في الأردن.. القروض البنكية (عجز يتبعه عجز)

مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/02 الساعة 13:19

مدار الساعة - "ضروريات الحياة لن تنتظرك" .. "أطلب قرضك الشخصي لتحقق أحلامك" .. "قرضك دون كفيل ودون تحويل راتب" .

بهذه الجُمل والكثير من مثيلاتها تسعى البنوك لإغراء الشباب بالقروض، من خلال التسهيلات في بدل الدفع وسعر الفائدة في ظل محدودية الدخل وتصاعد وتيرة الغلاء المعيشي اليومية التي يعاني منها الشباب الأردني.

واقع الحياة لم يترك خيارا آخر سوى اللجوء إلى البنوك للإقتراض منها، بالرغم من معرفتهم بأعباء التسديد الضخمة والمشاكل التي تتبعها.

محمد شاب اضطر أن يقترض من أحد البنوك الأردنية، أشار إلى أنه وقع بفخ القروض البنكية لشراء سيارة كانت هي بالأصل خيارا صعبا فرضتها ظروف العمل عليه، وكونه في بداية حياته الوظيفية فهو بحاجة لكثير من الوسائل الضرورية، والتي لا يقدر على تغطيتها براتبه الشهري المحدود.

ويقول: "يبدأ الشاب متحمسا في البداية بما يصحب مشاعره الفرح لحصوله على شيء لطالما تمناه ولكن الظرف المعيشي الخاص به لم يسمح بذلك من قبل، إلا أن هذه المشاعر لا تلبث أن تصبح مشاعر ألم وندم، بحيث يستيقظ الشاب منّا على خدعة كبيرة بمسمى القرض".
من جانبها، تتمنى فدوى لو أن الزمن يعود بها إلى الوراء، إلى يوم لم تأخذها أقدامها إلى بوابة البنك الذي اقترضت منه قيمة شقة في العاصمة عمان.

فدوى وصفت القروض البنكية بالدوامة التي لا نهاية لها، وأن النجاة منها أمر غاية في الصعوبة، تقول: "وقعت في الفخ عندما ظننت أن القروض ستوفر لي الراحة والاستقرار، ولكني وجدت نفسي غارقة في بحر من الديون، إذ أن الفوائد المركبة التي يحتسبها البنك على القرض، تلتهم معظم الراتب، علاوة عن فترة السداد التي سأقضي كامل عمري وأنا أسدد بها".

وأضافت أنها أُحيلت للتقاعد قبل عامين، إلاّ أنها لم تستطيع ذلك حتى يتسنى لها مبلغا أفضل وتتمكن من دفع متطلبات البنك التي لم تتوقعها يوما بهذا الشكل.

محمد وفدوى اختتما حديثهما بتحذير الأفراد من الإقدام على خطوة الاقتراض من البنك، إذ يجب التريث والتفكير ألف مرة، واستنفاد الحلول الممكنة كافة، تفاديا لمشكلات القروض التي لا تخفى على أحد.

دخل الأردنيين لسداد القروض!

الخبير الاقتصادي حسام عايش، أكد أن مشكلة اللجوء للقروض تبدأ من نفقات الأسرة التي تزيد عن دخلها، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها المملكة، حيث أن هناك فرق عالٍ بين دخل الأسرة ونفقاتها ما يسبب العجز، ما يقُدر بحوالي ألف دينار لكل أسرة أردنية، وقد تأتي الفرد في وقت ما أزمة مالية تمر به، وقد تجعل رب المنزل يتعرض لضغوط من أفراد أسرته ثم تدفعه في كثير من الأحيان إلى الاقتراض استجابة لمطالب أفراد أسرته.

وأوضح عايش أن القروض أصبحت من الأشياء التي يسهل الحصول عليها، ما جعل المجتمع يتعود على الاستهلاك غير المنضبط، ويلغي أي تطلع أو تفكير في ثقافة الادخار، كما ساعد التوجه لهذه القروض التسهيلات والمغريات التي تقدم للعميل، حيث تعمل على استمالته للاقتراض، وطبعاً لا تهتم تلك الجهات إلا بعائدها المالي.

وذكر أن تقرير البنك المركزي بين أن ٦٩% من دخل الأردنيين تذهب لسداد القروض، وبالتالي باتت القروض جزءا أساسيا من حياة الفرد الاجتماعية، ومن متطلبات الحياة العامة، مبينا أن معززات تفشي هذه الظاهرة يرجع إلى عدم تخصيص لجان من البنوك لتتقصى الحقائق الفردية للمقترض، كالدخل وإمكانية السداد سجله الأمني وغيره من الأمور التي تحمي الفرد والبنك على حد سواء من الوقوع بالمخاطر، والتي تؤدي بدورها تاليا إلى أزمات اقتصادياً ومالية كبير يدفع ثمنه عدد كبير من أطياف المجتمع، كتلك الكارثة الاقتصادية التي بدأت في أمريكا عام ٢٠٠٨ ثم تحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية.

وهم البطاقة الائتمانية

عايش بين ضرورة التأني بقرار استخدام بطاقة الائتمان المصرفي التي ما يزال عدد هائل من الأفراد متورطين حتى الآن في دفع الفوائد الضخمة المستحقة عليها.

وأوضح أن كل فرد يستخدم هذه البطاقة يظن أنها سوف تحل له مشاكله المادية، وأنها ستساعده على تلبية الاحتياجات كافة وتسديد جميع الفواتير، بينما هي في الحقيقة بمثابة أزمة مالية والتزام مُضاعف، حيث يترتب على كل معاملة مادية فوائد ضخمة يحتسبها البنك.

وعلى قاعدة "سلاح ذو حدين" قال عايش إن الأفضل في هذه الحالة أن لا يستخدم الشخص البطاقة إلا في حالات الضرورة أو عند مواجهة مشكلة مادية طارئة، لأن الفوائد المترتبة عليها ليست بالهينة والأغلب لا يقدر الكوارث التي قد تسببها له لاحقا.

مشيرا إلى أن الفوائد المترتبة على القروض الشخصية معروفة ومحددة سلفا، بينما تزداد المديونية المترتبة على بطاقات الائتمان يوماً بعد يوم.

ثقافة الحل السريع

ويرجع المحامي أشرف معمر، سبب تزايد القروض الشخصية إلى الثقافة التي تبثها إعلانات الممولين وجعل الدين سهلا للغاية وميسرا للجميع، إلى جانب تركيز نظر معظم المجتمع إلى الأمور الترفيهية والكمالية، وتصويرها بأنها من ضرورات الحياة، فضلا عن حمى التباهي بين شرائح المجتمع، حيث استغلت بعض جهات التمويل شيوع هذه الثقافة لأكبر درجة.

ونوه أن الكثير من المقترضين ليسوا بحاجة إلى القروض البنكية، حيث يقترضون لأمور ترفيهية أو كمالية ليست من ضروريات الحياة.
وذلك لأن الأوليات لدى كثيرين هي وجود مفهوم يربط بين قيمة الإنسان ومقتنياته الثمينة، أو بكلمات أخرى بين الإنسان ومظهره، فعلى سبيل المثال إذا لم تشتر سيارة جديدة ولو بالدين فأنت متأخر عن المجتمع، وكذلك الحال في أجهزة الاتصالات واقتناء آخر صيحاتها، والأمر يجري على السفر فإن لم تقض فترة الصيف في أحد البلدان الأوروبية أو الآسيوية فالنظرة تكون للشخص على أنه غير عصري في أدنى التعبيرات ، وفق رؤيا.

ويرى معمر أن هذا المفهوم الخاطئ يدفع شباباً كثيرين إلى الوقوع في مصيدة القروض جريا وراء المظاهر والمباهاة، ويلفت إلى أن أكثر الفئات تورطاً في مشكلة القروض هم الشباب حديثو الالتحاق بالعمل، حيث من السهل جدا إقناعهم بحاجتهم إلى الاقتراض بعبارات بسيطة ومغرية.

ونصح معمر في نهاية حديثه الشباب التفكير العميق والتأني في حال الإقدام على أخذ القرض وأن يضع الشباب في حسابهم المشاكل التي سوف يقعون فيها جراء الاستدانة بغير هدف مقنع أو حاجة ملحة، حتى لا يصبح فريسة لتراكم الديون والتأثير على دخله، كما يجب عليه دراسة وضعه المالي والتفكير الجيد في مدى قدرته على سداد هذا القرض في وقت محدد ومناسب له لتجنب أي إجراءات قانونية وملاحقات قضائية ضده.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/02 الساعة 13:19