إفلاس الدولة
أخيرا بقّ مسؤول حكومي لبناني البحصة من الفم اللبناني لتقول: الدولة أفلست !.. فلماذا تفلس لبنان؟ نفهم أن المالية العامة في لبنان وغيرها من بلدان العرب لا تتباعد عن ذات النهاية المؤلمة، ولكن السبب الرئيس في الوصول الى هذه النهاية الحتمية لبلد المال والجمال والعشق لباريس العرب والاستثمارات الخيالية التي تدفقت على لبنان عبر عقود مضت، هو فساد الطبقة الحاكمة غير الوطنية، فهل يعقل أن مجرمّي الحرب الأهلية لا زالوا يتحكمون بمفاصل القرار، ويتعاطون مع العالم الغربي ولا يخضعون للمعايير الوطنية، حتى جاء انفجار مرفأ بير?ت ليكشف عورة الجميع، فيما الأموال تم تهريبها لدول أوروبية لن تعيد منها ليرة واحدة.
هذه نتيجة طبيعية، عندما يكون في البلد عشر حكومات ظل في آن واحد، ومئة زعامة تحكم بقوة أقوى من قوة القانون، وطبقة من الفاسدين المحظيين العابرين للقارات والدول الذين لا تنام ودائعهم في بلدهم، بل ترحل يوميا لتنام قريرة العين في أحضان مصارف سويسرا وفرنسا وبريطانيا وقبرص، أولئك الذين نهبوا البلد وتقاسموا الكعكة دون الجميع، وأورثوا ابناءهم وأحفادهم وزوجاتهم أموالاً واستثمارات بقيّم خرافية اقسموا أنها لهم وهي عليهم حرام وسحت، فيما يوزعون على الشعب المطحون فقراً وجوعاً ومرضاً وضياعاً، حتى بتنا نرى الشعب الجميل الوا?ع قد عاد مكتئبا تطارده الأشباح، أشباح الماضي الذي سجل سنوات الحرب الأهلية، وأشباح الهجرة التي أغلقت أبوابها في وجوه العرب من أي دين.
صحيح أن لبنان أفلست منذ سنوات، ولكنها ليست الدولة الأولى المفلسة ولن تكون الأخيرة، بل سبقتها العديد من الدول الأكبر والأقوى منها وستتبعها دول عربية تعيش بحبل المشيمة الخارجي والضرائب الداخلية، فالمشكلة الأكبر أن لبنان هي المرآة لبقية من دول عربية تطاردها أشباح الإفلاس في أي لحظة يتم تقرير مصيرها لتجد أن عملتها أصبحت في حضيض صبيحة يوم أسود، والاضطرابات قد عمت البلاد، والمطارات تعج بالمسافرين الذين استوطنوا البلد وأداروا تجارتهم بعدما اغلقوا غرف الفندق الكبير الممتد على مساحة الوطن الذي كانوا يستخدمونه كملاذ?غبّي أجروا فيه عملياتهم واستنفدوا مخططاتهم لعيش كريم في بلد آليم.
لن يكون أي بلد بمأمن انقلابات العصر الجديد عليها، وفي هذا المقام ننظر الى بلدنا العزيز لنرى أن التعثر لن يكون حلاً، ورغم مديونيتنا الضخمة فإن الدولة لا تزال قوية ومتماسكة رغم أن هناك مؤسسات وهيئات متعثرة، ولهذا يجب التفكير أبعد بعيدا عن كل ما قد يوقعنا في شبح التعثر، فالدينار قوي رغم تآكل القوة الشرائية نتيجة الغلاء الفاحش، وعلينا أن نفتح البلد لاستقطاب رؤوس الأموال النظيفة كي تستوطن لصالح البلد والمواطنين، وان لا تشارك الحكومات المواطنين جيوبهم،، يكفي.