جنود يابانيون واصلوا القتال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.. أحدهم حارب لمدة 29 عاماً!

مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/24 الساعة 18:00

مدار الساعة -هناك جنود يابانيون واصلوا القتال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، هؤلاء الجنود اليابانيون المتبقون هم مجموعة من الجنود التابعين للجيش الإمبراطوري الياباني الذين خاضوا الحرب العالمية الثانية، ولم يقتنعوا بنهايتها بعد استسلام اليابان، يوم 2 سبتمبر/أيلول عام 1945، فواصلوا مواجهة العدو كل حسب طريقته.

الجندي الياباني الذي استمر في القتال لمدة 29 عاماً بعد نهاية الحرب؛ لأنه لم يصدق أن الحرب قد انتهت كان أحد هؤلاء الجنود، إذ تتعدد وتختلف أسباب مواصلة هؤلاء الجنود للحرب، فهناك من استمر فيها لتعصبٍ مبالغ فيه، وآخرون لتمسكهم بالمبادئ العسكرية التي منعتهم من الإيمان بهزيمة بلادهم، والبعض الآخر لجهلهم بنهاية الحرب لانقطاع الاتصالات بينهم وبين اليابان في إطار الاستراتيجية التي استخدمتها الولايات المتحدة خلال الحرب.

هؤلاء الجنود الذين يطلق عليهم أيضاً اسم Stragglers، والتي تعني باللغة العربية "المتطرفين"، واصل البعض منهم القتال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بعضهم قاتل ضد القوات المحتلة، ثم ضد رجال الشرطة، فيما انخرط البعض الآخر في الحرب الهند-الصينية وحرب التحرير الإندونيسية بقصد "تحرير قارة آسيا من التواجد الغربي،" وهي أحد الشعارات التي كانت ترفعها الإمبراطورية اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.

جنود يابانيون واصلوا القتال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية

"هيرو أونودا" الجندي الياباني الذي استمر في القتال لمدة 29 عاماً

لعل أشهر هؤلاء الجنود اليابانيين المتبقين، هو الملازم "هيور أونودا"، الذي أثار فضول العالم بأسره، في العام 1974، بعدما خرج من أدغال جزيرة "لوبانغ" بالفلبين بجنوب شرق آسيا، بعد قتال ومقاومة لمدة 29 عاماً، أدام من خلالها حرباً كانت قد خسرتها بلاده رسمياً في سبتمبر/أيلول 1945.

كان أونودا خلال تلك المدة لا يفكر في الاستسلام إلّا في حالة تلقيه أمراً بذلك من قائده المباشر أو من قائده الأعلى.

التحق هيرو أوندا بالجيش الإمبراطوري الياباني في العام 1942، لما كان يبلغ من العمر 20 سنة، لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية في إطار الحرب العالمية الثانية، التي دخلتها اليابان رسمياً عندما قصفت طائراتها قاعدة "بيرل هاربر" الأمريكية بجزر هاواي بالمحيط الهادي، يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 1941.

ثم انضم في أغسطس/آب 1944 للكتيبة رقم 33 التابعة للمدرسة العسكرية الشهيرة "ناكانو" المتخصصة في تكوين الضباط "الكوماندوز"؛ حيث تعلم تقنيات حرب العصابات، بحسب موقع Demotivateur، الفرنسي، حدث ذلك قبل إرساله رفقة 21 من زملائه إلى جزيرة "ليبانغ" بالفلبين يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 1944، في مهمة رئيسية تتمثل في تأخير إنزال القوات الأمريكية بالجزيرة، وقد كانت أوامر رئيسهم، الرائد "يوشيمي تانيغوتشي" واضحة جداً وهي "طالما أنّ الجيش لم يأتِ للبحث عنهم، يجب على هيرو ورفاقه مواصلة القتال، حتى لو كان يجب أن يستمر ذلك لسنوات عديدة".

ولكن بعدما استولت قوات الحلفاء على الجزيرة يوم 28 فبراير/شباط 1945، قرر الجنود العشرون الافتراق على شكل مجموعات صغيرة بـ 3 أو 4 أشخاص للاختباء بجبال الجزيرة، لكن قتل واعتقل أغلبيتهم بعد أيام أو أسابيع قليلة فقط، باستثناء 4 جنود هم، إضافة لاوندا: "يوشي أكاتسو" و"سويشي شيمادا" و"كيشيشي كوزوكا"، الذين نجحوا في النجاة وواصلوا العيش في الأدغال.

رفض الجنود الأربعة تصديق المناشير التي كانت تُلقى بالطائرات على الجزيرة وتقول بأنّ الحرب قد انتهت في صيف 1945، إذ لم يكونوا على علم بالقنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على مدينتي هيروشيما وناغازاكي وأديتا لوفاة 100 ألف ياباني وأجبرت الإمبراطور هيروهيتو على إعلان استسلام اليابان يوم 2 سبتمبر/أيلول من نفس السنة.

وقد اعتقد هوندا ورفاقه الثلاثة أنّ تلك المناشير هي عبارة عن فخ في إطار الحملة التضليلية للولايات المتحدة وحلفائها، ولذلك قرروا مواصلة المقاومة وهم على يقين بأنّ زملاءهم سيأتون يوماً ما للبحث عنهم وإنقاذهم مثلما وعدهم بذلك الرائد يوشيمي تانيغيشي.

ولكن السنوات مرت ولم يأتِ أي أحد لنجدتهم، ثم أرسلت مناشير جديدة، مرفقة برسائل من عائلاتهم وجرائد ومجلات تؤكد نهاية الحرب إلّا أن "الكوماندوز" الأربعة لم يؤمنوا بأنً الحرب قد انتهت بتلك السرعة فاستمروا في إطاعة أمر لم يعد له أي سبب لوجوده.

وفي العام 1950، تصدعت المجموعة، بتسليم" أكاتسو" نفسه للقوات الفلبينية، ثم قُتل "شيمادا" في العام 1954 خلال اشتباك مع نفس القوات المحلية، بينما لقي "كوزوكا" نفس المصير في العام 1972، ليبقى اونودا وحيداً في الأدغال.

وبدأت قصة استسلام أونودا في العام 1974، بعد مغامرة قام بها طالب ياباني، اسمه "نوريرو سوزوكي" إلى جبال وأدغال جزيرة "ليبانغ"، التقى خلالها بـ"الجندي الشبح" وعرف منه أنّه لن يلقي السلاح إلّا في حالة تلقيه الأمر من قائده العسكري المباشر.

وعاد الطالب سوزوكي إلى اليابان حاملاً معه صوراً تجمعه بالجندي أونودا، ونجح بمساعدة الحكومة اليابانية في إيجاد الرائد "تانيغيشي" الذي أصبح بائعاً للكتب، والذي توجه مع الطالب إلى "ليبانغ" حيث أخبر أونودا بنهاية الحرب وأمره بتسليم نفسه للقوات الفلبينية.

وضع هيرو أونودا أسلحته واستسلم رسمياً يوم 10 مارس/آذار 1974، ولكن رئيس الفلبين في ذلك الوقت "فيرديناد ماركوس" عفا عنه، على الرغم من إدانته بقتل العديد من الجنود الفلبينيين، فانتقل للعيش بالبرازيل حيث كان يعيش أقرباء له هناك، قبل أن يعود إلى اليابان في العام 1984 ويستمر في الحياة المدنية إلى غاية وفاته يوم 16 يناير/كانون الثاني 2014، عن عمر 91 سنة.

جنود رفضوا الاستسلام وقاموا بحروب عصابات ضد القوات الأمريكية

يوجد نحو 123 جندياً آخر ثبتت مواصلتهم للقتال، تطرّق لقصص العديد منهم موقع Histoire du Monde الفرنسي، أبرزهم القبطان "ساكي أوبا"، الذي قاد كتيبة بـ45 رجلاً كانت تقوم بحرب عصابات ضد القوات الأمريكية بعد هزيمة الجيش الياباني في معركة "سايبان" الشهيرة بالمحيط الهادي، ولم يستسلم إلّا يوم 1 ديسمبر/كانون الأول 1945، أي بعد 3 أشهر ونصف الشهر من نهاية الحرب العالمية الثانية.

ومن جهته، عاد الملازم "إي ياماغيشي" للظهور فجأة، رفقة 33 من جنوده بجزيرة بيليليو" الصغيرة بالمحيط الهادي، في أواخر شهر مارس/آذار 1947، بالهجوم على مفرزة مشاة البحرية الأمريكية المتمركزة في الجزيرة الاستراتيجية، وبعدها أرسلت القيادة الأمريكية تعزيزات عسكرية رفقة أميرال ياباني أقنع ياماغشيي وجنوده بأنّ الحرب قد انتهت، ما جعلهم يسلمون أنفسهم في شهر أبريل/نيسان من العام نفسه.

وفي يوم 27 يونيو/حزيران 1951، أفادت الصحافة الأمريكية بأنّ رقيباً من البحرية اليابانية سلم نفسه قادماً من جزيرة "أناتاهان" في بحر الفلبين، وأكد وجود 18 جندياً آخرين بالجزيرة، فقامت القوات الجوية الأمريكية بإرسال طائرة عسكرية للتحليق فوق المنطقة، وشاهد ركابها حوالي 8 إلى 9 يابانيين بأحد الشواطئ رافعين أعلاماً بيضاء، ولكن بحكم أنّ الجندي المستسلم كان قد حذرهم من أن زملاءه كانوا مسلحين جيداً، فإنّ الطائرة اكتفت بالاستطلاع دون الهبوط بعين المكان.

وأرسلت بعد ذلك القوات البحرية الأمريكية باخرة تحمل اسم " كوكوبا"، على أمل إجلاء بعض أولئك الجنود أو كلهم، فكان لها ذلك دون أي حادث يذكر.

وانضم الرائد "سي إيغوا" للجيش الفيتنامي، وقُتل في العام 1946 خلال معركة ضد القوات الفرنسية، خلال حرب الهند-الصينية، كما عمل الرائد " تاكيو اشيي" كقائد كبير بالجيش الفيتنامي، وقُتل خلال معركة أمام القوات الفرنسية يوم 20 مايو/أيار 1950.

فيما أصبح الملازم "كيكيو تانيموتو" مستشاراً وقائداً عسكرياً في جيش الثوار الفيتناميين خلال الحرب الهند-الصينية، ثم عاد إلى اليابان في العام 1954 بعد استقلال فيتنام عن فرنسا. والمسار نفسه اتخذه الملازم "كيكيو تانيموتو"، الذي انضم للجيش الفيتنامي وعاد إلى اليابان في العام 1954.

أما الملازم أول "هيديو هوريشي" فقد انضم للثوار الإندونيسيين، وتم اعتقاله من طرف القوات الهولندية، يوم 13 أغسطس/آب 1946، أثناء وجوده بإحدى القرى النائية للعلاج من جروح تعرّض لها في إحدى المعارك.

الحرب الهند-الصينية

الحرب الهند-الصينية جرت بين عامي 1946 و1954 بين الثوار الفيتناميين والقوات الاستعمارية الفرنسية، وانتهت بهزيمة فرنسا في معركة "ديان بيان فو" الشهيرة، يوم 7 مايو/أيار 1954، وانتهت بتقسيم الهند الصينية إلى دولتين منفصلتين، وهي الجمهورية الديمقراطية الفيتنامية و"جنوب فيتنام"، ولكن الحرب عادت من جديد بالمنطقة، بداية من العام 1955، وهذه المرة بين الدولتين المنفصلتين، حيث كانت "جنوب فيتنام" مدعومة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، وانتهت بسقوط عاصمة دولة الجنوب "سايغون"، في أبريل/نيسان 1975، وانسحاب القوات الأمريكية، وتوحيد فيتنام.

أما الثورة الوطنية الإندونيسية فقد جرت بين سنتي 1945 و1949، وهي حرب عسكرية وسياسية، بين الثوار الإندونيسيين والقوات الاستعمارية الهولندية، إذ وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وإعلان أحمد سوكارنو استقلال إندونيسيا يوم 17 أغسطس/آب 1945، وأصبح أول رئيس لها، سعت هولندا لاسترجاع مستعمرتها القديمة التي استولت عليها اليابان في العام 1942، ونجحت القوات الهولندية في استعادة السيطرة على المدن الكبيرة، ولكنها اصطدمت بمقاومة كبيرة في الأرياف من طرف الثوار الإندونيسيين.

وانتهت تلك الحرب رسمياً يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 1949، بنقل السيادة على البلاد من مملكة هولندا لصالح الجمهورية الإندونيسية، وذلك بعد اعتراف الأمم المتحدة في اليوم نفسه باستقلال الدولة، الواقعة بأقصى جنوب شرق آسيا.

مصير غامض للنقيب "ناكاهارا"

بينما بقي الجندي "بينزو ميناغاوا" يقاتل في أدغال جزيرة "غوام" الأمريكية بالمحيط الهادي، حتى القبض عليه في مايو/أيار 1960، ثم قام قائده المباشر، الرقيب "ماساشي إيتو" بعد ذلك بأيام قليلة بتسليم نفسه.

أما العريف "شويشي يوكوا"، الذي كان يعمل تحت إمرة "ماساشي إيتو" فقد بقي يكافح حتى اعتقاله من الجزيرة نفسها، في يناير/كانون الثاني 1972.

يعتبر الجندي المُتبقي "تيرو ناكامورا" آخر من تم العثور عليهم أحياءً، وكان ذلك بجزيرة "موروتاي" الإندونيسية، من طرف دورية تفتيش محلية، حيث سلم نفسه يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 1974.

ويبقى مصير النقيب "فيميو ناكاهارا" لغزاً محيراً ومجهولاً، حيث يعتقد أحد رفاقه في السلاح "إيساو مايازاوا"، أنه قد وجد مخبأه في العام 1980 بجبل "هالكون" بجزيرة "مينداناو"، ولكنه لم يعثر على أي دليل على بقائه على قيد الحياة حتى ذلك العام.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/24 الساعة 18:00