التل يكتب: المطاعم السياحية الأردنية في رمضان وسيادة القانون الأردني
طالعتنا حكومتنا الموقرة بقرارها الذي ينص على ان المطاعم السياحية يجوز لها ان تقدم خدمة الطعام والشراب في نهار رمضان المبارك بشرط اسدال ستائر قاتمة على نوافذها ومخارجها بحيث ان تكون غير مكشوفة للمارة , ويمنع ذلك في الترس الخاص بها , و المناطق المكشوفة .
من المعلوم أن صوم رمضان فريضة مكتوبة على المسلمين لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
والصيام ركن من أركان الإسلام فمن تهاون في صيام رمضان فقد وقع في معصية كبيرة وقد يخرج من الملة الاسلامية ان كان مُستحلاً لما فعله, فإذا انضم إلى فطره مجاهرته في ذلك فقد ازداد عصياناً وإثماً حيث إنه أظهر المعصية وتلبس بأفعال أهل المجون .
ومن المعلوم أن صاحب المعصية ان استتر , فذنبة اهون بكثير ممن يجاهر , حيث أن استتاره يقتصر الضرر على نفسه ولا يهدد النظام العام في الدولة , بينما المجاهر , فإنه يتحدى الدولة بنظامها العام , ويتحدى عامة المسلمين في مشاعرهم وقدسية عبادتهم .
لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دقيقا جدا في تحديد ما كان يهدد النظام العام الاسلامي في دولة الإسلام , وبين ما لم يهدده , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجْتَنِبوا هذه القاذوراتِ التي نَهى الله عنها، فمَن أَلَمَّ فلْيَستَتِرْ بسِترِ اللهِ، ولْيَتُبْ إلى اللهِ؛ فإنَّه مَن يُبدِ لنا صَفحَتَه، نُقِمْ عليه كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ"
فالعقوبة القانونية تقع على المجاهر لا على المُستتر , ( فمن أبدى لنا صفحته ) أي الذي جاهر وأعلن, ( نقم عليه كتاب الله عزوجل) أي العقوبة القانونية المحددة في الشرع الحنيف بمختلف أشكالها بعد ثبوت الفعل .
والفرق واضح بين تهديد النظام العام للدولة وبين ارتكاب مخالفة للنظام العام بالسر وعدم الإعلان عنها والمجاهرة بها , حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (أنَّ العبْدَ يُؤاخذُ في الدُّنْيا بما يُظهِرُه، وأمّا ما خَفِيَ فأمْرُهُ إلى اللهِ تعالى (
جاهلُ مًن يعتقد أن هذه الانظمة القانونية قد اكتشفت سراً عظيما عندما أعلنت النظام العام وآدابه منفصلة عن دين الله تعالى وشرعه, وجاهلٌ مَن يريد التلاعب بهذا النظام العام للدولة بعمقها التشريعي الاسلامي, ببعض الكلمات والقيود التي لا تشف إلا عن جهالة مركبة.
في التشريع الاردني بعمقه الاسلامي كعمق تشريعي مرجعي بشكل عام , شرّع المشرع الاردني عقوبة تعزيرية على الذي يجاهر بالإفطار في رمضان , واعتبره تهديدا عاما للنظام العام الاردني في المملكة الاردنية الهاشمية , حيث عاقب القانون الأردني بالحبس مدة شهر واحد او بالغرامة 15 دينارا لمن يثبت افطاره علنا في شهر رمضان المبارك. وتنص المادة 274 من القانون على: "من ينقض الصيام في رمضان علنا يعاقب بالحبس حتى شهر واحد أو بالغرامة حتى 15 دينارا".
هذه المادة لا يوجد عليها استثناءات , ولا يوجد فيها اي تحديدات , بل جاءت مطلقة بفعل الافطار علنا , وعليه مَن يوفر مكانا للإفطار العلني , سواء أكان مطعماً أو مسكناً أو مكاناً عاما , فإن عقوبته لا تنقص عن فاعل المخالفة , لا بل قد تكون اكبر بكثير .
والمعيار القانوني في علانية الافطار , هو معيار ثبوت الجريمة من خلال وسائل الاثبات المتبعة في اصول المحاكمات , وهي لا تتعدى في هذه الحالة بالإقرار أو الشهادة مِن شاهد او شاهدين .
اذن مجرد وجود شاهدين في القضية فإن علة العلن تحققت لثبوت الفعل قضاءً , فما بالك بمطعم فيه عشرات الشهود ممن يرتكبون الفعل الجرمي المخالف ؟!
والمطعم يُصنف على انه مكانا عاماً وليس خاصاً بهذا المفهوم , والمادة القانونية لم تستثني لا مطعماً سياحيا ولا مطعماً شعبياً , بل عمّت الجميع .
هذه المادة التي تم تشريعها قانونيا وفق الاصول المتبعة في التشريع الاردني , وأصبحت ملزمة للسلطة التنفيذية بتنفيذها وأن تكون أمينة عليها في التنفيذ , وإن تساهلت السلطة التنفيذية في تنفيذها أو أوقفتها أو حددت منها أو استثنت منها اي مكون من مكونات المجتمع الخاضع لها , فإن السلطة التشريعية لها محاسبتها , ولها ان تُسقط عن السلطة التنفيذية الثقة التي اولتها اياها في تنفيذ ما صدر عنها .
ولا يشفع للسلطة التنفيذية أن الاستثناء الغير قانوني معمول به من عشرات السنوات , بل وجب عليها عند اكتشاف اي مخالفة أن تعمل على الفور على معالجتها وايقافها, لحين صدور اي تشريع لاحق ينسخ السابق أو يعدله او يلغيه .
وعليه فإن الحكومة الاردنية كسرت وخرقت تشريعا مستقرا في القانون الاردني بسماحها للمطاعم السياحية بتقديم الطعام والشراب في نهار رمضان , و وجب مساءلتها من السلطة التشريعية على هذا الخرق الذي يستوجب تشريعا خاصا ليكون قانونيا .
لا ننكر ان هذا القرار معمولاً به من سنوات سابقة كما يدافع البعض , ولا ننكر أن هناك سياحة أجنبية في شهر رمضان المبارك , ولا يتوقع منهم أن يلتزموا بما يلتزمه الأردني المسلم في بلده , ولا ننكر ان الأردن لن تتوقف عن استقبال السياح الاجانب في شهر رمضان مبارك , كل ذلك لا ننكره .
ولكن المجموعات السياحية , او غيرها , يجب ايجاد تثقيف لها حول شهر رمضان المبارك في الأردن , وهذا ليس خرقا للأعراف الدولية, بل جميع دول العالم توفر ارشادات وتثقيفات سريعة لكل زائر لها , وما يتوجب فعله أو ما يتوجب تركه حسب قانون كل دولة ونظامها العام .
من هنا يتم توجيه السياح القادمين الى الأردن أن موعد قدومهم صادف شهر رمضان المبارك , وأن القانون الاردني يمنع الافطار علانية خلال هذا الشهر , وان ارادوا الأكل او الشرب , عليهم اختيار اماكن غير ظاهرة للعيان , ولا يتم مؤاخذتهم بهذه المخالفة ان كانوا مستترين .
هذا شيء يُعمل به في جميع دول العالم وليس بدعا من القول في الأردن , وعليه لا حجة للحكومات في كسر القانون , إلا اذا ارادت المعاندة للقانون , وكسر سيادته بيدها