'أبو الفشق'!

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/24 الساعة 07:15
في الأردن هناك ما يقارب 300 الف من العسكريين يحمل جلّهم السلاح، على الأقل مسدسات الخدمة، فضلا عن العديد من القوى الأمنية التي تحمل أسلحة أوتوماتيكية تتسع مخازنها لثلاثين طلقة، ومع هذا لا نرى أياً منهم يطلق صليات الرصاص بالهواء أو يقتل أحداً، عدا الأجهزة التي تتعامل مع المجرمين العتاة وتجار المخدرات وهذه العمليات نادرة جدا، وفي المقابل نرى الكم الهائل من الأشخاص المصابين بالرعونة وكأنما تصيبهم لوثة عندما يحملون السلاح القاتل دون أي عقل أو مبرر، في الأفراح يطلقون النار، في المشاجرات يطلقون النار، في الانتخابات يطلقون النار احتفاءً ببناء مقرّ المرشح، ثم يطلقون النار ابتهاجا إذا نجح مرشحهم ويطلقون النار إذا خسر، فما ذنب المواطنين المحترمين؟
من يحمل السلاح بيده الآثمة لغايات «الفشخرة» ليس سوى عدو مفترض ومشروع جريمة قابلة للحدوث تحت أي ظرف، وهذا ما أسماه البعض «أبو الفشّق» استهزاءً به، ولو كان في برّية أو أو مكان بعيد عن حائطه لما تجرأ أن يمد يده الى جنبه، فأبو الفشق هو كل مرعوب يرى أن السلاح يحميه، ولغايات إبراز جنونه تجده في أي مناسبة يستغلها ليبرز نفسه على أنه الديك الأعلى صياحا، وكم من أولئك الذين يطلقون الرصاص الأعمى فيقتلون الأبرياء أو يصيبونهم بضرر جسيم قد يؤدي إلى شلل أو عاهة مستدامة.
في انتخابات البلديات التي أعلنت رسميا يوم أمس، رأى الجمهور العام كيف تحولت الساحات إلى شبه معركة حربية، وحتى قبل ذلك التاريخ بأسابيع تعرض مواطنون لاعتداءات لفضية والى إحراق مركبات، ويوم أمس الأول رصدت الكاميرات المشهد المحزن، عندما يحرق البعض مركبات الناس ويعتدون على ممتلكات خاصة وعامة ويطلقون الرصاص في الهواء، وغيرهم من أنصار الناجحين الذين يعبرون عن فرحهم لسويعات قبل أن يجلدوا ناجحهم بعد ان يدير ظهره لهم، قاموا أيضا باطلاق النار تعبيرا عن جاهلية مقيتة، ليس مكانها بلد متحضر وعقول على رفعة من العلم والفهم في زمن نحتاج فيه الى العلماء لا «الهملاء».
وحتى لا نبقى نجلد في مجتمعنا الذي يرفض أغلبيته كل تلك التصرفات، فإن حال العرب متشابه بدرجة عجيبة، ولننظر الى إخوتنا الفلسطينيين أكانوا في مدن الضفة الغربية أو في الأراضي المحتلة تحت حكم السلطة الإسرائيلية، فمقابل العمليات البطولية التي ينفذها شباب ثائرون على ظلم الاحتلال بالسكاكين وقليل منهم بالسلاح كما حدث أمس الأول في النقب، فإن معدلات إطلاق النار من الأسلحة بأيدي العرب فاق كل تصور، حيث قتل خلال العام 2021 أكثر من مئة عربي بيد عربي من عائلته أو معارفه، وافتتح العام الجديد بأكثر من عشر جرائم قتل بينهم، فيما المشاجرات العائلية الممتدة في «الضفة الغربية»، باتت مقلقة، إذ يستخدم فيها الأسلحة الرشاشة واحراق محال تجارية ومركبات، ويقتل خلالها رجال وشباب كان الأصل فيهم أن يكونوا مقاتلين يستخدمون السلاح ضد عدوهم لا ضد أشقائهم.
شخصيا حملت السلاح منذ برعمة شبابي، استخدمته في بعض المناسبات عندما كانت الأراضي واسعة شاسعة متباعدة البيوت، كنت جاهلا وغبياً، وفي المرحلة الثانوية انفجرت عليّ طلقة الرشاش كادت أن تزفني الى الرفيق الأعلى، والدماء تسيل من يديّ وقدميّ، ولو لم يتم اسعافي لكنت نسيا منسيا، ولكن طيلة السنوات «البدوية» لم أظهر السلاح على العامة، فذلك ضرب من الخيلاء الكاذبة ودليل على الجُبنّ وعدم الثقة بالنفس، ولهذا نرى بعض الوفيات سببها إطلاق نار خاطئ، أما ما نراه فبات همجية لا يجيدها سوى المتخلفين.
Royal430@hotmail.comالرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/24 الساعة 07:15