كيف نربِّي أبناءنا تربية سليمة في عصر أشرب خمور وحشيش؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/06 الساعة 17:22
مدار الساعة - غالباً ما أتذكر أسطورة "دون كيخوت" في الأدب الإسباني كلما هممت بالتفكير في الكيفية الأمثل لتربية أبنائي، ربما لأني أراني وغيري نحارب طواحين الهواء التي نتصور أنها قوى الشر ولا نملك سلاحاً فعالاً لهزيمتها وردها عن إفساد أبنائنا. وربما يقول غيرنا ممن سبقونا في سباق العمر إن هذا الشعور قد راودهم قبلنا، وهم محقون في ذلك، غير أننا محقون في زعمنا بأن قوى الشر التي واجهوها قبلنا كانت أقل شراً وعدداً. فمن سبقونا لم يكن يواجهون الإنترنت بكل موبقاته، ولا تلوثاً خلقياً في الشوارع، ولا تلوثاً سمعياً في أغان تعج بكلمات السكر والعربدة، ولا روحاً نهمة لدى الأبناء لشراء كل شيء مهما غلا ثمنه، ولا ضعفاً لدور المدرسة ودور العبادة، إلخ.
قواعد التربية السليمة
الصوت العالي والحزام الجلدي وسائل تربية يستخدمها كثير من الآباء، ويراها علماء التربية وسائل تعذيب لا تربية
حتى وإن ادعى البعض بأن بعضاً من قوى الشر هذه وجدت في زمان قبل زماننا، فلا أشك أنهم يتفقون معنا في أنهم عاصروها في بداياتها قبل تطور الشر بها ووصوله لدرجة مدمرة في زماننا. فهل هناك طريقة ما لنربي أبناءنا بطريقة ترضينا وتحميهم من قوى الشر سالفة الذكر؟
قواعد التربية السليمة
وقبل أن أطرح إجابة عن سؤالي، أنوه بأنني لست تربوياً خبيراً، ولا أقف في موضع الناصح، ولا أعتلي منبر الدين، ولا أدعي الفضيلة، وإنما هي أفكار أنفذ بعضاً منها، وأحاول تنفيذ البعض، وربما أشرع في تنفيذ البعض في وقت لاحق.
1. في رأيي المتواضع، لا يتقبل هذا الجيل النصيحة المباشرة مثل "ذاكر" أو "اغسل أسنانك" ولا حتى النصيحة غير المباشرة من خلال أسئلة مثل "صليت الظهر؟" أو "عملت واجب الرياضيات؟". والوسيلة الأمثل في رأيي المتواضع هي التربية بالاقتداء والمشاركة.
فلماذا لا نصلي أمام أبنائنا مرة ثم ندعوهم للصلاة معنا مرة أخرى؟ ولماذا لا نغسل أسنانا ثم نقول "أشعر بارتياح بعد غسل أسناني وأن فمي صارت رائحته طيبة" بصوت واضح أمام الأبناء؟ ويمكن أن تطبق التربية بالاقتداء في أشياء كثيرة نطالب بها الأبناء ولا ينفذونها مثل إخراج القمامة والمساعدة في شراء حاجات المنزل من خضراوات وفواكه، إلخ، وحبذا لو تم ذلك من خلال ترك المسؤولية للأبناء ليقرروا بأنفسهم بعض الأمور وهم في صحبتنا في الأسواق مثل تركهم ينتقون الفاكهة التي يحبونها أو يحاسبون على ما اشتريناه معهم.
2. لا تستقيم حياة أحد بالأوامر والنواهي فقط ولابد من بعض المرح واللعب ليشعر الطفل بأنه طفل. ولا أعني هنا اللعب دون هدف، فتمثيل الأدوار لعب وتعلم، وتدريبات عد بلاط الغرفة لعب وتدريبات ذهنية، ورسم الحيوانات مرح وباب للمعرفة عن الحيوانات وألوانها وخصائصها، ولعب كرة القدم لعب ورياضة بدنية، والتسابق في النكات مرح وتدريب لغوي خاصة لو تضمن تلاعباً بالألفاظ. واللعب مع الطفل، فوق كل هذا، باب لارتباط الطفل بوالديه كأصدقاء يفر إليهم وقت الحاجة كأصدقاء يُسِّر لهم بأسراره ويستشيرهم، وفي هذا استغناء عن أصدقاء خير قد يضن بهم الزمان أو دفع مكروه من أصدقاء السوء الذين يعج بهم كل مكان، خاصة في ظروف الاغتراب عن الوطن.
٣. الصوت العالي والحزام الجلدي والحذاء وسائل تربية يستخدمها كثير من الآباء، ويراها علماء التربية ومعالجو السلوك وسائل تعذيب لا تربية. ورأيي المتواضع هو الحد من استخدام أي وسيلة قد تورث في الطفل عاهة جسدية أو نفسية جراء الضرب أو الإهانة اللفظية وخاصة لو تمت اعتماداً على الصوت العالي، مع العلم بأن استبعاد كل وسائل العقاب قد يأتي بنتيجة عكسية تماماً ويحول الطفل لرجل مدلل لا يعرف شيئاً عن مصاعب الحياة فتراه ينهار وهو رجل "بشنبات" عند أول عقبة ويصير مثاراً لسخرية من يراه هكذا.
إذن، الحل الوسط هو استخدام العقاب في محله حتى لا يفقد قيمته، فالصوت العالي على كل خطأ يرتكبه الطفل كبيراً كان أم صغيراً سيؤدي حتماً إلى تعود الطفل عليه لا احترامه أو الخوف منه، وسيؤدي كذلك لجلطات وارتفاع ضغط الدم وربما إغماءات لا يرغب الآباء في خبرتها. فليبدأ الآباء بالتحدث بصوت متدرج يناسب الخطأ، ثم إنزال العقاب المناسب للخطأ، مع النظر لعواقب التهور في العقاب، واعتبار فروق العمر والخبرة بينهم وبين أبنائهم الذين يتعرضون لضغوط أكبر بكثير من تلك التي تعرضوا لها.
٤. تقع مشاكل لا حصر لها بين الأبناء والآباء بسبب الدراسة والمذاكرة وهنا لابد أن أذكر بأن كل البشر أذكياء؛ فالذكاء له أنواع منها الذكاء اللغوي والحركي والرياضي والموسيقى، وكل منا يتمتع بنوع من هذه الذكاءات، فينبغي للآباء أن يعرفوا نوع ذكاء أبنائهم ليتجنبوا مشاكل الدراسة المتوقعة لطفل متعثر في دراسة اللغات – على سبيل المثال – لأن الذكاء الذي يتمتع به ذكاء حركي لا لغوي فيعذرونه.
وأُذَكِّر أيضاً أن تنشئة طفل سوي نفسياً أفضل بكثير من تنشئة طبيب أو مهندس ناجح في مهنته لكنه غير سوي من الناحية النفسية وفاشل في علاقاته الاجتماعية، وأمثلة هؤلاء كثيرة أمامنا في كل مكان. ونصيحتي المتواضعة في مساعدة الآباء لأبنائهم في المذاكرة: ساعد ابنك كما لو كنت تساعد تلميذاً أو طالباً لا تربطك به صلة غير صلة المدرس مع تلاميذه أو طلابه، وألق بالمسؤولية عليه دون حملها عنه. ستكتشف – على الأرجح – عندئذ أن المذاكرة قد تتم في جو هادئ دون توتر، وقد تؤدي لنتائج أفضل بكثير من الناحية التعليمية، وستجعل ابنك يتحمل مسؤولية قراراته وأخطائه وتصحيحها بنفسه دون اللجوء إليك في كل كبيرة وصغيرة.
٥. الإنسان ابن بيئته… هذه مقولة لا جدال في صحتها، والبيئة حديثاً تشمل البيئة المحيطة والمسموعة والمرئية. فإذا كانت هذه البيئة بكل مكوناتها ملوثة بأفراح على أغاني المهرجانات، وإسفاف درامي لا مثيل له في تصوير العنف والسكر واستخدام أبشع الألفاظ، وشوارع تمتلئ بمعارك بالسلاح الأبيض وغير الأبيض، إلخ.
فينبغي مواجهة هذا التلوث بنظافة في البيت قد تبدأ بتشغيل إذاعة القرآن الكريم لفترة طويلة كل يوم وتركها تعمل حتى وإن لم يركز فيها أحد، وقد تكون عبر تشغيل مواد درامية راقية تتوافر الآن على القنوات التليفزيونية التي تهتم بالتراث الدرامي (مثل قناة ماسبيرو زمان)، أو الاستماع لأغان راقية لعمالقة الطرب وخاصة أغنياتهم عن موضوعات غير رومانسي. قد ينكر الأبناء هذه المواد أولاً، لكنهم قد يقعون في حبها والتأثر بها وبالقيم التي قد تحملها، حتى وإن لم يصرحوا بذلك.
وقد تكون أكبر فائدة لهذه المواد الراقية هي أن يعرف الأبناء أن هناك ألواناً راقية من الفنون تختلف عن تلك التي يُجبَرون عليها في المقاهي والأفراح ووسائل المواصلات وعلى قنوات التليفزيون، وقد يدركون الفرق الرهيب بين فن يساعد الإنسان على تحمل مشاق الحياة وتهذيب ذوقه مقارنة بفن قد يؤدي لاضطراب في السلوك وتلوث لفظي وربما لوثة عقلية.
هل نملك إلا المحاولة والسعي؟ دعونا نسعى لمحاولة تهذيب أولادنا وندعو الله – في الوقت ذاته – أن يكلل سعينا بالنجاح ويرزق أولادنا التوفيق والسداد. اللهم آمين.
٦. نعيش الآن في زمن قد تصح تسميته "زمن الغرف المغلقة"؛ فكل من أبنائنا يحمل جهازاً إلكترونياً يُمَكِّنَه من العيش في غرفة افتراضية لا يتمكن الآباء غالباً من الاطلاع عليها. ورغم إفادة أبنائنا من هذه الأجهزة الإلكترونية وفضاء الإنترنت وسعة وسائل التواصل، إلا أن أغلب ما يأتي عبر هذه الأجهزة مضر أخلاقياً واجتماعياً. ولذا، ينبغي على الآباء عدم منع أبنائهم من استخدام هذه الأجهزة لأن الممنوع مرغوب، ولكن يجب عليهم تنبيه أبنائهم – عبر الحوار والنصيحة غير المباشرة – بعدم التواصل مع غرباء، وقصر قبول الصداقات الافتراضية على أصدقاء ومعارف على أرض الواقع، وعدم تصديق كل ما يُنشَر، وعدم التعليق إلا بكلام مشجع وعدم التطرق للسلبيات في التعليقات إن كانت هناك ضرورة من الأساس للتعليق.
وينبغي كذلك على الآباء فلترة أجهزة أبنائهم بين الحين والآخر واستخدام برمجيات مخصصة لصغار السن ورقابة أجهزة أبنائهم عن بعد، وصداقة أبنائهم على وسائل التواصل ليكونوا على علم بنشاط الأبناء على هذه الوسائل. ويعني هذا أن يدرك الآباء ضرورة مواكبة العصر وبذل بعض الجهد لسد الفجوة الإلكترونية بينهم وبين أبنائهم، وهذا جزء من واجبهم وليس رفاهية.
هل نملك إلا المحاولة والسعي؟
وختاماً، قد يقول قائل: "لقد فعلت كل ما طرحته سابقاً أو معظمه، ومع ذلك لا أستطيع أن أعدل من سلوك أولادي". وردي المتواضع: وهل نملك إلا المحاولة والسعي؟ دعونا نسعى لمحاولة تهذيب أولادنا وندعو الله – في الوقت ذاته – أن يكلل سعينا بالنجاح ويرزق أولادنا التوفيق والسداد. اللهم آمين.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/06 الساعة 17:22