يا «يهود العالم» إرفعوا صوتكم.. ضد «بوتين»!
هكذا.. وباللغة «العِبرية», وليس باللغة الأوكرانية أو حتى الروسِية, التي «حظرَ» البرلمان الأوكراني التحدّث بها أو إصدار صحف أو ترخيص إذاعات أو محطات تلفزيونية ناطقة بها.. طالبَ الرئيس الأوكراني/زيلينسكي.. «اليهود» في جميع أنحاء العالم, رفع الصوت ضد الغزو الروسي لبلاده, مُشدداً في الوقت ذاته على «انتمائه إلى الدين اليهودي».
وكالعادة أغلق المعسكر الغربي/العلماني عينيه وأذنيه وابتلع لسانه, عن هذا التحريض الذي تفوح منه رائحة التعصّب والشحن الديني، في الوقت الذي انبرى فيه ساسة وبرلمانيون ومؤرخون ووسائل إعلام صهيونية وأخرى متصهينة, لدحض الرواية الروسية «المُوثقة» بوجود تشكيلات قوية وذات نفوذ في الشارع والدولة الأوكرانية من النازيين الجُدد، دع عنك أجنحة القوميين المُتطرفين الذين يمسكون هم والنازيون الجُدد بمفاصل الدولة، ويتوفرون على ميليشيات مُسلحة بأعداد كبيرة..
بل استحضر المُدافعون عن النازيين الجدد وتشكيلات القوميين المتطرفين, تاريخ عائلة زيلينسكي وكيف قضى ثلاثة من عائلته في الهولوكوست، وكأنهم بذلك ينفون عن الحفيد ورهط المحيطين به أنّهم «حلفاء» النازيين الجُدد والقوميين المتطرفين، مُعتبِرين أنّ كلّ ما تشيعه موسكو إنّما يستهدف «تشويه صورة السلطات الأوكرانية عبر اتهامها بـالنازية»، رغم أنّ مؤرخين مُعاصرين كتبوا وأكّدوا «ترحيب بعض القوميين الأوكران بالمُحتلين النازيّين», مُعللين ذلك (المؤرخون) أنّ هذا «البعض» فعل ذلك كـ«وسيلة لتحدّي خصومهم السوفيات» وفقاً لما ذكرته (ياد فاشيم/المؤسسة الصهيونية المتخصصة في أبحاث الهولوكوست)، ولم يتورّع هؤلاء الذين يخلعون على أنفسهم صفة المؤرخين, الزعم بأنّ «البعض» في أوكرانيا كما هو الحال في البلدان الأخرى -كما قالوا- تعاونوا مع النازيين.
تبريرات مُتهافتة/ومنافقة لا تصمد أمام الحقائق الميدانية والتاريخية، لكن الصهيونية كما راعيتها الإمبريالية العالمية, تختلق التفسيرات والتبريرات لإبعاد وطمس كلّ ما يدينها، وهو سلوك يتكرّر خاصّة عند الاستحقاقات ذات البعد الاستراتيجي والتحولات الدولية, على النحو الذي نشهده الآن في أوكرانيا والهستيريا الغربية التي تكشف ضمن أمور أخرى, مدى الوحشية والعدوانية التي هي عليها القوى الغربية بقيادة الولايات المتّحدة والدور المشبوه الذي تلعبه الدوائر الصهيونية.
عودة إلى منشور زيلينسكي بـ«العِبرية» في معرض مناشدته أبناء ديانته للتضامن معه، قال الرئيس الأوكراني: أنا أخاطب جميع يهود العالم.. ألا ترون ما يحدث؟ لهذا من المهم جداً ألّا يلزم ملايين اليهود حول العالم الصمت الآن.. مضيفاً: النازية وُلدت وسط الصمت، لذلك ارفعوا الصوت حيال قتل الملايين.. ارفعوا الصوت حيال قتل الأوكرانيين».
ولم يتردّد في الإشادة بالذين لفّوا أنفسهم بعلم أوكرانيا عند «حائط المبكى» كما وصفه, في الوقت ذاته الذي أشاد فيه «يهودي» شهير آخر (المنشق اليهودي السوفياتي/ناتان شارانسكي الذي تربطه علاقة شخصية بالرئيس الأوكراني), قائلاً: يهودية زيلينسكي مُهمة بالنسبة له، وإن ما يقوم به ليس مُجرد تكتيك», مُعتبِراً/شارانسكي.. أنّ الرئيس الأوكراني ليس يهودياً يُخفي يهوديته, وليس يهودياً يبحث عن هوية أخرى».
باتت الصورة واضحة وجلية، وعلينا استحضار مقولة جورج بوش الابن قبل وبعد 11 أيلول 2001, وبخاصة عندما غزت جيوشه أفغانستان ولاحقاً العراق الشقيق، وكيف اعتبرها «حملة صليبية», وكيف امتدحه المُقربون منه لقيادته (حملة صليبية عالمية ضدّ الإرهاب الإسلامي).
يبقى التوقّف الضروري عند «الاستثمار» الصهيوني المُعلَن كما الخفي في الأزمة الأوكرانية, وبخاصة في جلب يهود أوكرانيا (يُقدّر عددهم بـ200 ألف) إلى الكيان الصهيوني, باعتبارهم «جالية يهودية» وليس من مواطني دولة مستقلة, وبخاصة ما كشفته وزيرة الداخلية الصهيونية/أيليت شاكيد عن استعدادات إسرائيلية لاستقبال أكثر من «100 ألف» يهودي من أوكرانيا، ناهيك عن إجراءات تقوم بها الوكالة اليهودية المختصة بتهجير اليهود من روسيا وشرق أوروبا. إذ تتوقّع هجرة ما بين 20-30 ألف يهودي, ناهيك عن حدوث ارتفاع في طلبات الهجرة من يهود روسيا بواقع 500 طلب يومياً.
في السطر الأخير.. لم يتّهِم أحد في «العالم الحرّ» دعوات زيلينسكي يهود العالم للتضامن مع يهوديته التي يفخر بها، ولم يُؤشر دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الغربية, إلى ارتفاع منسوب التحريض والشحن الديني, الذي فاحت رائحته من نداءات ومطالب الرئيس الأوكراني، ما يدفعنا للتساؤل.. ماذا لو كانت النداءات هذه صدرت عن أحد القادة المسلمين أو المسيحيين.. العرب؟
kharroub@jpf.com.jo
الرأي