هل باتت محاولات 'إحياء' الاتفاق النووي الإيراني.. مُتعذرة'؟

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/29 الساعة 07:54

تصريحات متناقضة ورسائل مُتضاربة تُصدرها الأطراف المعنية بإحياء الاتّفاق النووي الإيراني المعروفة رسمياً «خطة العمل الشاملة المشتركة»، بعضها يبثّ التفاؤل بقرب التوقيع على الاتّفاق الجديد القديم وأنّ ما تبقّى مجرد رتوش وإجراءات شكلية, أما الموضوعات والملفات الرئيسية تمّ الانتهاء منها والتوافق «النهائي» عليها، فيما الرسائل والتصريحات الأخرى تكاد تقترب من «نعي» كلّ الجهود والمحاولات والمفاوضات الصعبة التي استمرّت نحو عام (بدأت في نيسان 2021)، تم خلالها تبديل الوفد الإيراني المفاوض بعد فوز الرئيس الحالي/إبراهيم رئيسي في انتخابات حزيران الماضي، فيما نهض بالمهمة الأولى وفد إدارة الرئيس السابق/روحاني.

وإذ «حسم» روبرت مالي/المبعوث الأميركي الخاصّ لإيران/كبير المفاوضين الأميركيين في مباحثات إحياء الاتّفاق النووي, المسألة الأكثر خلافية وهي رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية, عندما قال أمام منتدى الدوحة الذي انتهى للتو في العاصمة القطرية إنّ «العقوبات ستبقى على الحرس الثوري بغضّ النظر عن الاتّفاق أو إسقاطه من قائمة المنظمات الإرهابية", مضيفاً أنّ الحرس الثوري سيبقى خاضعاً للعقوبات بموجب القانون الأميركي، وسيظلّ -واصلَ- تصوّرنا للحرس الثوري الإيراني كما هو بصرف النظر عن الاتّفاق، الذي رأى أنّ هدف الاتّفاق ليس حلّ هذه المسألة (رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب).. فإنّ «الاستعداد» الذي أبداه رئيس الدبلوماسية الإيرانية/عبد اللهيان, عبر تصريحه اللافت والمثير بأنّ «مسألة الحرس الثوري الإيراني لن تكون عقبة أمام الاتّفاق النووي»، يدعو للتساؤل عمّا إذا كانت أقوال الوزير الإيراني مُجرّد مناورة أم أنّه يعني ما يقول، خاصّة بعد عاصفة الانتقادات اللاذعة بل وبعضها مُهين, التي أدلى بها محسوبون على التيار الأشد مُحافظة من نواب وسياسيين وإعلاميين, شكّك معظمهم في قدرات عبد اللهيان واعتبروه غير جدير بتولّي المنصب, الذي كان الرئيس الإيراني/رئيسي يُرشّح علي باقري كبير مفاوضي إيران في مفاوضات فيينا الحالية وزيراً لخارجية إيران، لكن تمّ اختيار عبد اللهيان في اللحظات الأخيرة، وإن كان عبد اللهيان حمّل واشنطن مسؤولية التأخير في توقيع الاتّفاق الذي روّج الأوروبيون بأنّه بات قاب قوسين أو أدنى, وأنّه لا تفصلهم عن التوقيع سوى أمتار قليلة ولن تتجاوز يوماً أو يومين على أبعد تقدير, كما كان أكّد جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتّحاد الأوروبي أمام منتدى الدوحة، بل كان وزير الخارجية الإيرلندي أعلن عشية عيد النيروز/نوروز الذي تحتفل به إيران كما الكرد, أنّ التوقيع سيكون قبل ذهاب إيران إلى عطلة ذلك العيد، ومع ذلك لم تتحقّق «نبوءة» الوزير الإيرلندي، فيما عبد اللهيان قال لمنسق الاتّحاد الأوروبي لمفاوضات فيينا الذي زار طهران مؤخراً مُحملاً واشنطن المسؤولية «إن غياب قرار سياسي أميركي برفع إجراءات الحظر المرتبطة بالمنافع الاقتصادية للشعب الإيراني، هو العقبة الحالية أمام تحقيق النتائج النهائية في مفاوضات فيينا، مشدداً على أنّ التمتّع بالمزايا الاقتصادية الكاملة والرفع الفعّال للعقوبات هو أولوية قصوى».

من ناحية أخرى تبدو المواقف الأميركية هي الأخرى متناقضة وغير محسومة في هذا الشأن، ليس فقط في الخلافات العلنية بين أعضاء الوفد الأميركي إلى فيينا الذي يرأسه روبرت مالي وكيف تمّت إقالة/أو إبعاد أكثر من شخص في الوفد، وإنّما أيضاً في أنّ وزير الخارجية الأميركي/بلينكن قال في مؤتمر صحافي مع وزير خارجية إسرائيل/ لابيد: أنّ بلاده وإسرائيل «ملتزمتان» منع إيران من امتلاك سلاح نووي, و"نحن على توافق تام وكلانا ملتزم ومصمم على ضمان امتلاك إيران (أبداً) سلاحاً نووياً»، لكنّه أبدى تحفظّاً, بل لم يُجب على سؤال حول إزالة الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية, عندما قال:"نفرض عليهم عقوبات كثيرة", ممتنعاً عن إجابة واضحة، فيما كان روبرت مالي حسم المسألة مُعلناً أنّ الحرس «لن يُشطب من هذه القائمة وستبقي واشنطن العقوبات عليه».

في السطر الأخير... انهيار مفاوضات إحياء الاتّفاق النووي الإيراني كما (نجاحها), ستكون له تداعيات خطيرة وأصداء مدوية إقليمياً ودولياً, في ظلّ الظروف الحرجة والصعبة مفتوحة الاحتمالات التي يعيشها العالم, على وقع ما يجري في أوكرانيا وحال الاحتقان والتراشق الكلامي القاسي بين روسيا وواشنطن, حيث تحرّض ألأخيرة دولاً في أوروبا وخصوصاً في اوروبا الشرقية ذات العلاقات المتدهورة مع موسكو، ما قد يأخذ الأمور إلى مربعات مواجهة عسكرية يصعب التحكّم بمساراتها. زِد على ذلك تخوف واشنطن ودول إقليمية من تعاظم الدور الإيراني في ملفات المنطقة وقضاياها, والإمكانية الماثلة لبروز تحالف ثلاثي روسي صيني إيراني, مع ما يمكن أن يفرضه حلف كذا من تغييرات على موازين القوى في المنطقة وتحالفاتها, إذا ما نجح حزب الحرب في واشنطن وبعض دول «الناتو» في فرض أجندته على الملف الأوكراني, الذي يُرجّح كثير من المراقبين, أنّه سيطول... مواجهات عسكرية محمولة على تغييرات جيوسياسية مؤثرة.

kharroub@jpf.com.jo
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/29 الساعة 07:54