عن تاريخ مسجد “الظاهر بيبرس” في القاهرة
مدار الساعة -جامع الظاهر بيبرس أو كما يسمى اختصاراً "جامع الظاهر"، وهو ثاني أكبر مساجد العاصمة المصرية القاهرة بعد مسجد أحمد بن طولون، يتميز بأسواره الكبيرة المرتفعة وحجارته العتيقة التي تخبئ معها تاريخاً طويلاً من التهميش شهده هذا الجامع.
جامع الظاهر بيبرس في القاهرة
بُني جامع الظاهر بيبرس في عام 1269 ميلادية، على يد الظاهر بيبرس البندقداري، وقد استغرق بناؤه عاماً ونصف العام، ويقع بين مفترق طرق شارعي العباسية وميدان حي الظاهر، ويبعد نحو 4 كيلومترات عن ميدان التحرير في منطقة وسط البلد.
كان السلطان الظاهر بيبرس البندقداري زعيماً مؤثراً ووضع أساساً قوياً لحكم المماليك في مصر، كما كان أيضاً محارباً ناجحاً، ووحَّد سوريا والحجاز مع مصر، وغزا أراضي مهمة للصليبيين وداهم أرمينيا، ووسع حكم المماليك إلى الأراضي النوبية.
خلال فترة حكمه أقام بيبرس العديد من الإصلاحات، ومشاريع البنية التحتية، والمؤسسات الدينية التي أرست الأساس للدولة المملوكية.
ووفقاً لما ذكرته موسوعة Stringfixer، فقد استغرق إتمامه عاماً ونصف العام، وكلّف نحو مليون درهم، ليصبح أول مسجد في العصر المملوكي وأول مسجد يُبنى بالقاهرة منذ 100 عام.
وعلى الرغم من أن موقع المسجد كان بعيداً بعض الشيء عن مركز المدينة، فإنه يوضح اهتمام الظاهر بيبرس بالمنشآت الدينيّة، فقد ضحى بساحة قرقوش التي كان يمارس فيها رياضة "البولو" من أجل إنشاء هذا المسجد.
مواصفات جامع الظاهر بيبرس
يُعتبر المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي واحداً من أكثر المؤرخين القدماء تأثيراً، ولا تزال الخطط المقريزية حول الهندسة المعمارية لمصر ذات أهمية كبيرة منذ العصور الوسطى وحتى اليوم.
يقول تقي الدين المقريزي في خططه، إن طول الجامع يبلغ 108 أمتار وعرضه 105 أمتار، ويحيط به سور من الحجر يبلغ ارتفاعه 11 متراً ويعلو السور شرفات يبلغ ارتفاعها متراً ونصف المتر، فيما يوجد على أركان الجامع من الخارج 4 أبراج.
ووفق وزارة الآثار المصرية فإن تخطيط المسجد يشبه إلى حد كبير، تخطيط جامع أحمد بن طولون، ويتكون من صحن تحيط به 4 إيوانات. ويمتاز الجامع بوجود 3 مداخل محورية بارزة عن الواجهات الثلاث ما عدا الواجهة الجنوبية الشرقية.
ويوجد المدخل الرئيسي للجامع في منتصف الواجهة الشمالية الغربية، وتغطي ساحة المدخل الرئيس قبة، وكانت تعلوه مئذنة تهدمت. واستولى الفرنسيون على الجامع في أثناء الحملة الفرنسية 1798-1801، وحوَّلوه إلى قلعة وجعلوا من مئذنته بُرجاً دفاعياً ونصبوا المدافع على أسواره، وسكنته طائفة من الجنود الفرنسيين فكان ذلك سبباً في تخريبه وتهدُّم مئذنته، وفقاً لما ورد في كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون" للكاتبة الدكتورة سعاد ماهر محمد. (حمّله من هنا).
وقد استعمل بيبرس في بناء جامعه رخاماً وأخشاباً أحضرها من قلعة يافا بعد أن دمر هذه المدينة هي وأنطاكيا سنة 1267.
مسجد ثمّ قلعة وثكنة ثمّ مصنع صابون!
ظلت الشعائر الدينية مقامة بجامع الظاهر بيبرس حتى أوائل القرن الـ16 الميلادي، حين عجزت الدولة في ذلك الوقت عن الصرف عليه؛ نظراً إلى اتساع رقعته فساءت حالته، وعانى من الإهمال فترة طويلة واستخدم فى أغراض أخرى غير الصلاة.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة "الأهرام" المصرية، فقد حوّل العثمانيون الجامع أيضاً إلى مخزن للمهمات الحربية.
وخلال عهد الحملة الفرنسية على مصر، حوّله الاحتلال الفرنسي بقيادة بونابرت إلى ثكنة وقلعة للعسكر الفرنسيين وأطلقوا عليه اسم قلعة سيكوفسكي.
وخلال حكم محمد علي باشا تحوّل الجامع إلى معسكر ومخبز، ومن ثمّ إلى مصنع للصابون!
وفي عام 1882 اتخذه الاحتلال الإنجليزي مخبزاً ومن ثمّ مذبحاً للخنازير عُرف باسم "مذبح الإنجليز" حتى توقف الذبح فيه في العام 1925 خلال الحرب العالمية الأولى.
عمليات التجديد
بعد السنوات العجاف، التي عانى منها المسجد حتى انهيار بعض أجزائه بسبب العوامل الجوية على مدار القرون الماضية، شرعت وزارة الآثار المصرية، في عام 2018، في إعادة ترميمه مرة أخرى بتكلفة تصل إلى 100 مليون جنيه مصري (الدولار الأمريكي كان يعادل حينها 17.8 جنيه مصري).
ويعد الملك الظاهر ركن الدين بيبرس رابع سلاطين الدولة المملوكية، ويعتبره بعض المؤرخين مؤسسها الحقيقي، وكان في الأصل مملوكاً عند السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب، في أثناء وجوده بدمشق، وأطلق عليه حينها "ركن الدين" وبعد وصوله للحكم لقب نفسه بالملك الظاهر.