عن دبلوماسية 'الإهانات الشخصية والإنذارات'.. وثقافة 'الغطرَسة'!
فيما تتواصل الأزمة الأوكرانية فصولا متمادية, ويمضي المعسكر الغربي قُدما في فرض العقوبات غير المسبوقة في عدوانيتها وشموليتها على روسيا, بهدف مُعلن هو شلّ اقتصادها, وعلى نحو مُواز وأكثر خطورة وتداعيات عبر تزويد أوكرانيا بالأسلحة النوعية التي يصِفها بـ«الدفاعية», فيما هي هجومية وفتاكة ذات تكنولوجيا مُتقدمة, محظور «بيعها» حتى لحلفاء واشنطن في الحلف العدواني/التوسّعي المسمى/حلف الاطلسي, الذي يُصنِّفه أصحابه زورا وتدليساً بأنه حلف «دِفاعي».
في الأثناء تبرز بوضوح دبلوماسية الهيمنة وثقافة الغطرسة, التي تُواصل فيها الإدارات الأميركية المتعاقبة التعاطي (بها ومن خلالها) مع دول العالم كافة بفوقية واستعلاء, لا تفرق فيها بين دولة كبرى واخرى مُتوسطة الحجم والتأثير, ما بالك دول العالم الثالث/أو دول الجنوب التي لا تراها واشنطن اصلاً, الاّ عبر نهب ثرواتها وانتهاك سيادتها واصدار الأوامر لها تحت طائلة النبذ والحصار والتلويح بإطاحة حكوماتها حتى المُنتخبة منها.
تتصدّر الولايات المتحدة المشهد في كل أزمة دولية/أو اقليمية, ساعية بلا كلل لفرض رؤيتها على الجميع, مُستخدمة سلاح العقوبات وترسانة الإعلام «الموجّه/المُبرمَج», التي لا تتورع عن استخدام اوصاف ومصطلحات نابية/ومهينة, بحق رؤساء تلك الدول ونخبها السياسية والحزبية، مُتسلحة بكل ما تتوافر عليه من امكانات ونفوذ, وهي امكانات واسعة/ضخمة افقيا وعامودياً لا يستهان بها, الاّ انها في الآن ذاته مَكشوفة يسهل رصد الاختلالات فيها والتناقضات, على النحو الذي نجده مثلاً في تخلّيها عن ابسط قواعد اللياقة/الكياسة السياسية والدبلوماسية, بحق رؤساء دول وحكومات وبرلمانات وأغلبية شعبية تدعم هذا الحاكم/الرئيس/الحكومة أو التنظيمات/الحزبية/والأهلية/والنقابية، مُشككة في ديمقراطيتها نازعة عنها الشرعية والتزام القانون والدساتير ذات الصلة في تلك البلدان.
لنبدأ على سبيل المثال في ما هو أبعد صدى ولفتاً للانتباه, عندما وصفَ الرئيس/بايدن نظيره الروسي/بوتين بأنه «مُجرم حرب» ليُضاف الى سلسلة الأوصاف المُهينة التي خلعها عليه مباشرة بعد دخوله البيت الأبيض, خلفا للرئيس الجمهوري/ترمب, صاحب «الإرث» الطويل والمزدحم في استخدام أوصاف جارحة/وخارجة عن الأصول بحق منافسيه وخصومه داخل الولايات المتحدة وخارجها, غارِفاً بالطبع من مُصطلحات ثقافة الاستعلاء/والاستكبار الأميركية المعروفة.
كان بايدن وصفَ بوتين بأنه «قاتل» ثم ما لبث ان أضفى عليه صفة «الديكتاتور» وألحقها مؤخّراً بصفة ثانية"ديكتاتور قاتل، فيما تعفف الكرملين الدخول في معركة سخيفة كهذه, رادّاً بطريقة واسلوب حضارِييْن عبر الغمز/المُؤدب من قناة بايدن دون ان يسميه, بالقول: ان ما تفوّه به بايدن هو إهانات شخصية, لكنها - تصريحات بايدن - تبدو ناجمة عن انفعال وارهاق ونسيان, تؤدي الى اطلاق تصريحات عدائية –لكننا– أضاف ناطق الكرملين/بيسكوف.. لن نُجري أي تقييمات قاسية حتى لا نسبب المزيد من العدائية، وكان قبل ذلك صرّح بأن هذا الوصف من بايدن بأنه «مرفوض ولا يُغتفَر، من رئيس دولة قتلتْ مئات الآلاف من البشر حول العالم. وكان لافتاً التصريح المُرتبك الذي ادلت به ناطقة البيت الأبيض/جين بساكي عندما ردّت على سؤال حول هذا الوصف غير المسبوق في علاقات رؤساء الدول بعضهم البعض: الرئيس بايدن كان «يتحدّث من القلب» (وكأني بها تقول انه تصريح عاطفي مُنفلت وليس نابعاً من تحكيم للعقل والمنطق).
وإذا ما أضفنا الى ذلك «القلق» المحمول على ثقافة استعلاء/وهيمنة, ورفض أميركي مُبطن و"قلق» في الآن نفسه الذي عبرت عنه واشنطن خلال الأسبوعين الماضيين, إن لجهة الخيبة التي عبرت عنها عندما صوتت «35» دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة, «ضد» قرار مناهض لروسيا واختارت تلك الدول » الامتناع» عن التصويت ما رأت فيه ادارة بايدن رفضاً للإدانة, رغم ان القرار حظي بدعم «141» دولة, يدرك كثيرون ان عدداً كهذا ما كان ليحدث لولا الضغوط الهائلة, التي مارستها واشنطن على هذه الدول (فيما اختارت 5 دول التصويت علناً ضده).
زد على ذلك «القلق» الجديد «جدّاً» الذي أعلنته واشنطن أمس تعقيباً على استقبال دولة الإمارات الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة هي الأولى، بل لم تكتف بالقلق انما بـ"الإحباط وخيبة الأمل الكبيرة", على ما قال متحدث الخارجية الأميركية نيد براس، ناهيك ما حفلت به المحادثة الطويلة بين الرئيسين بايدن والصيني/شي جينغ بينغ, إذ سبقتها كما رافقتها «تحذيرات/تهديدات» أميركية لبيجين, بأن الصين ستواجه «عواقب» في حال ساعدت جارتها روسيا في حربها على أوكرانيا, ناهيك لفت بايدن نظر الرئيس الصيني بأن واشنطن «تعارِض اي حل لمسألة تايوان من طرف واحد» (يقصد طرف بيجين), فيما ردّ شي بأن «معالجة قضية تايوان بشكل غير مُناسب سيلحق الضرر بالعلاقات الصينية الأميركية».
... الاّ يعكس ذلك شعور واشنطن بأن عهد القطب الواحد قد ولّى, وأن عالماً مُتعدّد الأقطاب بات في طور التشكّل والبروز. الرأي
kharroub@jpf.com.jo