تشويه رمضان
اليوم هو الأول من شهر رمضان فكل عام وأنتم بخير، ورمضان شهر عبادة وتقوى وتبتل، فصيامه من الأركان الأساسية الخمسة التي يقوم عليها الإسلام، وهي أركان لا مجال للاجتهاد بها والاختلاف في معانيها او طقوسها، ومن ممارسات رمضان الامتناع عن الطعام والشراب طيلة اليوم، وفي ذلك فوائد كثيرة وكبيرة للصائم وللمجتمع، أما الصائم ففوق أنه يؤدي عبادة لربه لا يجوز معها السؤال عن حكمتها وفلسفتها باستثناء أنها طالعة من المخلوق للخالق، ومع ذلك فقد أثبت العلم أن للصيام فوائد صحية كثيرة تبرهن على صحة وسلامة قول رسول الله «صوموا تصحوا».
أما بالنسبةِ للمجتمع فإن من حكم الصيام أن يشعر الغني بالجوع والعطش وهما يعضان على امعائه وحلقه، فيتذكر الفقراء من حوله فينشط بمساعدتهم مما يحفظ للمجتمع توازنه، ويحميه من ثورة الجياع.
وعلى ذكر النشاط فإنه رغم الجوع والعطش اللذين قد يشعر بهما الصائم، فإن شهر رمضان كان عبر تاريخ المسلمين هو شهر العمل والإنجاز حتى في المجال العسكري، ففي رمضان وقعت الكثير من المعارك الكبرى والفاصلة في تاريخ المسلمين والبشرية، وفي رمضان حقق المسلمون الكثير من الفتوحات الكبرى، ومنها فتح مكة وقبلها بدر الكبرى، ومثلها القادسية التي أنهت الإمبراطورية الفارسية، وفي رمضان وقعت حطين التي كانت مفتاح تحرير بيت المقدس من الفرنجة، وفي رمضان فتحت عمورية وهزم الروم، ووقعت بعدها الكثير من انتصارات المسلمين في عمق القارة الأوروبية، وهذه كلها شواهد كبرى تؤكد أن رمضان ليس شهر كسل وتراخٍ.
هذه بعض معاني رمضان التي تجري في زمننا هذه عملية تشويه ممنهجة لها، وبرعاية رسمية في كثير من الدول، وأول ذلك أننا حولنا رمضان من فريضة دينية إلى طقس اجتماعي يتبادل بها التهاني حتى اولئك الذين لا يصومون رمضان لكنهم يدعون إلى ولائمه، وعند الولائم لا بد من القول إن من صور تشويه رمضان أننا حولناه إلى شهر شراه بالطعام والشراب، وفي هذا المجال تلعب وسائل الإعلام على اختلافها دورا مركزيا في تشويه شهر رمضان، عندما تفرد مساحات واسعة من موادها للحديث عن الأطعمة والأشربة، وكأن رمضان صار مباراة لفوز من يأكل أكثر بخلاف الحكمة الإلهية منه.