عن الرئيس والتفاؤل

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/21 الساعة 01:37
.. كتب أحد الزملاء مقالاً منتقداً فيه تفاؤل رئيس الوزراء المفرط.... وأنا هنا في معرض الرد على الزميل العزيز, استحضاراً لفن صحفي لم يعد الذين يعملون في هذه المهنة يجيدونه.. وياما أمتعتني الردود الصحفية التي كانت تندلع بين الراحل الدكتور فهد الفانك.. وبعض المنتقدين، وبين نبيل الشريف والمشككين.. بين طارق مصاروة وبعض الحساد!
الرئيس يبعث بالكثير من رسائل التفاؤل.. حسنا أنا أيضا بالرغم من ضيق القلب والشيب وتعب العمر.. امتلك التفاؤل, لأن الله منحنا اياه مجانا.. وهل ندفع بعض الرسوم والضرائب على التفاؤل؟ حتما لا.
بالمقابل قبل أقل من عامين قال ذات الزميل: إن خزينة الدولة لا يتوافر فيها رواتب شهر أيار, وبشر قبلها بانهيار الاقتصاد في مقالة منشورة له, أسست لصراع وخوف وقلق في المجتمع... لدرجة أن الناس تحسست قلوبها..!! هل من المنطق أن نقبل بالتشاؤم والانهيار ولا نقبل بالتفاؤل؟! هل المطلوب من الرئيس أن يحذو حذو الزميل العزيز ويقول إن الاقتصاد على مشارف الانهيار؟.. أنا لا أدافع عن الرئيس الحالي, فلديه من الأدوات.. والكتاب والصحف والمؤسسات الكثير، ولديه لسان فيه من الفصاحة والبلاغة ما يسعفه كي يدافع عن نفسه... لكن على الأقل بالرغم من مرارة التجربة.. فإننا ما زلنا نحجم عن اللقاءات التي يجريها مع الصحافة, ونرسل برسائل نقول له: أننا نعتذر لأن لا جديد لديكم.. ومع ذلك لم يغضب ولم يقم بالانتقام... ما زلنا أيضا نتصل به على الهاتف في منتصف الليل, ونطلب منه كتاب معالجة.. لمريض ضاقت به الدنيا ويستجيب, ما زلنا نعاتبه على حركة بعض الوزراء، وأنا شخصيا تحاورت معه مطولا.. وهاجمته في منتصف مكتبه.. واستوعب غضبي.
في حكومات سابقة، كان قرار الإقصاء من وظائفنا يحتاج لرشفة من فنجان قهوة فقط.. وذات يوم ناداني رئيس وزراء لمكتبه, وحل عقدة ربطة العنق حين قلت له: إن المجتمع لا يعرفك وليس لديك تحالفات معه... رد علي: (إنت مندفع وغلطان) فأخبرته أني على استعداد أن اعطيه مفتاح سيارتي وإذا عرف أن يصل إلى ماركا الجنوبية دون مساعدة (جوجل ماب) سأعتذر له على الصفحة الأولى من (الرأي)... بعد اللقاء بالطبع انسكب الغضب الرسمي علي مثل ماء تغلي فوق الرأس.
الزميل إياه يدرك، أن المرارة في الفم لا يختلف طعمها بين تموز وتشرين.. ويدرك أن الشطة من المستحيل أن تحمل نكهة السكر.. وأنا مؤمن أن الحكومات لها طقس واحد ومذاق لا يتغير.. لكن لا تلوموا الناس على تفاؤلهم.. وأنا لا ألوم الرئيس إن أرسل برسالة تفاؤل.. ولكني ألوم الحروف المتراقصة على ورق الجرائد, حين يصبح همها أن نرجم الرئيس فقط.. وننسى أن الحكومة هي حلقة من سلسلة.. والسلسلة تحتاج لشرح وتحميص وتدقيق في مجمل حلقاتها... ولكننا للأسف نتجرأ على شخوص رؤساء الحكومات... وننسى أن أعلى أنواع الجرأة الصحفية, هي التجرد من حسابات الذات.. وحسابات الاستثناء في الدعوات, وحسابات التودد الحكومي لهذا أو ذاك..
قلبي على وطني فقط، وبشر الخصاونة سيعبر شئنا أم أبينا.. وسيأتي من هو بعده.. لكنها المرة الأولى في هذا العمر التي أشاهد فيها زميلا, ينتقد تفاؤلنا... بمعنى آخر المطلوب منا أن نبث التشاؤم..
أحيل الزميل إلى (هجيني كركي), كنا نغنيه في أعراسنا وحفلاتنا.. وأنا ما زلت في الصباح كلما هممت بحلاقة ذقني أدندن به ويقول في مطلعه: (شباب قوموا العبوا والموت ما عنه.. والعمر شبه القمر ما ينشبع منو).. وهل يوجد أجمل من التفاؤل حين يكون لحنا وطربا.
سلامي لزميلنا الغالي...
Abdelhadi18@yahoo.comالرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/21 الساعة 01:37