وجهاً لوجه مع سرطان الثدي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/04/22 الساعة 22:56
مدار الساعة -زهرة خدرج
لم أتزوج ولم أنجب أو أرضع أطفالاً، بالتالي عشت حياة عادية في منطقة ريفية، أعمل مُدرّسة رياضيات، لم يخطر لي على بال في يوم من أيام حياتي أنني سأكون إحدى ضحايا مرض سرطان الثدي، كنت أسمع عنه كثيراً، وأشاهد النصائح الطبية التي يوجهها الأطباء والمختصون عبر وسائل الإعلام المختلفة حول المرض، وضرورة إجراء فحص الثدي الذاتي، وفحوصات تصوير الثدي الـ"ماموغرافي".
كانت لدي ثقافة جيدة حوله، حتى إنني كنت أقدم نصائح لكل من تشتكي من قريباتي وصديقاتي وزميلاتي المتزوجات من مشكلات الثدي، وطبعاً كنت أستثني ذاتي دائماً بحجة عدم الإنجاب والإرضاع، فلم أكن أُجري الفحص اليدوي الشهري، ولم أخضع لأي تصوير أو فحص للثدي خلال سنوات عمري الخمسين الماضية.
وفي ذات يوم، وبعد أن انقطع عني الطمث بسنوات ثلاث، وخلال الاستحمام آلمتني منطقة في ثديي عندما ضغطت عليها، استغربت، وعاودت لمسها بهدوء، فإذا بالألم ينحصر في منطقة محددة دون غيرها، تلمَّست المنطقة بين أصابعي، لم أجد شيئاً محسوساً، فقط هو الألم البسيط، تجاهلت الموضوع وكأن شيئاً لم يكن وتناسيته أيضاً، ولم أتتبعه لألاحظ إن بقي الألم أم أنه ذهب في طريقه.
مرّ عامان على ذلك، انتبهت ذات يوم لوجود إفرازات صديدية تميل إلى الحمرة تخرج من حلمة الثدي، الذي آلمني سابقاً، وتلوث ملابسي الداخلية، طمأنت نفسي بأن هذا مجرد التهاب بسيط، وسينتهي خلال أسبوع أو أسبوعين بإذن الله.
اشتريت من الصيدلية مضاداً حيوياً أعرفه جيداً وتناولته بانتظام، مر الأسبوع الأول، ثم الثاني، ولم يطرأ تحسن يذكر، ترددت: أأذهب للطبيبة، أم أنتظر لبعض الوقت عسى الالتهاب ينتهي من تلقاء ذاته؟ في نهاية الأمر انتظرت أسبوعين إضافيين، وخلال الاستحمام في مساء أحد الأيام أخذت أمرر يدي على ثديي بالطريقة التي أعرفها جيداً لفحص الثدي الذاتي، فإذا بكتلة صلبة متوسطة الحجم غاصت للداخل عندما حاولت إمساكها بين أصابعي في الربع العلوي الخارجي من الثدي الأيمن، وأرجح أنها كانت بحجم حبة الجوز.
والآن لا أدري تماماً إن كان ذلك نوعاً من المكابرة والتجاهل، أم أنه خوف رفضت أن أصرح به أمام ذاتي وأعترف بوجوده؟
ذهبت للطبيبة التي فحصتني يدوياً، وبصراحة ومن دون الكثير من إضاعة الوقت أخبرتني بأنها تلاحظ وجود كتلة في ثديي، وهي لا تعرف تركيبها أو نوعها تحديداً؛ لهذا من الضروري جداً والعاجل إجراء صور وفحوصات لنتبيّن ماهيتها، أخبرتني أيضاً بأنها لا تريد أن تُدخل الخوف إلى قلبي، ولكن الوضع يبدو غير مطمئن.
وبدأت أطوف بين المستشفيات والمختبرات والمراكز الطبية لإجراء الفحوصات المطلوبة التي أكدت جميعها وجود كتلة في الثدي طولها 6 سم وعرضها 4 سم، أما القول الفصل فقد كان للعينة النسيجية التي تم أخذها بإبرة سميكة من وسط الكتلة، والتي آلمني جداً أخذها، والتي بينت من دون شك أن الكتلة سرطانية من النوع الشرس شديد الانتشار.
أخذت النتيجة النهائية، ومن دون أن أراجع طبيبتي، عدت إلى بيتي لأعالج الصدمة التي أخلّت بكياني، لم أصدق أن هذا يحدث معي أنا، بكيت كثيراً، وغلب لدي الشك أن هناك خطأ ما في نتائجي، لماذا أصاب أنا تحديداً بهذا المرض؟ كيف أصاب به وأنا التي تتجنب المعلبات والأطعمة المصبوغة وتبحث عن كل ما هو طبيعي في طعامها وشرابها؟
اعتزلت العالم الخارجي، فلم أخرج من البيت، وأغلقت الموبايل، ورفضت أن أجيب أي شخص يقرع بابي، أمضيت في عزلتي أياماً معدودة، خرجت منها محطمة نفسياً، لأبدأ رحلة العلاج والعذاب.
وانطلقت رحلة العلاج التي بدأت بعملية بتر كامل للثدي، سألت الطبيب الجراح: لماذا لا تزيل الكتلة فقط وتترك باقي الثدي، كما فعلتم مع كثير من النساء؟ قال: نوع الكتلة لديك وحجمها يضطرني لذلك معك.
خرجت من المشفى بعد العملية أشعر بنقصٍ شديد، تسيطر عليَّ فكرة واحدة وهي بأنني سأموت قريباً، فماذا بقيَ بعد السرطان الشرس شديد الانتشار الذي غرز مخالبه في جسدي، والذي سيمضي في عراكه لخلايا وأعضاء جسدي حتى يغلبها وينتصر عليها فيتمكن مني ويقضي عليَّ؟
تم إخضاع أنسجة وخلايا الثدي المبتور للفحص النسيجي الدقيق، وتبيّن بعده أن الخلايا السرطانية التي هاجمت جسدي حساسة للعلاج الهرموني، فوصف لي الطبيب دواء اسمه "فيمارا"، على أن أتناوله يومياً، طالما أنا على قيد الحياة، كما حدد لي موعداً لجلسة العلاج الكيماوي الأولى.
دخلت قسم الأورام بعد مراجعة الطبيب وأنا أحمل بين يدي الوصفة الطبية، كان في القسم الكثير من النساء اللواتي يستلقين على أسرّة، وقد ثُبِّتَت في أذرعهن إبر، كل منها مغروسة داخل وريد، وموصولة بأنبوب بلاستيكي رفيع يتصل بمحلول ملون مثبت على مكان مرتفع فوق السرير، وتراوحت ألوان المحاليل بين الأصفر الفاقع، والنيلي، والأحمر، والشفاف الذي لا لون له وغيرها، بعض النساء ظهرن بصحة جيدة، وبعضهن كن شاحبات يبدو الإعياء في وجوههن.
مشاعر كثيرة سلبية اختلطت داخل نفسي، وأمسكت دموعي بصعوبة، إلا أن أنفي أصرّ إلا أن يُخرج الدموع مع إفرازاته ويشي بمشاعري. أجلستني ممرضة بشوشة على سرير نصفه العلوي مرتفع قليلاً، وبدأت أتلقى الجرعة الأولى من العلاج الكيمياوي الذي لا أعرف اسمه.
كان لونه شفافاً، شعرت خلال تلقيه بالغثيان، ولكني لم أستفرغ، استغرق تلقيه من وقتي ثلاث ساعات، قمت بعدها أشعر بإعياء شديد، بالكاد استطعت العودة إلى البيت، وأمضيت بعده أياماً ثلاثة في السرير، وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل بدأ فمي منذ اليوم الأول للعلاج يتورم ويتقرح، وفقدت شهيتي للطعام، فلم أعد أجد لأي أكل طعماً، ولازمني إسهال أدخلني في دوامة الجفاف، ما اضطرني إلى المبيت في المشفى.
تكرّرت جلسات العلاج، وتنوعت ألوانه وأنواعه وجرعاته ومضاعفاته الجانبية الكثيرة التي أدت لتساقط شعري بالكامل، مررت أيضاً بمرحلة علاج إشعاعي ترك حروقاً في منطقة الثدي الذي تم استئصاله، وتركت في نفسي ندبة عميقة قادتني للاكتئاب والإحباط.
الآن وبعد خمس سنوات من العلاج المتواصل والمعاناة الطويلة التي لا تنتهي، لا أدري كم تبقى لي على هذه الحياة، أهي مجرد بضعة أسابيع أم أيام ستطول وتمتد لتصل إلى عام أو أكثر؟ لا أعرف فذلك لا يعلمه إلا الله، ولكني أشعر أنه لم يتبقَّ في رصيد أيامي الكثير، وأنا لا أطلب مزيداً من البقاء، يكفيني ما مررت به، ليس يأساً من الحياة، وإنما هو نوع من الاكتفاء والشعور بالرضا عن النفس.
ولكن قبل أن أغادركم أقول لكل سيدة تقرأ كلماتي: انتبهي لنفسك، راقبي أي تغيرات قد تطرأ عليك، وأي شيء تصابين به ويزعجك ولا يزول من تلقاء ذاته خلال شهر، راجعي الطبيب، وتابعي نفسك ولا تنتظري.. فليس دائماً في التأني السلامة، وليس في كل عجلة تكُمن الندامة.
كانت لدي ثقافة جيدة حوله، حتى إنني كنت أقدم نصائح لكل من تشتكي من قريباتي وصديقاتي وزميلاتي المتزوجات من مشكلات الثدي، وطبعاً كنت أستثني ذاتي دائماً بحجة عدم الإنجاب والإرضاع، فلم أكن أُجري الفحص اليدوي الشهري، ولم أخضع لأي تصوير أو فحص للثدي خلال سنوات عمري الخمسين الماضية.
وفي ذات يوم، وبعد أن انقطع عني الطمث بسنوات ثلاث، وخلال الاستحمام آلمتني منطقة في ثديي عندما ضغطت عليها، استغربت، وعاودت لمسها بهدوء، فإذا بالألم ينحصر في منطقة محددة دون غيرها، تلمَّست المنطقة بين أصابعي، لم أجد شيئاً محسوساً، فقط هو الألم البسيط، تجاهلت الموضوع وكأن شيئاً لم يكن وتناسيته أيضاً، ولم أتتبعه لألاحظ إن بقي الألم أم أنه ذهب في طريقه.
مرّ عامان على ذلك، انتبهت ذات يوم لوجود إفرازات صديدية تميل إلى الحمرة تخرج من حلمة الثدي، الذي آلمني سابقاً، وتلوث ملابسي الداخلية، طمأنت نفسي بأن هذا مجرد التهاب بسيط، وسينتهي خلال أسبوع أو أسبوعين بإذن الله.
اشتريت من الصيدلية مضاداً حيوياً أعرفه جيداً وتناولته بانتظام، مر الأسبوع الأول، ثم الثاني، ولم يطرأ تحسن يذكر، ترددت: أأذهب للطبيبة، أم أنتظر لبعض الوقت عسى الالتهاب ينتهي من تلقاء ذاته؟ في نهاية الأمر انتظرت أسبوعين إضافيين، وخلال الاستحمام في مساء أحد الأيام أخذت أمرر يدي على ثديي بالطريقة التي أعرفها جيداً لفحص الثدي الذاتي، فإذا بكتلة صلبة متوسطة الحجم غاصت للداخل عندما حاولت إمساكها بين أصابعي في الربع العلوي الخارجي من الثدي الأيمن، وأرجح أنها كانت بحجم حبة الجوز.
والآن لا أدري تماماً إن كان ذلك نوعاً من المكابرة والتجاهل، أم أنه خوف رفضت أن أصرح به أمام ذاتي وأعترف بوجوده؟
ذهبت للطبيبة التي فحصتني يدوياً، وبصراحة ومن دون الكثير من إضاعة الوقت أخبرتني بأنها تلاحظ وجود كتلة في ثديي، وهي لا تعرف تركيبها أو نوعها تحديداً؛ لهذا من الضروري جداً والعاجل إجراء صور وفحوصات لنتبيّن ماهيتها، أخبرتني أيضاً بأنها لا تريد أن تُدخل الخوف إلى قلبي، ولكن الوضع يبدو غير مطمئن.
وبدأت أطوف بين المستشفيات والمختبرات والمراكز الطبية لإجراء الفحوصات المطلوبة التي أكدت جميعها وجود كتلة في الثدي طولها 6 سم وعرضها 4 سم، أما القول الفصل فقد كان للعينة النسيجية التي تم أخذها بإبرة سميكة من وسط الكتلة، والتي آلمني جداً أخذها، والتي بينت من دون شك أن الكتلة سرطانية من النوع الشرس شديد الانتشار.
أخذت النتيجة النهائية، ومن دون أن أراجع طبيبتي، عدت إلى بيتي لأعالج الصدمة التي أخلّت بكياني، لم أصدق أن هذا يحدث معي أنا، بكيت كثيراً، وغلب لدي الشك أن هناك خطأ ما في نتائجي، لماذا أصاب أنا تحديداً بهذا المرض؟ كيف أصاب به وأنا التي تتجنب المعلبات والأطعمة المصبوغة وتبحث عن كل ما هو طبيعي في طعامها وشرابها؟
اعتزلت العالم الخارجي، فلم أخرج من البيت، وأغلقت الموبايل، ورفضت أن أجيب أي شخص يقرع بابي، أمضيت في عزلتي أياماً معدودة، خرجت منها محطمة نفسياً، لأبدأ رحلة العلاج والعذاب.
وانطلقت رحلة العلاج التي بدأت بعملية بتر كامل للثدي، سألت الطبيب الجراح: لماذا لا تزيل الكتلة فقط وتترك باقي الثدي، كما فعلتم مع كثير من النساء؟ قال: نوع الكتلة لديك وحجمها يضطرني لذلك معك.
خرجت من المشفى بعد العملية أشعر بنقصٍ شديد، تسيطر عليَّ فكرة واحدة وهي بأنني سأموت قريباً، فماذا بقيَ بعد السرطان الشرس شديد الانتشار الذي غرز مخالبه في جسدي، والذي سيمضي في عراكه لخلايا وأعضاء جسدي حتى يغلبها وينتصر عليها فيتمكن مني ويقضي عليَّ؟
تم إخضاع أنسجة وخلايا الثدي المبتور للفحص النسيجي الدقيق، وتبيّن بعده أن الخلايا السرطانية التي هاجمت جسدي حساسة للعلاج الهرموني، فوصف لي الطبيب دواء اسمه "فيمارا"، على أن أتناوله يومياً، طالما أنا على قيد الحياة، كما حدد لي موعداً لجلسة العلاج الكيماوي الأولى.
دخلت قسم الأورام بعد مراجعة الطبيب وأنا أحمل بين يدي الوصفة الطبية، كان في القسم الكثير من النساء اللواتي يستلقين على أسرّة، وقد ثُبِّتَت في أذرعهن إبر، كل منها مغروسة داخل وريد، وموصولة بأنبوب بلاستيكي رفيع يتصل بمحلول ملون مثبت على مكان مرتفع فوق السرير، وتراوحت ألوان المحاليل بين الأصفر الفاقع، والنيلي، والأحمر، والشفاف الذي لا لون له وغيرها، بعض النساء ظهرن بصحة جيدة، وبعضهن كن شاحبات يبدو الإعياء في وجوههن.
مشاعر كثيرة سلبية اختلطت داخل نفسي، وأمسكت دموعي بصعوبة، إلا أن أنفي أصرّ إلا أن يُخرج الدموع مع إفرازاته ويشي بمشاعري. أجلستني ممرضة بشوشة على سرير نصفه العلوي مرتفع قليلاً، وبدأت أتلقى الجرعة الأولى من العلاج الكيمياوي الذي لا أعرف اسمه.
كان لونه شفافاً، شعرت خلال تلقيه بالغثيان، ولكني لم أستفرغ، استغرق تلقيه من وقتي ثلاث ساعات، قمت بعدها أشعر بإعياء شديد، بالكاد استطعت العودة إلى البيت، وأمضيت بعده أياماً ثلاثة في السرير، وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل بدأ فمي منذ اليوم الأول للعلاج يتورم ويتقرح، وفقدت شهيتي للطعام، فلم أعد أجد لأي أكل طعماً، ولازمني إسهال أدخلني في دوامة الجفاف، ما اضطرني إلى المبيت في المشفى.
تكرّرت جلسات العلاج، وتنوعت ألوانه وأنواعه وجرعاته ومضاعفاته الجانبية الكثيرة التي أدت لتساقط شعري بالكامل، مررت أيضاً بمرحلة علاج إشعاعي ترك حروقاً في منطقة الثدي الذي تم استئصاله، وتركت في نفسي ندبة عميقة قادتني للاكتئاب والإحباط.
الآن وبعد خمس سنوات من العلاج المتواصل والمعاناة الطويلة التي لا تنتهي، لا أدري كم تبقى لي على هذه الحياة، أهي مجرد بضعة أسابيع أم أيام ستطول وتمتد لتصل إلى عام أو أكثر؟ لا أعرف فذلك لا يعلمه إلا الله، ولكني أشعر أنه لم يتبقَّ في رصيد أيامي الكثير، وأنا لا أطلب مزيداً من البقاء، يكفيني ما مررت به، ليس يأساً من الحياة، وإنما هو نوع من الاكتفاء والشعور بالرضا عن النفس.
ولكن قبل أن أغادركم أقول لكل سيدة تقرأ كلماتي: انتبهي لنفسك، راقبي أي تغيرات قد تطرأ عليك، وأي شيء تصابين به ويزعجك ولا يزول من تلقاء ذاته خلال شهر، راجعي الطبيب، وتابعي نفسك ولا تنتظري.. فليس دائماً في التأني السلامة، وليس في كل عجلة تكُمن الندامة.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/04/22 الساعة 22:56