حادثة المعتمرين: «برقبة»من...؟!
“برقبة” من سنضع دماء 7 مواطنين راحوا ضحية حافلة “المعتمرين”؟
السؤال يبدو بمثابة دراسة “حالة” لأن قوافل الموت على الطرقات تزداد يوماً بعد يوم، لكن ما حدث على طريق الاغوار ثاني أيام العيد “السعيد” يختزل -ربما- أهم ما في المسألة، وهو أن حوادث الطرقات التي تصدمنا غالباً ما تنتهي بمتهم واحد نعلّق عليه كل المسؤولية وهو “السائق”، اما الأطراف الأخرى فتهرب وكأنه لا علاقة لها بما حدث.
قصة “وفاة” المعتمرين كشفت كيف يهرب المسؤولون من تبعات ومسؤوليات هذه الحوادث، فبينما كان وزير النقل الجديد يؤكد خلال زيارته لموقع الحادث “براءة” وزارته من هذه المسؤولية، كان وزير الأوقاف حاضراً على الفور لإصدار قرار يوقف ترخيص الشركة التي تتبع لها الحافة، وكأنه يريد ان يقول لنا بأن وزارته التي يفترض ان تكون الجهة الرقابية على رحلات العمرة والمسؤولة مباشرة عن منح تراخيص السفر للحافلات بعد فحصها والتأكد من سلامتها، غير معنية بما جرى، وبالتالي فان شركات الحج والعمرة هي المسؤولة، وهي التي تتحمل وحدها وزر مثل هذه الحوادث.
إذا تجاوزنا - جدلاً - ما دار من نقاش قانوني، ومن توظيف سياسي واعلامي، حول المسألة، خاصة بعد ان خرج الوزراء الثلاثة: الأوقاف والاشغال والنقل على شاشة التلفزيون لمصارحة الرأي العام بالموضوع، فان ثمة مسألة “أخلاقية” لا يمكن تجاوزها، وهي تتعلق بتنصل بعض المسؤولين الكبار من واجب الاعتراف بالخطأ، او من تحمل المسؤولية عما يحدث من مشكلات لها علاقة بمؤسساتهم ووزاراتهم، والاسوأ من ذلك هو انهم غالباً ما يهربون من الموضوع فيحملون غيرهم مسؤولية هذه الأخطاء، وخاصة إذا كان هذا “الغير” طرفاً ضعيفا، والمسألة -هنا- لا تتعلق بثنائية العدل والظلم فقط، وهي كبيرة وخطيرة، وانما بما تعكسه هذه الممارسات من حالة فجور سياسي واستهانة بعقول الناس واستخفاف بمنطق احترام “الموقع” الذي يفترض ان نحافظ جميعا عليه باعتباره جزءاً من مجالنا العام الذي تتحرك فيه الدولة بقيمها ومبادئها وصورتها الحقيقية.
بحسبة بسيطة يمكن ان نفهم قصة “حافلة” المعتمرين، فعندما انيطت عملية تنظيم رحلات الحج والعمرة بوزارة الأوقاف كان يفترض بها - حسب الأنظمة والتعليمات- ان تشرف على أعمال الشركات ثم تحاسبها، لكن ما حدث هو ان الوزارة قصرت في واجبها وبدل ان تتعاون وتتفاهم مع الشركات ناصبتها العداء ثم دخلت على خط عملها بإنشاء شركة حكومية منافسة (تصور هنا لو ان الحافلة التي ارتكبت الحادث كانت تابعة لشركة حكومية ما سوف يقع من احراج للحكومة).
المشكلة هنا لها سياقان: الأول يتعلق بحالة “النقل” في بلدنا والجهة المسؤولة عنها، وهي حالة “بائسة” بكل المعايير، اما السياق الثاني فهو إجراءات فحص الحافلات التي تتولى نقل الحجاج والمعتمرين، ومهمة ذلك تقع على وزارة الأوقاف لا على الشركات السياحية، ناهيك عن مسؤولية وزارة النقل على كل ما يتعلق بالنقل بشكل عام.
بدل ان تنهض هذه الجهات الرسمية الى الاعتراف بالمشكلة والعمل على حلها، وبدل ان تصارح الرأي العام بالحقيقية كما هي، ما زال بعض المسؤولين يصرون على السير بعكس تجاه الواقع وحقائقه، وبعكس اتجاه المسؤولية التي انيطت بهم، ليس فقط من اجل دفع الحرج عن الحكومة الذين هم جزء منها، وانما من اجل الاحتفاظ بمواقعهم التي يحرصون عليها، فيما المفترض ان تكون المصلحة العامة هي “البوصلة” التي تحدد عمل المسؤول حيثما كان.
لابدّ ان ينتهي موسم “الفزعات” التي تحولت لدى بعض المسؤولين الى “لازمة” تتكرر دائماً، ولابدّ ثانياً ان نرسخ لدى هؤلاء وغيرهم فضيلة الاعتراف “بالخطأ” واخلاقيات العمل العام، فنحن احوج ما نكون لضمائر حية لا تتثاءب طمعاً او خوفاً، ولمسؤولين لديهم الشجاعة للاعتذار او الانسحاب والاستقالة من مناصبهم ومواقعهم المرتبطة أصلا بخدمة الناس لا بخدمة مصالح ذاتية عابرة.
الدستور