كاريزما الخارج وحساسية الداخل إلى متى؟
فتح سؤال شقيق عربي, يعتبر نفسه نصف اردني, بحكم نصفه الآخر وكثرة علاقاته مع نخبة اردنية في القانون والاعلام, سؤال يحتاج الى وقفات وليس الى وقفة واحدة, لماذا لم تنعكس الكاريزما الاردنية في الخارج, على الاداء الداخلي, ولماذا لا يتم تحقيق الشعارات الجميلة التي تبدأ في الاردن ويتم تنفيذها في عواصم اخرى كانت في سبات عن الفكرة؟ والشقيق متابع جيد للاردن ويضرب امثلة كثيرة عن الافكار التي بدأت هنا وتم تنفيذها هناك اي في غير الاردن.
قبل الاسترسال في محاولة الاجابة, دعوني اعرض على حضراتكم ما قاله مسؤول اردني شغل منصبين كل واحد فيهما أرفع من الآخر, عن سرّ نجاح المسؤول السابق في القطاع الخاص او مع المنظمات الدولية, فما يكاد يخرج المسؤول من منصبه حتى يتم استقطابه من جهة دولية وتحديدا وزراء التخطيط ووزراء الشأن الاقتصادي, المسؤول الرفيع قال: نحمل معنا المشاريع التي تم اعدادها في الاردن ولم يتم تطبيقها, ثم نقوم بتطبيقها في اماكن عملنا الجديدة, فنحقق النجاح, وفي ادراج المسؤولين الاردنيين كنوز من النماذج القابلة لتحقيق التطور والتحديث.
ربما حاولت ان اقدم نموذجا اوليا من الاجابة, بذكر قصة نجاح المسؤول الاردني خارج الجغرافيا او خارج الوظيفة العامة, وما يمكن سحبه او عكسه على طبيعة الوظيفة العامة التي باتت جزءا من تسمين السيرة الذاتية لتصبح اكثر انتاجية خارج الجغرافيا او داخلها, وكل ذلك على حساب الكاريزما الاردنية التي تحققت بفعل جهد طويل وعميق من جيل المؤسسين والملوك الهاشميين, فحققت الاردن هذه المكانة وهذه الكاريزما, التي يجري تحويلها الى اكزيما, بفعل المسافة غير المبنية بين المكانة الخارجية والاداء المحلي.
ارتفاع الكاريزما, يفتح باب الامل والتفاؤل, لكنه ايضا يرفع من الاكزيما التي تعاني منها الحالة المحلية, ويخشى كثيرون ان الاعراض المصاحبة لهذه الاكزيما قد تدفع الجلد الاردني الى مزيد من الاحمرار, الذي قد يتحول بفعل عدم نجاعة الكريمات الرسمية الى نزيف وحراشف لا ينفع معها كريمات الحساسية المعهودة, والتي في اغلبها مجرد تطمينات ووعودات دون اجراءات كافية لتطمين الشارع الشعبي, وآخر اجراءات الترطيب كانت معقودة على مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية, ومخرجات الفرق الاقتصادية, لكن التفاؤل يراوح مكانه وسط عدم توافق ال?ورة مع الاطار في الملف السياسي.
سؤال الشقيق يكشف مشكلة مزمنة في السنوات الاخيرة, فرغم الكاريزما الهائلة التي بناها الملك خارجيا, فإن الحساسية الداخلية ترتفع, والسبب حسب رأي عين حالي, هو عدم وجود فريق تنفيذي قادر على متابعة النجاحات الملكية, بل ان الفرق التنفيذية ما زالت عاجزة عن اعداد برنامج عمل رشيق وسريع لعكس هذه الكاريزما على الواقع المعاشي,عدم وجود فرق تنفيذية هي المشكلة الابرز, لكنها ليست وحدها, بل ثمة ما هو اعمق, فالازمة الداخلية ناجمة عن عدم تفعيل العمل بين مثلث العمل الاردني, الذي يعمل بضلعين باحسن الاحوال, ديوان واما حكومة واما ?رلمان, ويجب ان تكتمل اضلاع المثلث اولا, ثم يعمل كل ضلع من الاضلاع بثبات داخل وحدات العمل, فنحن نشكو من كثرة التغييرات في الوزراء, هذا على افتراض كفاءتهم, ونشكو اكثر من سوء التنسيق بين الوزارات وتعدد المرجعيات.
المشكلة ممتدة وليست وليدة حكومة او مجلس بعينه, بقدر ما هي مربوطة بطبيعة العمل داخل المؤسسة الواحدة وشكل العلاقة بين المؤسسات تاليا, فتراجع سوية النواب صحيح،أثر على جودة التشريع, لكنه جاء بالتزامن والتساوي من نوعية الوزراء الضعيفة والمتقلبة, ودخول الحسابات الشخصية حتى في التشريع من خلال تضامن بين التشريع والتنفيذ, وكل ذلك ساهم في رفع الحساسية الداخلية وعدم قدرتها على الاستفادة من الكاريزما الخارجية.