المهنة بياع دهنة ..
مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/06 الساعة 03:35
بيع الدهنة؛ والجزارة عموما، مهنتان لهما ثقافتهما، لكنهما بكل تأكيد ليستا متعلقتان بمهنة الصحافة المقدسة، نقول هذا بسبب ما يأفك الآفكون على مهنة الصحافة وعلى منتسبيها، الذين يناط بهم دور مقدس، في نقل الحقيقة وتوسيع مدارك المتلقي وتوجيه الرأي العام علاوة على التوثيق والتأريخ والتنوير بكل أشكاله، ولعل سبب الحديث «المتكرر» هو قرار مجلس نقابة الصحفيين متابعة عمله والقيام بواجبه الكبير تجاه هذه المهنة، بحمايتها من متسلقيها والمتاجرين فيها والمستغلين لغياب ثقافتها سواء أكانوا من الرسميين ام من العاطلين عن العمل الذين يستسهلون تسمية أنفسهم بإعلاميين وصحفيين، تجاوزا على كل عرف وتقليد وقانون وأخلاق أيضا.
شكل مجلس نقابة الصحفيين لجنته لمتابعة هذه القضية «ام القضايا الصحفية الأردنية»، واللجنة برئاسة نقيب الصحفيين راكان السعايدة وعضوية زملاء أعضاء في المجلس، وتابعت بعض ما صدر عنهم من تصريحات تعبر عن إصرارهم على فعل شيء بهذا الخصوص، ولا بد من بعض الحديث حول هذه القضية المهمة، لعلنا نقدم للزملاء جديدا على هذا الصعيد:
يجب تحديد الجهات المستفيدة من تضييع المهنة والمتضررة أيضا، وعلى رأس المتضررين النقابة وأعضاؤها ووسائل الإعلام المهنية المعروفة علاوة على الدولة نفسها والناس المحترمين، وبالتأكيد تتأثر الحقيقة وكل من يحترمها، فالذي يتسلق الاعلام والصحافة تحديدا، يعمل وكأنه جزار او بائع بسطة، الأمر الذي ساهم في مزيد من انفلات وغياب للحقيقة وهدر ثقة بكل مجريات الحياة في المجتمع، وارتفاع وتيرة الصخب الذي لا يتضمن فكرة تنويرية او سياسية او اقتصادية او اجتماعية او حتى تثقيفية، حيث أصبح الغرض من هذا الضياع مزيدا من تيه و»تتويه»، واستشراء لمظاهر لا أخلاقية يتم حسابها على الصحافة والزملاء أعضاء النقابة، حيث الابتزاز أصبح منسوبا للصحافة، وكذلك غياب المهنية، فالجميع يتحدثون عن الاعلام والصحافة بأنهما يتحملان الجزء الأكبر من الأزمات التي يواجهها المجتمع والدولة، وفي السياق يتم الحديث عن جرائم تقع على الأشخاص والمؤسسات والوطن عموما، فالأردن يخسر من سمعته، وبعض الجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تخسر أيضا بسبب رواج فنون اغتيال الشخصية وازدهار المناكفات، وأصبح السياق منعكسا تماما في مواجهة التحديات والأحداث، وتقهقر المنطق وخطاب العقل والمؤسسية الى حدود لا نرى أو نسمع أو نشاهد خلالها سوى مزيد من جرائم وشتائم وتشكيك واضطراب.
ليس الجهد مطلوبا من الصحافة فقط، بل إن الجهد الأكبر مطلوب من الحكومة نفسها، ومؤسسات الدولة الأخرى التابعة للحكومة او المستقلة عنها، ففيها ينتشر مسؤولون يستفيدون من غياب المهنية في الصحافة، وبعضهم لا يميز فعلا بين الصحفي الذي يعمل بقانون وبين العاطل عن العمل الفاشل الذي يفرض نفسه على المهنة والوطن والناس، ويفتعل الجرائم بحقهم جميعا، وبعض المسؤولين يعلمون تمام العلم ما هو الفرق بين مدع لمهنة الصحافة وصحفي مهني عضو في نقابة الصحفيين، من أسمى وأكثر مهامه قداسة ورقي هي مهمة نقل الحقيقة وحراستها، وتوصيلها الى المتلقي سواء أكان مواطنا عاديا أم رسميا مسؤولا، لكن هؤلاء المسؤولين ورغم علمهم بالفرق بين طبيب ومدع للطب وبين محام ومدع لمهنة المحاماة ومهندس او صيدلاني او معلم ..الخ المهن وبين من يدعيها، إلا أنهم يشيحون النظر عن الحقيقة، ويتعاملون مع هؤلاء المدعين باعتبارهم مختصين في الاعلام والصحافة، وهذا خلط منهم، مقصود ويهدف الى هروبهم من الرقابة الصحفية الحقيقية والاستعاضة عنها بهؤلاء المتسلقين الذين لا يحترمون حقيقة ولا يتمتعون بخلق، ويمكن الضحك عليهم من قبل المسؤول المستفيد من هذا الخلط المتعمد.
وبعد استفحال ظاهرة الرفض التي تسيطر على أدمغة الباحثين عن الحقيقة، من المواطنين العاديين الذين من حقهم الشكوى والتبرم والرفض بلا شك، لكنهم أصبحوا يسهل عليهم الانقياد للكلام التوتيري والتثويري الخالي من كل فكرة وهدف، بل موجه من أجل الرفض والتشكيك ليس الا، لذلك أصبحنا نرى ذاكرة متطايرة لدى الناس تشكل حالة شائهة من الآدمية، حيث تتم إثارتهم لسويعات للاهتمام بموضوع ما، سرعان ما يفتر هذا الاهتمام ليعبروا عن نفس الانفعال والاهتمام لكن في موضوع آخر، ولا تعرف متى تمت اثارة قضية ومتى تم حلها وما سبب عدم اكتراث الناس بها وبتداعياتها، وهذا أخطر مؤشر على خواء عقول الناس وعواطفهم بعد ان تم استنزافها بالاثارة الكاذبة ومرادفاتها.
ليست المشكلة مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فحق الناس في التعبير مكفول ومطلوب، لكن المشكلة في المضامين الرديئة التي أصبح الناس العاديون يتداولونها ويمضغونها في اليوم ألف مرة، فاستأصل في نفوسهم أمراض من نوع النجومية والفخامة، والأهمية الكرتونية، وكم من موقف أصبح يمر علينا يوميا محوره أحد هؤلاء المنفوخين، الذين اعتقدوا بأنهم أخطر وأهم الشخصيات في الكون، وهم في الحقيقة عبء على الكون بل على انفسهم قبله.
ضياع المهنة الصحفية يتسبب في مثل هذه الأمراض، ويورث الدولة والمجتمع أزمات ومشاكل هو بغنى عنها لو كان مؤسسيا ويحترم الاختصاص ويعتمده، وهذا هو ما نطلبه من مجلس نقابة الصحفيين، القانون والمؤسسية والمسؤولية الأخلاقية والكفاءة والجدارة بلا شك.
ولنا وقفة أخرى .
ibqaisi@gmail.com
الدستور
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/06 الساعة 03:35