الروابدة .. ونموذج نشاط الدولة ورجالها
قلما يمر شهر أو أقل، إلا ويكون لرئيس الوزراء الأسبق د.عبد الرؤوف الروابدة نشاط ومشاركة سياسية، قد نختلف على مضمونها وقد نتفق، لكن الرجل حاضر في الحياة السياسية ومشارك ومتفاعل مع مجريات الاحداث، يحاول تفسير كثير من القضايا والاجراءات، يدافع عن مشروع الدولة بوعي السياسي المخضرم، والدفاع يعني التأكيد على المنجز وانتقاد السلبي ومهاجمة اوكار التراخي والترهل، ومراجعة التجربة خاصة التجربة الادارية الاردنية التي نجحت في تكوين بيروقراطية اردنية انتقلت الى دول الجوار وكانت نموذجا للاقتباس قبل ان تنتهي الى بيروقراطية كئيبة بلا ثقافة وتثقيف .
وعلى عكس معظم رجال الدولة، فقد اختار الروابدة الحضور في وقت الغياب، فهو شخصية غير نمطية على الاطلاق ويغلب عليها طابع المشاكسة المحببة الى قلوب الناس حتى من يختلف معه.
حراك رجال الدولة وتحديدا نادي رؤساء الوزارت على وجه الحصر، يشهد انتقادات واسعة، وغيابا اوسع، ومعظم الظهور لاعضاء النادي يكون من خلال التسريبات على موائد الرحمة السياسية او موائد صلة الرحم السياسية لمزيد من التوصيف، وغالبا ما تشير تلك التسريبات الى قناة الولاية العامة وغيابها اما همزا او لمزا، وتلك القناة تُحسب على رجال الدولة من الرؤساء لا لهم، ولعل هذا سرّ تحرر الروابدة فهو مارس ولايته العامة .
رؤساء الوزارات الذين حاول القصر تحفيزهم للنزول الى الملعب السياسي، صمتوا عن القراءة النقدية للتجربة الفردية والتجربة العامة، مكتفين اما بالدفاع عن تجاربهم المسلوبة الولاية واما نقد تجارب من لحقهم بالمنصب، ورغم كسب التعاطف نسبيا في موضوع الولاية خلال موسم خطاب الغرائز وغياب العقل، الا ان الواقع العقلاني للقراءة يشير الى عكس ذلك تماما، حيث تحضر الولاية العامة بقوة اذا كانت رغبة الرؤساء في تعيين المحاسيب والانسباء وتغيب اذا كان القرار عاما او لانصاف محافظة من غير تلك التي ينتمي اليها .
صمت رؤساء الوزارات يصدم الواقع السياسي بأكثر من صدمة، فهم يكتفون بالقراءة الشفهية القابلة للنقل دون سند واسناد ودون خضوع لمبدأ الجرح والتعديل في النقل، ويمسكون عن كتابة مذكراتهم حتى لا تحفظ المكتبات والاجيال المقبلة اي ذاكرة مكتوبة.
رغم تباين الرؤساء والوزراء واختلاف مرجعيتهم السياسية والثقافية الا انهم جميعا متفقون برغبة على عدم الكتابة او التأريخ للمراحل السياسية ليبقى سر قدوم الحكومات ورحيلها وسر اختيار الوزراء ورحيلهم ابرز الاسرار السياسية الاردنية الغائبة ولا ندري متى سيخرج “ مهدي “ منهم ليقول لنا: كيف جاء وكيف رحل .
الحالة الاردنية تتطلب موقفا جمعيا بضرورة المراجعة والبناء على المنجز وتصويب الخلل والاختلال للمضي في تجربة لها الكثير من الانجازات وتحتاج الى قرار جمعي للعودة الى ريادة الادارة، ونطالب بحقوقنا الوطنية في الكشف والمكاشفة من الرؤساء للمراحل السياسية المتعاقبة التي يكتفون بتسريبها على الموائد والسهرات حتى لا يفوتهم القطار في كل محطاته بعد أن فاتهم في مرحلة الربيع العربي باستثناء واحد او اثنين منهم .
الدستور