسيا من خلال الضغط من أجل توسع الناتو باتجاه الشرق. وهي ترى الآن أنَّ واشنطن تُصعِّد العملية العسكرية عمداً من أجل إدامتها، وبالتالي إضعاف كل من روسيا والصين. في مكالمة افتراضية في 5 مارس/آذار، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن إنَّ بكين تعارض أية تحركات "تصب الزيت إلى النار" في أوكرانيا. وكرر القادة والصحفيون الصينيون نفس العبارة منذ ذلك الحين؛ مما يؤكد عدم ثقة بكين في نوايا واشنطن. على سبيل المثال، في 30 مارس/آذار، نشرت صحيفة People's Daily التي تديرها الدولة افتتاحية تقول إنَّ الولايات المتحدة "تصب الزيت إلى النار؛ مما يخلق عقبات أكبر أمام الحل السياسي لهذه الأزمة".
ولا تعتقد الصين أيضاً أنَّ السعي وراء أرضية مشتركة مع واشنطن بشأن العملية العسكرية في أوكرانيا سيؤدي إلى تحسين العلاقات الصينية الأمريكية الأوسع نطاقاً بشكل هادف. حتى لو انضمت بكين إلى الإدانة الدولية لروسيا، فلن تخفف الولايات المتحدة من سياسة الاحتواء التي تنتهجها ضد الصين.
لا يرى القادة الصينيون أي سبب للاعتقاد بأنَّ واشنطن ستغير هذه السياسة، التي تمثل لها أولوية، بأية طريقة حتى لو نأت بكين بنفسها عن موسكو. من وجهة نظرهم، فإن إدانة روسيا علناً والوقوف إلى جانب أولئك الذين يفرضون عقوبات عليها لن يؤدي إلا إلى فتح الباب أمام الولايات المتحدة لفرض عقوبات ثانوية على الصين نفسها. في 3 فبراير/شباط، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين: "لدينا مجموعة من الأدوات التي يمكننا نشرها إذا رأينا شركات أجنبية، بما في ذلك تلك الموجودة في الصين، تبذل قصارى جهدها لردم إجراءات مراقبة الصادرات الأمريكية، وتجنبها، والالتفاف حولها".
باعتبارها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، تعتزم الصين الاضطلاع بدور مهم في تشكيل المعايير الاقتصادية العالمية. لكن ليس لديها طموح للعب دور قيادي في شؤون الأمن العالمي، خاصة في مسائل الصراعات العسكرية، بسبب التفاوت العسكري الهائل بينها وبين الولايات المتحدة. ولا يزال تشكيل بيئة سلمية مواتية للتنمية الاقتصادية في الصين هدفاً دبلوماسياً مهماً. وطالما أنَّ الولايات المتحدة لا تقدم دعماً عسكرياً لإعلان تايوان الاستقلال القانوني، فمن غير المرجح أن تنحرف الصين عن مسار التنمية السلمية هذا.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/03 الساعة 19:18