في أريحا سالت الدماء الأولى.. تعرف على أقدم الحروب المدونة بالتاريخ
مدار الساعة ـــــبقِدم الحضارة نفسها، يعود تاريخ أقدم الحروب والنزاعات العسكرية، ولكي تندلع الحروب كان لا بد من وجود أمم متنافسة ذات قوى عسكرية تمكنها من شن هجوم أو الدفاع عن نفسها عند الحاجة.
نستعرض في هذا التقرير ما تركته البشرية من دلالات وآثار ونقوش دونت الدماء الأولى التي سالت دفاعاً عن الأرض والعرض.
أقدم الحروب في التاريخ
ويعتقد الخبراء أن الحروب الأولى اندلعت قبل أكثر من 10000 عام في منطقة بلاد ما بين النهرين التي شملت ما يعرف الآن بسوريا والأردن والعراق.
ويبدو أن هذه المعارك القديمة دارت حول الموارد أو السلع أو الأراضي. ومع ذلك، ونظراً إلى أن مثل هذه الأحداث تسبق ظهور الكتابة بنحو 7000 عام، فلا توجد أدلة كافية، باستثناء ما استخلصه علماء الآثار من أصغر أجزاء ممكنة من المعلومات التي حصلوا عليها، وهذا ما توصلوا إليه:
يأتي أقرب دليل على اندلاع حرب ما قبل التاريخ من مدينة أريحا القديمة.
وأريحا أول "مدينة" حقيقية في التاريخ، وقد تم إنشاؤها نحو 9000 قبل الميلاد من قِبل النطوفيين بالقرب من الضفة الغربية الحالية.
في الواقع، يشير وجودها إلى أن المجتمعات البشرية الأولى نظمت نفسها، مع وضع خطة الدفاع عن نفسها في الاعتبار.
تكونت المدينة من نحو 70 مسكناً من الطوب اللَّبِن على شكل كوخ الإسكيمو، وضمت مجتمعةً ما يصل إلى 1000 شخص.
كانت المدينة نفسها محاطة بجدار حجري يبلغ ارتفاعه 3.6 متر وعرضه نحو مترين، حسب موقع World History.
وبينما يتكهن بعض علماء الآثار بأن هذا الحاجز تم تشييده للحفاظ على المجتمع في مأمن من الغزاة، يعتقد البعض الآخر أنه استخدم لحماية المدينة من مياه الفيضانات.
ورغم هذه التحصينات والتعزيزات، سقطت أريحا نتيجة غزو جيش مُعادٍ.
في فترة 4000 إلى 3500 قبل الميلاد، تم غزو المنطقة المحيطة بالمدينة الوليدة، والتي كانت تقع في ما هو الآن شمال شرقي سوريا، واستعمارها من خلال التوسع في منطقة أوروكس جنوب بلاد ما بين النهرين.
يعتقد المؤرخون أن الأورك هاجروا شمالاً على طول نهري دجلة والفرات في حملة توسّع واستعمار، فاندلعت معركة.
وكان علماء آثار من جامعة شيكاغو اكتشفوا في عام 2005، بقايا أسوار مدينة حموكار التي يبدو أنها مليئة بعلامات حفر من حجارة، من المحتمل أن الأوروكس قذفوها بالمقاليع.
كما تم اكتشاف آثار حُفر طينية أكبر، وشظايا ما يصل إلى 1200 من هذه المقذوفات التي تشير إلى معركة ملحمية، على الأقل وفقاً للمعايير القديمة.
واكتشف العلماء بقايا مبانٍ منهارة تحتوي على بقايا متفحمة لممتلكات حموكار. ورجح العلماء أن الغزاة ربما ذبحوا أو استعبدوا السكان الأصليين، وهدموا المدينة ثم بنوا مدينة أخرى فوق الأنقاض.
أول حرب مدونة
بعد ظهور الكتابة على يد الحضارة السومرية (نحو 3200 قبل الميلاد)، ترك الكَتَبة الأوائل من بلاد ما بين النهرين أولى روايات التاريخ المحفوظة عن الحرب.
كان الصراع بين السومريين وسكان منطقة عيلام في المنطقة المحيطة بما يعرف الآن بالبصرة.
وفقاً لريتشارد أ. جابرييل وكارين ميتز، مؤلفي كتاب عام 1992 "تاريخ قصير للحرب"، وحّد الحاكم السومري سرجون العظيم سلسلة من المستوطنات بجميع أنحاء المنطقة في إمبراطورية بدائية باستخدام أول جيش محترف في التاريخ.
ولكن عندما حاول السومريون إخضاع العيلاميين، واجهوا مقاومة شرسة.
نشبت الحرب في وقت ما نحو 2700 قبل الميلاد أو 2600 قبل الميلاد، وذلك وفقاً لروايات من سومر القديمة، تم نحتها جسدياً على ألواح حجرية، لكن جيش الإمبراطورية انتصر في نهاية المطاف.
وقعت معركة مجيدو، التي دارت رحاها في بلاد كنعان آنذاك أو شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة حالياً، في ربيع عام 1457 قبل الميلاد عندما انتفض أهالي المنطقة ضد السيطرة المصرية بقيادة ملك مجيدو وملك قادش ونحو 120 مدينة محيطة.
يتضمن سرد المعركة، التي دارت بين قوات الفرعون تحتمس الثالث وحاكم قادش المتمرد مع حلفائه الكنعانيين، تفاصيل عن تاريخ المعركة وحجم القوات المعادية والخسائر التي لحقت بها، وحتى الأسلحة المستخدمة.
وبفضل المؤرخ المصري القديم تيجاني الذي نقش تفاصيل الاشتباك على جدران معبد آمون رع في الكرنك، تبين أن قوام الجيش المصري كان بين 10 و20 ألف جندي، في حين بلغ عدد مقاتلي قادش وحلفائه والشركة نحو 15 ألفاً.
ونقش المؤرخ ضحايا "أعداء الفرعون"، الذين بلغ عددهم 83 قتيلاً، و340 منهم أُسروا، حسب ما نشره موقع World History.
ثم حاصر الجيش مدينة مجيدو 7 أشهر، ليستسلم ملك قادش أخيراً ويهرب من المدينة. استولى تحتمس على مغانم كثيرة كالخيول والعربات المصنوعة من الذهب والفضة والماشية وعدد كبير من الأسرى ومن الأسلحة والأثاث والتماثيل الثمينة وغيرها، بينما نجا سكان المدينة من الموت أو العقاب.
وتقع أطلال مدينة مجيدو فوق تل استراتيجي، يرتفع نحو 60 متراً عن السهول المحيطة به إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا.