وإلى متى؟

د. عبدالكريم محمد شطناوي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/24 الساعة 08:19

في الظروف الحالية السائدة محليا وعالميا التي تؤثر تأثيرا مباشرا على حياتنا،مما يجعلنا نتفاعل معها. يحاول الكثير منا التعبير عن ذلك بتغريدة أو مقالة عن آلام وآمال الجميع،فينبري بعض من المتابعين، فيردون رد المتحيز لرأي دون إبداء أسباب مقنعة، أو الرد بجملة أو كلمة تشعرك بأنه بحالة يأس أو لا مبال من أجل الإحباط أو العزوف عند من لديهم القدرة على طرح الأفكار وأخذ الدروس والعبر منها ومعالجة القضايا ووضع حلول لها.

إن حال من يقف مثل هذا الموقف يذكرنا بموقف بعض رجال الدين عندما نشطت ترجمة بعض كتب (الحكمة) الفلسفة اليونانية،فقد اتخذوا موقف العداء لها باعتبارها تنطوي على خطر الإلحاد،مما أدى إلى سجال طويل ما بين مؤيد ومعارض لها.

فهذا الإمام أبي حامد الغزالي كتب (تهافت الفلاسفة)مبينا فيه فشل الفلاسفة في إيجاد جواب لطبيعة الخالق ورأى أن تبقى اهتماماتهم في المواضيع القابلة للقياس والملاحظات كالطب،الرياضيات والفلك،كما كفر الفلاسفة في مسائل ثلاث وهي القول:بقدم العالم، يعلم الله الكليات ولا يعلم الجزئيات إنكار حشر الأجساد في الآخرة والإكتفاء بحشر الأرواح.

وقد رفض الفلاسفة رأي من عادى الفلسفة،فهذا الفيلسوف ابن رشد ألف في هذا الموضوع

كتابا بعنوان (فصل المقال في تقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال).

ومن جميل ما عبر به ابن رشد عن العلاقة بين الفلسفة والشريعة:

إن الحكمة تساوي الشريعة،

فهي صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة،لأن غايتهما واحدة،

هي معرفة الحقيقة الدينية ومعرفة الحق في نظره.

وهو يرى بأن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد عليه،

كما إن الادعاء بأن الحكمة،، الفلسفة تؤدي إلى الإلحاد فهذا وهم باطل،(فإن من منع الحكمة ممن هو أهل لها،من أجل أن قوما من أقل الناس،

قد يظن بهم أنهم ضلوا من قبل بحثهم في الحكمة،مثل من منع العطشان شرب الماء البارد العذب حتى مات من العطش،لأن قوما شرقوا به فماتوا،فإن الموت من الماء بالشرق أمر عارض،وعن العطش أمر ذاتي ضروري).

ومن هذا الموقف تلمس من مداخلات البعض على تغريدة أو مقالة فتجده قد اصطف في الطرف الآخر،لكنه بمزيد الأسف لا يبرر رأيه وإنما يتخذ موقف المعارض لأجل المعارضة.

وقد تجد نفسك أحيانا تعبر عن قضية عالمية بأسلوب نقدي تحليلي،كحرب وصراع بغض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة فيما بين الطرفين،

فينبري لك البعض فيحكم على الموضوع من زاوية دينية ضيقة متجاهلا البعد الإنساني وما حل ويحل به وبأمته من أحد الخصمين فيضعهما بنفس الميزان،فتجد مشاركته قد اقتصرت على كتابة كلمة أو جملة تشعرك بيأسه ولامبالاته أو تشفيه،أو ينصب من نفسه قاضيا فيكتب عبارات :

فخار يطبش بعضه،ملة الكفر واحدة،اللهم إرم الظالم بالظالم،كلهم لصوص مجرمون... وغيرها من العبارات.

ويبقى السؤال لهذه الفئات، لماذا لا تواجهون الحقائق وتبدون آراءكم بكل شفافية وبموضوعية؟؟

لماذا تتخذون أسلوب الإنتقاد وتقارنون عيوبنا وتجملونها بإظهار عيوب من هم أقل منا في المستوى؟ولا تقارنوها مع من بمستوانا أو أحسن منا؟؟

لماذا تنشطون في إحباط من يسعى ويجد في القضاء على الفساد والمفسدين وأعوانهم من المسحجين والمنافقين؟؟

لماذا تودون مصادرة الرأي الآخر والتقليل منه؟؟

لماذا تحاولون التشكيك في وطنية من ينقد نقدا بناء من أجل النهوض بالوطن؟

إلى متى تبقى هذه اللاأبالية أو الظهور بالحيادية وعدم الشعور مع قضايانا بينما نحن جزء من هذا العالم ؟

ومن ثم وأي حيادية وأحد أطراف الحرب يعلنها بصراحة، فيقول(بأن الحرب الروسية في أوكرانيا تمثل مأساة لأوكرانيا ولليهود والعالم أجمع،كما أن التهديد الذي تواجهه أوكرانيا يشبه التهديد الذي تواجهه اسرائيل).

أبعد هذا التصريح بالفم المليان يبقى مجال للحيادية واللامبالة وغض النظر عن قضايانا؟

بينما هو يدور ويأتمر بالغرب الذي اكتوى وطننا العربي من ويلاته وعدوانه الشيئ الكثير وما زلنا نكتوي بناره وأطماعه التي لا حدود لها؟؟؟

ألم تتحرك مشاعركم من هبة الإعلام الغربي في صف واحد لنصرة أوكرانيا بينما تعودنا منه على غض نظره عما يتعرض له الأهل في فلسطين خاصة والوطن العربي عامة؟؟

وإلى متى؟؟؟

يبقى موقف العرب لا لون ولا طعم حيال ما يجري على الساحة الأوكرانية،وقد بانت حقيقتها وما عاد شيء مخفي فطرفاها روسيا وأوكرانيا ومن ورائهما المعسكر الغربي جميعه ومن يدور بفلكه قد جند كل ماكينة أسلحته وإعلامه،كما أعلنها رئيس أوكرانيا كبوق ناعق لدولة الإحتلال الغاشم في فلسطين الحبيبة،فها هو يستنجد بها علانية،ويصف حالة أوكرانيا كحالة دولة الإحتلال بين الجيران،أليس عدو عدوي صديقي؟؟؟

علينا أن لا ننسى أن تاريخنا المؤلم قبل الميلاد وما بعده تعرض لغزو الغرب واستعماره لأرضنا واستعباده لشعبها كما بث الفرقة وافتعال الحروب بين الأخوة،إضافة إلى نهب خيرات البلاد.

أليس غريبا بعد كل مآسي أمريكا والغرب فينا أن نجد حكومات العرب ما زالت تثق بها وتأتمر بأمرها؟

ألهذا الحد بأننا وصلنا غير قادرين على الجرأة بالجهر في قولنا والتعبير عن عدم رضانا عن سياسة الغرب نحونا؟؟؟

ما دلالة هذا التمسك بالغرب وسياساته؟؟ هل يوجد ارتباط عضوي مصيري بينهما؟؟

فيا للعجب العجاب!!!

والأهم من كل ذلك:

متى نحسن الحوار لتتوحد كلمتنا وتنتظم صفوفنا لأجل الإجابة على كل التساؤلات المطروحة،والعمل على أن تتبوأ أمتنا ووطننا المكانة اللائقة بهما؟؟؟

والله المستعان .

مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/24 الساعة 08:19