قراءة في اعلان الحرس الثوري الايراني عن مسيرات فوق اسرائيل

عمر الرداد
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/01 الساعة 15:50
ان تحتفل ايران بيوم القدس العالمي، وان تصدر خطابات اعلامية وجماهيرية تتسم بالتصعيد والوعيد والتحذير لإسرائيل من "مغبة" التورط بتنفيذ اعتداءات على ايران وحلفائها في المنطقة، يطلقها المرشد الاعلى للثورة وقادة من الحرس الثوري الايراني بالإضافة لبعض الموالين للقيادة الايرانية، ليس جديدا على الخطاب الاعلامي للقيادة الايرانية، لكن الجديد ما اعلنه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني عن عملية تمت ضد اسرائيل بطائرات ايرانية مسيرة، تمكنت من اختراق اسرائيل وتصوير مواقع حيوية تشمل مراكز عسكرية لتخزين الاسلحة والذخائر.
الاعلان الايراني باختراق طائرات مسيرة لإسرائيل طرح جملة من التساؤلات العميقة حول توقيته واهدافه ودلالاته، لا سيما مع تعدد الروايات الايرانية حول هذه العملية والامتناع عن الكشف عن تاريخ وقوعها، وتسريبات "موازية" حول انجازها عبر مصادر بشرية والاقمار الصناعية الايرانية، فيما جاء امتناع اسرائيل "رسميا" عن التعليق على الاعلان الايراني ليزيد الغموض حول هذه العملية، ومع ذلك يمكن التوقف عند مجموعة من المحطات التي يمكن ان تفسر مرجعيات الاعلان الايراني وعلى النحو التالي:
اولا: جاء الاعلان في سياق احتفالات ما يعرف ب"يوم القدس" وهي احتفالات توقفت خلال العامين الماضيين لأسباب مرتبطة بكورونا، واحتفالات يوم القدس من وجهة نظر ايرانية تشكل مناسبة مهمة تقدم فيها القيادات الايرانية مواقفها ومقارباتها تجاه التطورات خلال عام، عبر خطاب اصبحت مفرداته معروفة بالتهديد والوعيد لإسرائيل وتحذيرها من ارتكاب "حماقات" بمهاجمة ايران، واصبح معروفا انه موجه للراي العام الايراني وحلفاء ايران في المنطقة وخصومها، ومن الواضح ان الاعلان الايراني جاء ليخفي تراجع الحرس الثوري في العراق وسوريا ولبنان بالإضافة لليمن، والضربات التي تلقاها في عدد من الساحات بما فيها داخل ايران، منذ "اغتيال" قائده السابق "قاسم سليماني"، رغم التهديد بالانتقام لسليماني واعتبار الهجوم الصاروخي الايراني على مبنى في اربيل العراقية بوصفه مقرا للموساد الاسرائيلي جزءا من هذا الانتقام، رغم الشكوك بصحة الرواية الايرانية.
ثانيا: الاعلان الايراني غير بعيد عن مفاوضات فيينا الخاصة بإعادة العمل بالاتفاق النووي الايراني، لا سيما مع التسريبات التي تشير الى خلافات بين طهران وواشنطن حول وضع الحرس الثوري الايراني في اطار العقوبات المفترض ان يتم رفعها عن ايران، ورغم ما تردد في اوساط قريبة من المفاوضات ان واشنطن قدمت صيغة مقترحة تتضمن ان يشمل رفع العقوبات الحرس الثوري، مع ابقائها ضد "فيلق القدس" بوصفه الاداة التنفيذية لإيران للتدخل الاقليمي، الا ان هذه الصيغة فيما يبدو فشلت ليس بسبب رفضها من قبل ايران فقط، بل ولتراجع الادارة الامريكية عن مقاربة رفع العقوبات عن الحرس الثوري، في ظل ضغوط امريكية داخلية واخرى من حلفاء واشنطن في المنطقة وعلى راسهم اسرائيل، التي ما زالت تحذر من خطوات واشنطن وتصر "استراتيجيا" على خياراتها بما فيها القيام بأعمال عسكرية منفردة ضد ايران، وبذلك فان احتمال ان تكون ايران ارادت من هذا الاعلان ارسال رسالة لأمريكا بقدراتها على القيام بعمليات ضد اسرائيل في حال عدم تحقيق تقدم في مفاوضات فيينا احتمالا واردا، ربما يساعد الادارة الامريكية باستثمار هذا الاعلان لتأكيد مقاربة ضرورة انجاز الاتفاق، لاسيما وان الادارة الامريكية اعلنت قبل ايام وبصورة لافته ان ايران على بعد اسابيع من امتلاك سلاح نووي.
ثالثا: تدرك ايران ان هناك تحفظات في المنطقة من قبل حلفاء امريكا على الاتفاق النووي بصيغته المعلنة، وفي ملفاته الثلاثة "البرنامج النووي الايراني، الصواريخ البالستية والمسيرات، وتدخلات الحرس الثوري وفيلق القدس في الاقليم" كما تدرك القيادة الايرانية ان اسرائيل تقود حراكا في الاقليم لبناء تحالف في المنطقة ضد ايران بمعزل عن مواقف الولايات المتحدة، عبرت عنه القمة التي عقدت في النقب جنوب اسرائيل الشهر الماضي، والتسريبات الخاصة بناتو عربي تشترك فيه اسرائيل بصورة علنية او شبه علنية، لا سيما بعد اتفاقات السلام العربية معها، وهو ما اشار اليه مرشد الثورة الاسلامية في خطابه حول اتفاقات التطبيع مع اسرائيل، بالإضافة لتحولات اخرى في العالم "السني" جسده التقارب الجديد بين السعودية وتركيا ومع القيادة الجديدة في باكستان.
مرجعيات الاعلان الايراني بالإضافة الى انها ليست جديدة على المستوى العملياتي اذ سبق وتم الاعلان عن اختراق مسيرات ايرانية تابعة لحزب الله اللبناني الاجواء الاسرائيلية، كما تم الاعلان عن خلايا تجسسية تابعة للاستخبارات الايرانية داخل اسرائيل، وذلك في اطار حرب استخباراتية بين الجانبين، الا ان المرجح انها غير معزولة عن السياقات المذكورة، وهو ما يعني انها جاءت في اطار سياسات "عض الاصابع" بين ايران من جهة وامريكا واسرائيل من جهة اخرى، وفي اطار مقاربات معروفة في اية مفاوضات بالتلويح من قبل اطراف التفاوض بأوراق القوة لدى كل طرف، فيما لازالت الاسئلة مطروحة حول العمليات التي تشنها اسرائيل على قواعد ومليشيات ايرانية في سوريا، دون ان تبادر ايران لاية ردود حقيقية.
* خبير امن استراتيجي / مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية
مدار الساعة ـ نشر في 2022/05/01 الساعة 15:50