رجل بمليون
تجمعني والصديق منذر أبو رصاع، علاقة زمالة مع مجموعة من الذوات ضمن صالون يكاد يكون عائلياً لتماسك العلاقة ونُبلها وتعددية أنشطتها، فقدنا قبل أيام زميلا صديقا، شكل رحيله صدمة لنا جميعاً، إنه الكاتب الإنسان المبدع النجم ماهر سلامة الذي طغى حضوره علينا بتنوع مواهبه وقدراته المتعددة الأكاديمية والفنية والاجتماعية، وبالتأكيد من عرفه، حزن كثيراً لهزيمته أمام السرطان اللعين.
وصف منذر أبو رصاع الفنان الكوميدي المصري محمود عبدالغفار، قوله «رجل بمليون» على خلفية مقلب تلفزيوني تعرض له الفنان، حينما إدعت المذيعة مقدمة برنامج «الحكم بعد المداولة» أنها يهودية، واستضافت على الهواء فنانا وصفته على أنه إسرائيلي، بدون أن يعرف محمود عبدالغفار مسبقاً أن المحطة إسرائيلية، والحقيقة إنها لم تكن كذلك، وأنهم جميعاً لم يكونوا كذلك، بل هم طاقم مصري، وأن التمثيل مجرد مقلب، لإظهار ردة فعل الكوميدي محمود عبدالغفار، نحو تعامله مع محطة إسرائيلية مزيفة.
الفنان المصري قبل أن يرمي «المايك» ، ويرفض مواصلة المقابلة، وصف الإسرائيليين على أنهم: كذابين، مدعين، أفاقين، مغتصبين، مزورين، محرفين، لا تصالح معهم ولا سلاح قبل أن يسترجع الشعب الفلسطيني أرضه ويسترد حقوقه»، ولم يقتصر موقفه على ذلك، بل رفض مواصلة الحلقة، وقام «برفش» المصور وكافة طاقم التحضير، ولم يهدأ إلا بعد أن كشفوا له عن شخصياتهم الحقيقية، أنهم من المصريين، وأنهم فعلوا ذلك كمقلب عملوه مع فنان كوميدي مشهور.
ليست القصة برمتها سوى حدث طريف، إنفعال عادي، وإن كان زاد عن الحد «شوية» ، ولكن الغرض والهدف الذي تحقق كشف حقيقة الوطنية المصرية، لدى مواطن مصري فنان، يُعبر عن إنحيازه الوطني والقومي لفلسطين، رافضاً جوهرياً وجود المستعمرة، والقبول بها، والتكيف مع السياسات الرسمية التي تتعامل معها، وأن السياسات الحكومية لا تعنيه، لا تلزمه، فالوطن المصري أكبر، مهما طال بها المدى، فمصر أكبر من المستعمرة، وأقدم ممن يتعامل معها.
حينما نتابع الأحداث والمرئيات والشواهد، سواء هنا، أو لدى بلدان الخليج العربي، أو شمال إفريقيا العربي، نجد حالة التوافق في رفض التطبيع، ومجمل العلاقات مع المستعمرة، وأنهم حتى ولو اختلفوا مع سياسات السلطة الفلسطينية، يجدون أنفسهم فلسطينيين، مع الفلسطينيين وأقوى، وأنهم في خندق المواجهة ضد السياسات الإسرائيلية وأفعالها وجرائمها، ولهذا نشعر بالارتياح وينتابنا الإحساس بالثقة، أن المستقبل لشعبنا، لأمتنا، لقوى الحرية والتقدم، مهما غلظت المعيقات، وسادت مظاهر التطبيع من قبل هذه العاصمة أو تلك، وتمادت بعضها لوضع اتفاقات أمنية عسكرية مع المستعمرة، بلا حرج ولا خجل.