من هذا الذي يؤذي أمه؟
مَن مِن شبابنا اليوم يعرف الكثير عن معركة الكرامة غير اسمها والذكرى السنوية اليتيمة لتلك الملحمّة الخالدة، معركة هي الأولى التي مرغت جيش الصهاينة في وحلّ الذل والهزيمة، وكم منا من لا يعرف أبطالنا الذين استبسلوا في آخر معركة لنا ضد عدو زحف كالجراد الداب والطائر، ليعود ضائعا بين قتيل وجريح، وكيف امتزج الدم الزكيّ بتراب الأرض الأردنية بعد صولات عنيدة أعادت ذكريات معارك اللطرون وباب الواد ووادي التفاح وجنبات القدس من قبل، تلك المأثرة التي لا يريد الأعداء الاعتراف بها، ولكنها اليوم تعيد لنا روح التضحيات لا المكتسبات، لأن الأرض قاتلت والحراب طعنت والعزيمة هزمت كبرياء العدو.
أتدرون لماذا انتصرنا في تلك المعركة التي لم يشهدها جيلنا؟ لأن الأمهات الشريفات التقيات النقيات كن يزغردن احتفاءً بابنائهن الذين هبوّا للدفاع عن كرامتهن ووطنهن وتاريخهن الماجد، تلك النساء الماجدات اللواتي أنجبن جنودا لا يهابون الأعداء ولا يخافون الموت في سبيل الله والدفاع عن وطنهم، جنودا بعثهم الله ليكسروا حاجز الخوف من عدو طفقت سمعة جيشه المعتدي أركان الأرض، وخلفه قوى الشرّ العظمى، تلك معركة أمهاتنا وأخواتنا اللائي رفعن رؤوسهن ليطاولن عنان السماء فرحات بالشهداء والأبطال المنتصرين، لأن الأمهات يومذاك كن يمددن قواتنا المقاتلة بخبز الشراك والمؤن والماء من مطلات السلط الى عيرا ويرقا الى الشونة والكرامة.
الأمهات الكريمات كن ولا زلن مقاتلات على صبر وجَلدّ، فالكريمات لا يلدن إلا الكريمات، وهن المربيات الفاضلات والزوجات الحليمات، والشريكات المساعدات، والأخوات الرحيمات، تلك الآنسات المؤنسات الطيبات العاليات الرفعة، المسميات للأخوة بالنخوة، هن في بيوتنا مصابيح وضّاءة وأحضان دافئة يجمعن الأولاد والأحفاد ويربتنّ بأيدي العطف على رؤوسهم، وجدّات يتسابق الأحفاد للاختباء وراء ظهورهن من بطش الرجال العنيفين، حتى أن غضبهّن ومعاقبتهّن التأديبية لأبنائهن ينساها الأبناء في دقائق، فنجدهن كالحمام الأبيض يحوم حولهن الأطفال والشيوخ.
تلك النساء اللاتي خرجن من بيوت العفة والعلمّ والأخلاق الرفيعة لا يدانيهن سوى الشرف الرفيع، فتخرج من بيت أبيها وحيدة لتبني بيتاً مليئاً بالفرح والسرور، لا بالهمّ والغرور، غير عابئات بالمظاهر الزائفة والمغريات التافهة، ربات بيوت يربين أبناءً صالحين ومنهن من يربين أزواجا حادوا عن طريق الصواب ليعودوا أخياراً، تلكم نساؤنا اللاتي شاركن العمل في مختلف القطاعات من تعليمية وصحية وخدمية، ولكن الأهم من ذلك تلك الصابرات المدبرات في بيوتهن المحافظات على أسرهنّ، لا يلهثن وراء مؤسسات التمييع والتضييع وكسر قوامة الرجل على عائلته، بمصطلحات معسولة ومادتها خبيثة.
اليوم يمتزج تاريخ البطولات مع تاريخ الأمهات، ولكن الكرامة والتكريم للأم ليست مجرد يوم يمضي كما يمضي السحاب فوق رؤوسنا، فهي مكرّمة كل يوم، حتى الأمهات اللاتي رحلن عن هذه الدنيا لا يزلن في قلوب الأبناء والبنات، وإن نسي البعض معركة الكرامة، فإن يوم الأم العالمي تستحقه تخصيصا الأمهات الأردنيات إذ نحتفل مجازا بيوم خالد في ذكرى بطولات جيشنا الباسل مع يوم الأم.
ومن هنا نزجي آيات الوفاء والعرفان لزوجاتنا وأخواتنا ولكل أمّ في وطننا الأردني، ولأمهات فلسطين المربيات للأبطال من شعب ذاق ويلات لم يذقها شعب على أرضه، وعلى بعض الرجال أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يرتكبوا الجرائم ضد أمهاتهم ونسائهم من قتل أو إيذاء أو ترويع، فرسولنا الكريم قال لكم «استوصوا بالنساء خيرا» ومن حديث آخر «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم» فالله الله بأمهاتكم ونسائكم فلا تذهبوا بأمهاتكم الى مراكز الإيواء لكبار السن، بل ناموا تحت اقدامهن إن كنتم مفلحين.