دعوات إسرائيلية لتغيير 'تعريف اليهودي'.. نصف مليون سَـ'يُهوّدون'!
هاجس مستقبل الأغلبية اليهودية في فلسطين التاريخية, يفرض نفسه بقوة على صنّاع القرار في دولة العدو الصهيوني, رغم موجات الهجرة اليهودية المُتلاحقة، وأحدثها هجرة يهود أوكرانيا, التي كشفت، من بين أمور أخرى، مدى وعمق عنصرية هذا الكيان الاستعماري, الذي ينظر إلى «الأغيار» نظرة دونية, بل يرى فيهم كما كان قال مناحيم بيغن: إنهم خُلِقوا لخدمة اليهود.
من هنا، وفي إطار هذه الرؤيا الاستعلائية/العنصرية, جاءت دعوة أحد أبرز الشخصيات في دوائر تخطيط الاستراتيجيات الإسرائيلية/والصهيونية رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) الجنرال اسحق هليفي, الذي يوصف في اسرائيل بأنه «رجل المهمات الخاصة والسِرية..إقليمياً وعالمياً»، نقول: دعا هليفي في مقالة بصحيفة/هآرتس قبل يومين, إلى إعادة «تعريف مَن هو اليهودي» من أجل «استيعاب» نصف مليون شخص, لا تعترف المؤسسة بيهوديتهم (وهو يقصد هنا المؤسسة الدينية/الحاخامية), مستنداً في ذلك إلى تقديرات صهيونية تتحدث عن احتمال هجرة مئ? ألف شخص من أوكرانيا وروسيا, بسبب الحرب وما تُخلفه من أوضاع اقتصادية في هذين البلدين, مُطالبا اسرائيل بأن تستعد لذلك, ما يُوجِب على الحكومة إدراك أن قضية المواطنين الذين (ليس لهم دين), أصبحت مُهمة أكثر فأكثر كل يوم.
«نصف المليون» شخص الذين يُشير إليهم هليفي, هم «الذين هاجروا إلى إسرائيل بموجب قانون العودة الصهيوني, الذي يمنح أي يهودي في العالم مجرد وصوله إلى دولة العدو الجنسية الإسرائيلية بكامل الحقوق المترتبة عليها. وهو قانون يُجيز (وفق جنرال الموساد الأسبق) لأبناء العائلات اليهودية, من الجيل الثاني والثالث بالهجرة حتى لو كانت ديانتهم ليست يهودية أو ليس مُعترفاً بها».
وكي لا تلتبس التوصيفات السابقة على أحد، يتوجّب التوقّف عند أهم «الطوائف» الدينية/اليهودية ذات النفوذ وصاحبة «الفتوى» في إضفاء صفة اليهودي على أي شخص، أو رفض الإعتراف به يهودياً. إذ ترى اليهودية/الأرثوذكسية التي تضم اليهودية/الحريدية واليهودية الأرثوذكسية/الحديثة, أن اليهودي هو مَن أُمّه يهودية, أو إذا خضع الفرد لاعتناق مُلائم، فيما «تقبَل» اليهودية/الإصلاحية ويهودية/إعادة البناء نَسَب الولد لأبيه أو لِأمِّه, وثمة مؤسسات دينية أخرى ترى نَسَب الولد لأبيه كدرجة أولى.. لِتخلع عليه صفة اليهودي.
إضاةة كهذه ضرورية، وبخاصّة في ظل ضغوط لا تتوقّف على المؤسسات الدينية.. المُتزمتة منها أو الإصلاحية,(وهي كما سبق وأشرنا ذات نفوذ ودور قوي, ومؤثر اجتماعيا بل وسياسيا أيضا, كونها شكلت أحزاباً سياسية وباتت مُمثّلة في الكنيست, وبمثابة بيضة القبّان لتشكيل أي ائتلاف حكومي. وكان نتانياهو طوال سنوات حكمه الطويلة (ا2 سنة) وأربع حكومات, يعتمد على تلك الأحزاب.. الحريدية منها وتلك الصهيونية/الدينية.
يقول هليفي مُفسراً دعوته: إن هذه الهجرة اليهودية من أوكرانيا وروسيا في حال تحقّقت التقديرات بشأنها, ستُفاقم ظاهرة «الآخرين», والقصد مَن هم ليسوا يهودا بموجب التعريف الديني اليهودي, الذين - يُضيف - يُقارب عددهم في إسرائيل حالياً نصف مليون «مواطن», مُستطرداً «إن النقاشات التي تجري في الكنيست حول قضايا التهويد, هي نقاشات مُهمة جداً لمستقبل المجتمع الإسرائيلي، ولا يقل أهمية - يُواصِل - عن ذلك مناعة الدولة الاستراتيجية في العقد المقبل».
وإذ يدعو هليفي «الحاخامية الرئيسية إلى التراجُع عن سياستها الحالية, والعودة – كما قال - الى تبنّي كبار رجال الجيل, الذين أقاموا حياة دينية/رسمية في الأربعين سنة الأولى للدولة، فإنه لفت في الوقت ذاته أنظار المُشرِّعين في الكنيست, إلى أن القرارات التي سيتخذونها حول مشروع قانون وزير «الخدمات الدينية», ليس فقط ستكون مصيرية في مجالات استراتيجية كثيرة الأبعاد، وإنما - أضاف - ستحسِم ما إذا كانت الأكثرية اليهودية في اسرائيل ستبقى على حالها, أو لا سمح الله – وِفقه - هذه الأكثرية ستُصبح أقلية, بسبب سحب المكانة اليهو?ية من نصف مليون مُهاجر وحفيد, الذين يتواجدون في البلاد تحت التسمية المُهينة «آخرون», هُم - يختِم - سيحسِمون - إذا ستكون أكثرية أو أقلية، لأنه إذا تم سحب مكانتهم كيهود، فهذا سيكون كارثة على علاقات اسرائيل مع الجاليات اليهودية في أرجاء العالم».
في السطر الأخير: ثمة مثال «طازج» على قوة وتأثير ومكانة المؤسسات الدينية/الحاخامية في دولة العدو, إذ شُيّع الأحد الماضي أحد أبرز حاخامات اليهودية الحريدية الأشد تزمّتاً وهو الحاخام/حاييم كايينبسكي (94 سنة). شارك في تشييعه نحو نصف مليون شخص وثلاثة آلاف شرطي، كانت عناوين الصحف اليومية/الأربع على النحو التالي: «نحو نصف مليون يُشاركون بتشييع كايينبسكي/هآرتس». «طريقه الأخيرة/ يديعوت». وكان لافتاً أن صحيفتَي «معاريف» و«اسرائيل اليوم»، حملتا العنوان نفسه «جنازة مرّة واحدة في الجيل». ما يعكس أن اسرائيل هي دولة, ليس?فقط عنصرية وإحلالية بل أيضا دينية مُتزمَتة, رغم زعمها أنها عصرية وعلمانية.