أزمات في السير والسياسة
تتركز أزمات السير عند مخارج الأنفاق والجسور في عمان وضواحيها, ولا يخلو مخرج قريب من دوار أو عند بداية انعطاف بجانب جسر من أزمة خانقة, تجعل السائقين يبحثون عن مخارج التفافية أو مهارب للخروج من الأزمة, التي ترفع الضغط وتحرق الأعصاب, حتى داخل السيارات المكيّفة والحديثة.
ولأن الاوطان كائنات حيّة تتفاعل وتحسّ, فأزمة الشوارع والانفاق والجسور, واكتظاظ الازمات عند المخارج والمهارب استنساخ طبيعي للازمة السياسية المنتشرة والتي يملأ دخانها كل رئة, وسط ازدحام في البحث عن المخارج واكتظاظ في السائقين أو اللاعبين, فثمة افراط في عدد الحراكات والأحزاب, وثمة عطاءات تُحال على رموز وشخوص لتكوينات حزبية.
كثرة الطباخين تُفسد الطبخة, وكثرة اللاعبين تعوق الحركة وكثرة السائقين توجد الأزمة, وهذا واقع الحال الأردني اليوم, فهناك مئات الحراكات, وعشرات الأحزاب, تتدافع على السبق بساحة الانتخابات القادمة وربما تتنافس على الساحات المألوفة اذا ما اشتد التنافس وتصبح الساحات علامة فارقة للاحزاب, والمُتغير يكون استيرادا أو تفاعلا مع أزمة اقليمية, فما زال التفاعل مع الداخل ضعيفا وغير منتج, فلا حزب حتى اللحظة قدّم مانفستو او برنامجاً.
خلال الأيام الفائتة شهدت شوارع عمان أزمة خانقة, وبرصد ملول اثناء الانحشار في الأزمة الخانقة, ترى العين أن الأزمة في المخارج والمهارب على جنبات الجسور والدواوير, وتحديدا في ميداني الداخلية والمدينة بوصفهما أعرق ميدانين في الأردن وليس في عمان فقط, وهذه دلالة مهمة, فالاختناق او الازمة في اعصاب حيوية واستراتيجية ذات قيمة تاريخية, أي في عمق الأصالة الأردنية, وكأنه عقاب على خروجنا عن النص القيَمي والموروث الاخلاقي القابل للحداثة والتطور والرافض لقطع العلاقة او بناء علاقات جديدة بأدوات ليست وطنية الصُنع.
فما نشهده في زمن الصيف العربي القائظ, هو كسر لمألوف سياسي واجتماعي, وفيه الكثير من التقليد الأعمى كما فيه الكثير من الشحنات السلبية المُستوردة, ورائحته مُختلطة برائحة الإقليم رغم اختلاف الخصوصيات المحلية, فإن كان التشارك العربي حاضرا في غياب الديمقراطية وضعف التنمية والظُلم في توزيع عوائد التنمية, فإنها تختلف في طبائع الحكم, وفي مساحة الحرية والانفتاح، وشكل استجابة الدولة للمطالب, ونحن لدينا حرية ونسعى الى بناء ديمقراطية, ولدينا احزاب ونسعى إلى أن يكون لديها برامج, ولدينا حراكات ونتمنى أن يكون لها مظلة موحدة, ولدينا حكومات ونتمى أن يكون لديها إرادة لإحداث التحولات الديمقراطية.
لدينا تراث سياسي زاخر, وسبق لنا النجاح في ربيع وطني سبق كل الاقطار في نيسان 1989 وكان ربيعا حقيقيا وبأدوات وطنية وبهتافات دون لكنة غريبة أو لحن, فتصالحت معنا الميادين ووفرت لنا المخارج الآمنة, دون أزمات او تدافع او اكتظاظ, لدينا ازمة سير سياسية نحو الأمام ولكن لدينا مخارج ومهارب كثيرة وتحتاج الى مهارة بتنظيم السير وتحديد اولوياته وشاخصة واضحة لتنظيم المرور نحو الهدف المنشود.