هل دخلت العلاقات الروسِية/الأميركِية... 'نفقَ القطيعة'؟
التدهور المتدحرج في علاقات القوتين النوويتين الأضخم في العالم, لم يسبق أن وصل إلى هذه الدرجة من السوء, حتى في أشد وأخطر سنوات/وعقود الحرب الباردة.. توتراً بين العملاقين السوفياتي والأميركي, في ظل احتمالات كانت ماثلة للانزلاق إلى مواجهة مباشرة بينهما, وليس فقط عبر حروب بالوكالة على النحو الذي ساد بعد أزمة الصواريخ الكوبية/السوفياتية أوائل ستينيات القرن الماضي.
لكن التراشق الكلامي القاسي والصعب كما صخب وطبيعة ردود الأفعال والتعليقات المتبادلة بين واشنطن/وموسكو, وبخاصة بعد الأوصاف المُهينة التي يُواصل الرئيس الأميركي بايدن إطلاقها بحق نظيره الروسي, وتجاوز بايدن كل الخطوط الحمراء عبر المسّ بكرامة بوتين، تُسهم كلها في ارتفاع منسوب الاحتقان, ما قد يدفع الكرملين بوضع حد لكل هذا الإصرار الذي يبديه بايدن, عبر استحضاره «مُعجم» الأوصاف المهينة, التي يُمكن إطلاقها على إرهابي أو قاطع طريق, وليس على رئيس دولة بحجم ومكانة وتاريخ روسيا, كان بايدن استهلّها بوصف بوتين بالقاتل ثم ديكتاتوراً قاتلاً ومُجرم حرب, إلى أن وصل إلى نعته بـ"الجزّار", ما أثار ردود أفعال غاضبة, خاصّة أن الوصف الأخير تزامن مع سيل ممن لم يعد ممكناً اعتبارها زلات لسان مُلتبسة, أجبرت رهط الناطقين باسم البيت الأبيض, على التدخل لتفسير/وتوضيح ما نطق به بايدن, عندما قال مثلاً: إن هذا الرجل (يقصد الرئيس بوتين) لا يمكنه البقاء في السلطة. ما اعتُبِر على نطاق واسع بأنه «دعوة إلى تغيير النظام وإسقاط بوتين", سارع مسؤول في البيت الأبيض إلى القول: إن الرئيس الأميركي قصدَ أنه لا يمكن السماح لبوتين بممارسة سلطة على جيرانه أو على المنطقة, ولم يكُن (أضاف المسؤول الذي لم يُكشف عن اسمه) بايدن لا يتحدث عن حكم بوتين في روسيا أو عن تغيير للنظام. كما بدت تلك التوضيحات مُتهافتة وغير مُقنعة, تماماً كما قيل تفسيراً لوصف بايدن بوتين بـ"مجرم حرب", بأن الرئيس الأميركي كان يتحدث «مِن قلبِه", وها هو الآن يصفه بـ «الجزّار» لأنه كما يُبرّرون... «تأثّر بما رآه, عندما التقى لاجئين أُوكران تستضيفهم بولندا»، متناسياً ما ارتكبته جيوشه الغازية من جرائم في يوغسلافيا السابقة, وبعدها أفغانستان ولاحقاً في العراق وسوريا وليبيا واليمن, خلال «ولايتيّ» أوباما/بايدن, عندم أعطى الضوء الأخضر لطائراته المُسيّرة, كي تفتك بالمدنيين اليمنيين بذريعة محاربة ارهابيّي تنظيم القاعدة ولاحقاً داعش. أضف الى ذلك زلّة لسان بايدن الأكثر خطورة, عندما كان يتحدّث أمام جنود أميركيين من الفرقة الشهيرة/82 المحمولة جواً, إذ خاطبهم قائلاً: سَترون عندما تكونون هناك، وسبق ان كان بعضكم هناك,...سَترون- أضاف- نساءً وشباناً يسدون طريقاً أمام دبابة, وهم يقولون: لن أنسحب وأتمسك بموقعي", ما اعتُبِر في موسكو انه كلام رئيس يَستبطِن نية ارسال قوات اميركية/أطلسية إلى أوكرانيا، على نحو يعكس من بين أمور أخرى, تراجعه عما كان تعهّد به, وهو «عدم إرسال قوات إلى أوكرانيا, لأن خطوة كهذه كفيلة باندلاع حرب عالمية ثالثة»، ما استدعى أيضاً تدخّل البيت الأبيض وتوضيح أن موقف إدارة بايدن بخصوص عدم نيّتها ارسال قوات إلى أوكرانيا.. لا يزال ثابتاً.
وإذ وصف رئيس مجلس الدوما الروسي/فولدين تصريحات بايدن بحق نظيره الروسي بـ «هستيريا العاجزين، مؤكداً ضرورة خضوع بايدن لفحص طبي»، فإن تأكيد ناطق الكرملين بأن احتمالات تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن تضيق، يُعيد إلى الأذهان التهديد الذي كان أطلقه نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الاتحاد الروسي/فلاديمير جاباروف, في التاسع عشر من تشرين الثاني/2021، بعدما قدّم عضوان في الكونغرس الأميركي اقتراحاً بـ"عدم الاعتراف بالرئيس الروسي بوتين كرئيس للدولة الروسية, إذا قرّر الترشح لولاية جديدة في العام/2024, قائلاً (جاباروف)/ اعتقد أن هذه الوثيقة المقترحة لن تمر، لكن إذا تم تبني القرار فسيؤدي هذا الى قطع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.
وإذ تفصلنا سنتان عن الانتخابات الرئاسية الروسية، فإن ما يحدث الآن والاحتمالات الواردة بتصاعد التوتر بين موسكو/وواشنطن, فإن أجواء مسمومة كهذه وخصوصاً تداعيات الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا, وتزايد الضخ التسليحي من دول الناتو/والاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا, قد يُفضيان الى إغلاق السفارة الروسية في واشنطن كخطوة أُولى, قبل اللجوء إلى قطع العلاقات, وهو قرار تستعد موسكو لاتخاذه مع بولندا قريباً, ما ستجبِر الأخيرة على إغلاق سفارتها في موسكو.