منتدى الرواد الكبار يحتفي بمدينة 'إربد'، ضمن 'المرأة تروي سيرة المدن'

مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/31 الساعة 10:50

مدار الساعة -احتفى منتدى الرواد الكبار امس بمدينة "إربد"، ضمن برنامجه الثقافي "المرأة تروي سيرة المدن"، تحدث فيها كل من الفنانة التشكيلية نعمت الناصر والناقدة د. دلال عنبتاوي، وادارها المستشارة الثقافية للمنتدى القاصة سحر ملص، الى جانب عرض فيلم عن مدينة اربد.

ملص قالت "إربد عروس الشمال ذات التربة الحمراء الخصبة قد انجبت العديد من الشعراء والكتاب والفنانين والرجالات الدولة من سياسيين ومفكرين، واصبحت سيدة المدن، يذهب إليها القلب ويقصدها طلاب العلم، وهي مدينة صانعة الرجال والنساء"، نحتفي بإربد التي تم اختيارها "عاصمة الثقافية العربية".

الناقدة عنتباوي استعرضت تاريخ مدنية اربد جغرافيا وتراثيا عمرانيا وحضاريا، مبينة أن المدن مثل البشر تبدأ صغيرة ثم تنمو وتكبر ويشتد عودها وتصبح ناضجة جميلة بهية مثل امرأة يتفتح شبابها ولكنها قد يزورها الهرم فتكبر وتشيخ وتصبح بحاجة لرعاية خاصة وهذا ما يجب أن يقوم به أبناءها تجاهها فيقدمون لها الرعاية والبر والوفاء والمحبة.

وقالت سأروي حكايتها معي "إربد"، التي هي مدينتي الأولى في حياتي والتي تفتح قلبي وعقلي عليها وهي في ذاكرتي منذ بدايات تفتح وعيي، أحكيها الآن، أحكي عن تلك المدينة الهادئة الوادعة أبدأ من أرضها أصف سهولها التي هي امتداد سهل حوران الطافح بالقمح الذي كان يفيض من خيراته على كل المناطق من حوله أصف تربتها الحمراء والتي نذكرها بدعابة خاصة "إربد تربتا حمرا" وهي فعلا كذلك وفي الحقيقة لم يأت تداول هذه العبارة وتناقلها على المستوى الشعبي من العبث فلها ما يؤكدها من خلال تعالقه مع اسمها إذ تختلف الروايات في تسمية المدينة يعود تاريخ المدينة الى العصر الحجري البرونزي الأول حوالي 2500 قبل الميلاد وكانت المدينة محاطة بسور ضخم بني من حجارة بازلتية سوداء.

واضافت عنبتاوي ما أسرده وأحكيه عن إربد الآن ومازال يعيش في ذاكرتي، اربد التي كانت محاطة بالسهول المزروعة بشتى أنواع الخضروات بدءا من القمح والفول والحمص والعدس والقثاء وعلى امتداد النظر وكان السير بها لا يتعب من يود أن يذرعها من كل الجهات فقد كانت مدينة بسيطة صغيرة ولم تكن قد امتدت بعد ففي بدايات التفتح فيها كنا نذهب الى المدرسة مشيا على الأقدام وكانت حركة المواصلات بسيطة تقوم على استخدام "السرفيس" بشكل عام سرفيس الحي الجنوبي والشمالي، والغربي الذي كان يعمل على ربط المناطق ببعضها البعض كان هناك مكاتب للتكسي الأصفر لكنها قليلة أذكر منها تكسي الرشيد وتكسي البرق.

واشارت إلى أبرز معالم إربد التراثية التي تحتضن مدينة إربد عدداً كبيراً تجسّد التاريخ العريق للمدينة وتبين مدى العمق الحضاري الذي بلغته، مثل "متحف دار السرايا، تل إربد، متحف الآثار في إربد، المسجد المملوكي القديم، منزل الشاعر الأردني عرار، سوق الصاغة القديم، لافتة إلى التل الصناعي وهو أثر قائم في اربد ويحمل في جوفه بقايا المدينة القديمة "مطحنة الملقي"، وهي اهم مراكز اقتصادي في المدينة، وايضا خان حدو وهو أول مركز مواصلات في المدينة، وكان صلة الوصل ما بين البلدة والمناطق المحيطة، وهو قائم إلى الآن ويشغله متجر لبيع فراء الخراف.

وواصلت عنبتاوي حدثها عن معالم في عروس الشمال اربد "سوق الصاغة"، القديم كانت ساحته المبلطة بالحجر الأسود الذي يعود تاريخه إلى بدايات هذا القرن، وتشوَه كثيراً عن طريق استخدام الدهان واقتلاع حجارة الساحة وتغطيتها بالإسفلت، مشيرة إلى انه تم هدم أكثر من نصف منزل "عرار وتحول ما هدم إلى محلات تجارية، ونُزل غزالة هو أول نُزل في البلدة كان ضيوف اربد ينامون فيه، والسرايا القديمة التي هي شاهد كبير على تطور المدينة، والتي يعود تاريخها إلى العهد العثماني، وكانت مراكز الحكم ومجمعاً للدوائر الرسمية، ويشغلها حالياً سجن اربد.منزل علي خلقي الشرايري: ويشكل نموذجاً فريداً للفن المعماري في تلك الحقبة، وقد هدمت أجزاء كبيرة منه.



من جهتها تحدثت الفنانة التشكيلية نعمت الناصر بحمميه عن تلك المدينة التي نشأت فيها وتعلمت السير على الاقدام، حتى اصبحت تتم كل أمورها سيرا على الاقدام قائلة "كل اموري كنت انجزها سيرا على قدمي بدون استخدام اي مركبة آلية، هكذا علمتني طبيعة مدينتي اربد السهلية لهذا بقيت قدماي قويتان، فقد نشأت فيها بفترة زمنية كان الجميع يمشي ولم يكن فيها سوى بضع سيارات وبعض الباصات للسفر خارجها إلى عمان او دمشق، كانت إربد مدينة صغيرة وادعة اهلها يعرفون ويحيون بعضهم بعضا اثناء المسير.

تابعت الناصر "اربد علمتني البساطة والاستقامة وحب العمل، استمتعت بطبيعتها وبيوتها المميزة البيضاء والسوداء والوردية وبالعرائش التي زرعتها سواعد ربات البيوت على مداخلها، احفظها شبرا شبرا ومجرد وصولي لها لبيتنا تسوقني قدماي نحو السوق القديم لأتسوق منه، ولأتفقده اذا هدموا منه جزء فانا احفظ كل ركن وزاوية فيه.

وقالت الناصر أنها اول من انتبه انهم هدموا سينمات اربد القديمة فالسينما التي قامت بالخمسينات بتوصيل الكهرباء لبيوت اربد قبل شركة الكهرباء هذا الشارع المعلم وكانت سببا لتسميته بهذا الاسم لم يعد فيه سينما ولكن بقي اسمه شارع السينما بالنسبة لأهل اربد رغم وجود تسمية رسمية حكومية له".

وقالت "منذ طفولتي ولأنني شبعت من قمحها وخبزها الاسمر عرفت طعمه وميزته عن اي خبز آخر، صرت اعلم ان الخبز الاسمر في المخابز الآن مصبوغ باللون البني للإيحاء بانه قمح حقيقي لأنه ليس قمح حوران، مبينة أن لون ترابها إربد التي الشبيه بلون الشوكولاتة التي اعشقها، ولطالما اخافني شدة تبلله بالمطر عندما كنت طفلة من ان تعلق قدمي الصغيرتين فيه ولا استطيع اخراجهما منه".

واشارت الناصر إلى أن والدها كان يقوم في بداية الخريف برصف الارض الطينية بالحجارة من مدخل بيتنا (بيت نجم الدين حاليا) حتى شارع الاسفلت حتى نستطيع السير فوقها عند الذهاب للمدرسة وحتى لا تغرق ارجلنا بالطين، مبينة أن اربد الآن ممتلئة، بالسيارات لا أحد يمشي فيها الا انا، تنافس شديد بين اهلها على لا شيء، على اولوية المرور من نفس الشارع، الجميع غاضبون من بعضهم البعض يريدون ان يكونوا مثل اهل عمان، لاعتقادهم ان العمانيين سعداء.

تابعت الناصر كل هذا اشاهده واتركه ورائي وأكمل السير، أسرع ثم أسرع حتى أصل السهل حيث الامتداد الشاسع والسماء الصافية، اعتقد ان هذا المشهد اليومي الذي كنت اعيشه منذ طفولتي هو سبب الهامي وحبي للفن والرسم، فالسهل صفحة فارغة اضع فيها ما اريد بها من عناصر. قمح، احجار، جلتون، دحنون، قثاء، اطفال يلعبون.

وخلصت الناصر إلى فلاحون الآن يسكنون بالعمارات التي زرعوها فوق أراضيهم الطينية الزراعية المنتجة للقمح، اما الخبز فقد استوردوه من دول تحارب بعضها بعضا، والله اعلم ان كانوا سيحصلون عليه بعد الآن ام لا!!، ونظرت لكل هذا التغيير المريع، مضيت امشي على قدمي ثانية لعلي أجد سهلا اخر فارغ من البناء حتى ولو كان بعيد.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/31 الساعة 10:50