الحرب في أوكرانيا.. بـِ'عيون روسِيّة'
مَشكوراً أرسل لي اختصاصي طب العيون د. زياد الزبيدي الموجود الآن في ألمانيا, باقة مُترجَمة عن اللغة الروسية, تضم أقوالاً وتعليقات كُتاب وصحف ومواقع/ومنصات إلكترونية روسية, يُدهَش المرء مما يكتبه ويقوله أصحابها, والمدى الذي يذهبون إليه في التأشير إلى ملفات وقضايا وانتقاد شخصيات, بعضها ما يزال في موقع المسؤولية بل ثمَّة منهم داخل الكرملين, وغيرهم ممن آثر الهرب إلى الخارج, لم يتردّد كاتبو المقالات/التعليقات من وصفِهم بـِ«الخونة».
يقول الكسندر دوغين (صاحب الكتاب الأشهر «مُستقبل روسيا الجيوبولتيكي», الفيلسوف ومُنظِّر الكرملين كما يُوصَف). يقول في أحدث مقالاته على منصة «تيلغرام"/22نيسان الجاري: «خلال العملية الخاصة في أوكرانيا تغيّرت سياسة الإعلام والمعلومات. أي رسالة إلى الغرب لن تصل بالتأكيد إلى هدفها. بصرف النظر عن مقدار حديثنا عن النازية, وجرائم إرهابيي كييف في دونباس وعن تزييفهم وتزويرهم, وعن إنسانيتنا ولطفنا وعن إنقاذ الأهداف المدنية. وبصرف النظر - يُواصِل - عن عدد الأمثلة التي نقدمها, فلن يتم سماع كل هذا من قِبل أي شخص في الغرب? أما الذين يستمعون إلينا فسيكونون معنا في كل حال. هم معنا من حيث المبدأ لأنهم ضد النظام الذي يحكم في الغرب. البقية - يستطرِد - لا يسمعوننا ولن يسمعوا.. لديهم شبكة تفسير خاصة بهم..يجب تدمير الروس(= بوتين) ثُم سنتحدث.
يخلص دوغين إلى نتيجة لافتة: أُعلِّق يومياً على كل وسائل الإعلام العالمية..كان كل شيء واضحاً بالنسبة لي منذ البداية, هذه ـ يُضيف ـ حرب عالمية كاملة حقيقية, حرب الغرب ضد روسيا... وِفقاً لقواعِدهم لا يمكننا الفوز. لذلك من الأهمية بمكان اليوم أن نلجأ إلى الشعب, وأن نعِدهم بالنصر وللعيش وحدنا مع أنفسنا مع العالم غير الغربي. مُختتماً القول: لقد دخلنا في صراع حضارات, ونحن الآن مضطرون–أولاً وقبل كل شيء لأنفسنا - لإظهار أي نوع من الحضارات نحن؟ مَن نحن؟ ما هو تخصّصنا؟، ما هي السِمات المميزة الرئيسية لدينا؟.. هذا أمر?حيوي اليوم.. لن نبقى في فراغ. سنبقى وجهاً لوجه مع الإنسانية بدون الغرب.. وليذهب الغرب إلى الجحيم».
في مقالة لافتة أُخرى على موقع «أرماجيدونش»/12 الجاري تحت عنوان «صورة للمستقبل» جاء فيها: أوروبا (الاتحاد الأوروبي، ألمانيا، لا نُعوّل على البولنديين) تبذل قصارى جهدها لإثبات اهتمامها بأوكرانيا. جوسيب بوريل يدعو إلى حل عسكري للمسألة الأوكرانية. ليست بلده.. فليكن. هناك تصعيد على طول محيط «منطقة اليورو»: من توريد الأسلحة إلى منطقة الحرب إلى الضغط على المعارضين الداخليين مثل فيكتور أوربان. الاجتهاد ـ يضيف ـ في التصريحات المُعادية للروس, أمر غريب بشكل خاص بالنسبة لألمانيا: فهي الآن البلد الذي لم يستفِد من دروس ?لماضي.
ومع ذلك، لا ينبغي أن يتفاجأ المرء من المعجزة الألمانية: في السنوات الأخيرة، رعت الولايات المتحدة النخبة الألمانية في حد ذاتها. وكالات الاستخبارات الأميركية لا تخجل في السيطرة والإستماع إلى السياسيين الألمان. تم استبدال خطة مارشال بخطة مارشالات البنتاغون. ألمانيا، بصفتها الطرف الذي خسر في الحرب العالمية الثانية، يجب ــ يستطرِد ــ أن تعمل الآن من أجل مصالح العالم أحادي القطب، لأن عالم يالطا مُتعدد الأقطاب دمَّر نفسه (بأيدي ميخائيل جورباتشوف). وألمانيا (بصفتها الجناح المتقدم للاتحاد الأوروبي) تُلقي الحطب في ا?فرن دون توقف. أصبحت الشريك الأصغر لبولندا في مناهضة أو رهاب روسيا. من الواضح تماماً - يختم - ما يحدث إذا نظرنا إلى الوضع على أنه. نهاية أوروبا كلاعب مُستقل».
أَختم بمقالة «خطيرة» أخرى كتبها الكسندر دوغين/20 نيسان الجاري أقتبس بعضها»... يمكن النجاة من الهزيمة، لكننا نجونا من عام 1991 والتسعينيات بالكامل. ثم كان السؤال حاداً للغاية. والآن أكثر حدة. الآن أصبح الأمر حاداً لدرجة أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى طريقة واحدة للخروج من الموقف: النصر ولا شيء آخر. بدون أي أو.
ولا يمكن أن يكون «الانتصار» اعترافاً ببعض مطالبنا الثانوية مع الحفاظ على أوكرانيا كما هي. النصر هو تغيير كامل لكل شيء كما هو–في أوكرانيا وروسيا نفسها -.
أوكرانيا بدون نازيّين/وليبراليين، روسيا بدون ليبراليين/وأوليغارشية وخونة (ليس لدينا نازيون على هذا النحو، إذا كان الغرب يدعم القومية بشكل مصطنع في جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي، فإن القوميين في روسيا نفسها لم يكن لديهم دعم داخلي أو خارجي).
أنا مقتنع أن بوتين فهم كل شيء تماماً, عندما قرّر اتخاذ الخطوة التي غيّرت العالم. بلفتة واحدة، وضع كل شيء على المحك وقطع طرق الهروب. هكذا يُصنع التاريخ: الكل أو لا شيء. هذه هي الطريقة التي يعيش بها الإنسان ويتصرّف، ذات حاكم حر ذي سيادة».
kharroub@jpf.com.jo