نجحت الانتخابات المحلية.. ماذا بعد؟
أنهت الهيئة المستقلة للانتخاب كافة المراحل المتعلقة بإجراء الانتخابات المحلية واختيار رؤساء وأعضاء المجالس البلدية، وأعضاء مجالس المحافظات ومجلس أمانة عمان، حيث يتبقى الاستحقاق القانوني الأخير المتمثل بحق كل ناخب في الطعن بنتائج الانتخابات إلى محكمة البداية التي تقع دائرته الانتخابية ضمن اختصاصها.
وقد شهد المراقبون المحليون والدوليون بنزاهة الانتخابات الأخيرة، وبأن إجراءاتها قد امتازت بنسبة عالية من الشفافية والنزاهة وبما يتوافق مع المعايير الدولية للحق في الانتخاب.
وبهذا تضيف الهيئة إلى سجل انجازاتها نجاحا جديدا، يؤكد أن إنشاءها كجهة دستورية مستقلة في عام 2011 كان خطوة إصلاحية بامتياز، وبأن ثمار عملها الدؤوب قد بدأت تظهر للعيان بشكل واضح وجلي.
ومع ذلك، فقد سجل المراقبون جملة من المخالفات التي شهدتها مراكز الاقتراع والفرز، والتي لم تختلف في طبيعتها وجسامتها عن تلك التجاوزات التي سُجلِت في الانتخابات النيابية والمحلية السابقة. فقد تضمنت تقارير الجهات الرقابية مخالفات تتعلق بالتصويت العلني، وقيام الناخبين بتصوير أوراق الاقتراع ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وحالات من الاكتظاظ في بعض مراكز الاقتراع، ومخالفة المرشحين وأنصارهم لقواعد الصمت الانتخابي قبل يوم واحد من موعد الاقتراع.
كما جرى تسجيل ملاحظات أخرى تتعلق بأمور فنية تمثلت بانقطاع التيار الكهربائي في بعض مراكز الاقتراع والفرز، والتي ثبت لاحقا أنها بسبب عطل داخلي، وحدوث مشاكل في الربط الإلكتروني أدت إلى توقف العملية الانتخابية في أكثر من مركز اقتراع. وقد وصل الأمر ببعض التقارير الرقابية إلى انتقاد عدم توافر التدفئة المناسبة في بعض مراكز الاقتراع والفرز في ظل برودة الطقس.
إن أقل ما يمكن القول عن هذه الملاحظات بأنها تجاوزات غير جسيمة لم تؤثر في سير العملية الانتخابية بمجملها. فبعضها عبارة عن تصرفات فردية حدثت في انتخابات سابقة أشرفت عليها الهيئة، ومن المتوقع جدا أن تستمر في الحصول في أي انتخابات قادمة ستديرها الهيئة المستقلة. فجزء من هذه الأفعال يتعلق بالثقافة الانتخابية التي تجعل من المناصرين يتجمعون خارج مراكز الاقتراع والفرز، يحاولون الضغط على الناخبين الداخلين لمراكز الاقتراع بهدف التأثير عليهم ودفعهم للتصويت لمرشحيهم، مما يسبب حالة من التزاحم أمام هذه المراكز.
واليوم، وبعد أن أثبتت الهيئة المستقلة علو كعبها في إدارة انتخابات حرة ونزيهة، آن الأوان لإجراء تغييرات جوهرية على عناصر إجرائية تخص العملية الانتخابية. فجداول الناخبين التي تعدها دائرة الأحوال المدنية والجوازات يجب التفكير في تغيير آلية إعدادها بحيث تصبح أكثر تمثيلا للواقع، وتشمل الناخبين المقيمين في الدولة الذين يحق لهم الانتخاب، مع تحضير جداول خاصة بالناخبين المقيمين بالخارج لغايات المشاركة في الاقتراع إن تمكنوا. فالأردنيون المتواجدون في الخارج قد شكلوا 26% من العدد الكلي للناخبين في الجداول النهائية في الانتخابات الأخيرة، وذلك وفقا لتصريحات رسمية من الهيئة المستقلة للانتخاب.
كما يجب التفكير مليا بوضع آلية خاصة تسمح للعاملين في الانتخابات من موظفي الهيئة ورؤساء وأعضاء مراكز الاقتراع والفرز والمتطوعين من المشاركة في الانتخابات، بحيث لا يكون عملهم عائقا أمام ممارسة حقهم في الاقتراع واختيار ممثلين عنهم.
ولغايات توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، يجب العمل على تكريس الحق الدستوري للناخبين الأردنيين المقيمين في الخارج، حيث أشار رئيس الوزراء قبل أيام إلى ضرورة وضع الآليات القانونية التي تتيح للمغتربين الأردنيين ممارسة حقهم الانتخابي. فهؤلاء الأشخاص لهم مصلحة قانونية في اختيار ممثلين عنهم في المجالس النيابية، على اعتبار أن العديد من القوانين التي يقرها مجلس النواب تمسهم بطريقة مباشرة، كقانون العقوبات وقانون ضريبة الدخل وقانون الأحوال الشخصية.
ولنا في هذا السياق أن نقترح تفعيل فكرة محطات الاقتراع المتنقلة، والتي من شأنها أن تُمكِّن الموقوفين ونزلاء المستشفيات والمراكز الصحية من ممارسة حقهم الانتخابي وفق آلية تشريعية واضحة، تعطيهم الحق في المشاركة في إدارة شؤون الدولة واختيار أعضاء مجالسها المحلية.
laith@lawyer.com