مَزاد علنِيّ لـِ«اغتيال».. رئيس دولة!

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/06 الساعة 02:02
ما تزال أصداء الدعوة/ الغريبة التي وجّهها السيناتور الأميركي.. الجمهوري/اليميني.. ليندسي غراهام, إلى «الشعب الروسي» بأن يصِل «شخص ما في روسيا إلى مستوى المسؤولية. ويزيح هذا الرجل/يقصِد الرئيس بوتين, مُتسائلاً: أليس هناك بروتس في روسيا؟, في إشارة الى أحد قَتلَة الحاكم الروماني الشهير/يوليوس قيصر.. صاحب العبارة/السؤال المعروف: «حتى أنت يا بروتس؟», مُستغرِبا مُشاركة صديق له في قتله. بل إن السناتور غراهام استحضر اسم ضابط نازي حول اغتيال هتلر/عام 1944 لكنه فشِل.

لم يكتفِ السيناتور غراهام بذلك بل ذهب بعيدا في تحريضه مُغرداً... «إذا لم تكُن تريد أن تعيش في الظلام لبقية حياتك, وأن تنعزل عن بقية العالم في فقر مدقع وتعيش في الظلام, فأنت بحاجة للصعود إلى اللوحة».

وإذ يصعب وصف تصريحات كما تغريدات السيناتور الأميركي/اليميني المتطرف بغير التحريض والخروج عن أبسط قواعد اللياقة والخلافات السياسية والأيديولوجية، فإنّ المثير في هذا الشأن هو التصريح المُلتبس الرافض إدانة السيناتور غراهام، الذي أطلقته ناطقة البيت/جين بساكي عندما قالت (دون أن تُدين التصريح): «إنّ موقف السيناتور غراهام ليس موقف الحكومة الأميركية، وبالتأكيد ليس بياناً أو تصريحاً صادراً عن أي شخص يعمل في الإدارة», ما يعيد إلى الأذهان الدعوات المشابهة في عدوانيتها، التي طالبت طرد روسيا من مجلس الأمن وإلغاء عضويته? الدائمة في مجلس الأمن, وغيرها من الدعوات التي ستكون نتيجتها تقويض الأسس التي قامت عليها منظمة الأمم المتّحدة، خاصّة بعد استنفاد عصبة الأمم دورها وبروز نظام دولي جديد بانتهاء الحرب العالمية الثانية, وظهور الاتّحاد السوفياتي والولايات المتّحدة كأقوى دولتين في العالم. لم تلبث السنوات الأولى من خمسينيات القرن الماضي أن أطاحت بالإمبراطوريتين الاستعماريتين السابقتين بريطانيا وفرنسا, ثمّ تربّع الولايات المتّحدة على مقعد قيادة المعسكر الغربي واندلاع الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.

وإذا كانت عملية شيطنة روسيا وبخاصة رئيسها فلاديمير بوتين, التي بدأت منذ ظهور هذه الشخصية الخارقة في المشهدين الروسي والدولي, قد وصلت ذروتها هذه الأيام خاصة بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فإنّ من الحيوي التوقف عند سلسلة الأوصاف المُهينة التي راكمتها القيادات الأميركية بحقّ الرئيس بوتين وروسيا, دون إهمال الوصف الذي أطلقه رونالد ريغان على الاتّحاد السوفياتي ثمانينيات القرن الماضي «امبراطورية الشرّ», والتي تكرّرت بمفردات وصِيغ أخرى, لكنّها تلتقي عند المعنى ذاته بدءاً من أنّ روسيا مجرّد «محطة ?قود ومصانع أسلحة» وهذا كلّ ما تقدّمه للعالم, وليس انتهاء بما قاله الرئيس الحالي بايدن حتّى قبل الأزمة الأوكرانية, عندما وصف بوتين بـ«القاتل» وأنّه «يفتقر إلى الإنسانية وتعلوه ملامح الإجرام», ومؤخراً في خطاب حول الأزمة الأوكرانية بأنّه «ديكتاتور», فيما لم «يُقصّر» ساسة أميركا كما وسائل إعلامها ورجالات الكونغرس فيها عن ضخّ المزيد من الإهانات والحطّ من مكانة بوتين وروسيا, على النحو الذي ذهب إليه مارك روبيو السيناتور الأميركي/اليميني بأنّ بوتين «مُختلّ عقلياً لا تعرِف ردود فِعله», فيما لم تتوقف آلة الإعلام الأ?يركية عن مقارنته بـ«هتلر» وستالين،كما قال رئيس لجنة المخابرات الأسبق في مجلس النواب الأميركي مايك رودجرز: «إنّ بوتين يذهب إلى الفراش ليلاً وهو يحلم بالقيصر بطرس الأكبر، وينهض صباحاً مُستذكراً ستالين»...

كلهم يغرِفون من صحن واحد ويقرأون في الكتاب نفسه, الذي يرفض الاعتراف بالآخر ويبثّ الكراهية ويستخدم العنف ويكرر الغزوات والحروب, ضدّ أي شخص أو دولة تقف أو تحاول الوقوف في وجه الهيمنة الأميركية وسياساتها ضدّ معظم إن لم نقل كلّ شعوب ودول المعمورة، في الوقت ذاته الذي تُعظم فيه وترفع من شأن أتباعها ولا تتردد في اطلاق أوصاف البطولة عليهم على النحو الذي يشار فيه إلى الرئيس الأوكراني الحالي, الذي قيل في حقّه أميركياً وأوروبياً بل وداخل بلاده, إنّه ضعيف ويحيط نفسه بالفاسدين ولم يفِ بوعوده بمحاربة الفساد بل قربهم إلي?، وبات يخضع لمجموعة من القوميين المتطرفين الذين أوصلوا بلادهم إلى الحال الصعبة التي تعيشها الآن، وكان بمقدورهم تجنيبها وشعبها هذا المصير, عبر الجلوس إلى طاولة الحوار مع مواطنيهم من التابعية الروسية (أكثر من 20%) في إقليم الدونباس للتوصل إلى توافق وطني, وفق اتّفاقية مينسك وبروتوكولات رباعية النورماندي, لكن تعصب القوميين المتطرفين/والنازيين الجُدد حال دون ذلك..

في المُحصلة..

يصِف الرئيس الفرنسي ماكرون نظيره الأوكراني/زيلينسكي بأنّه: «وَجه الحرية والشرف والشجاعة, وهي الأوصاف ذاتها التي خلعوها على الأفغاني/حامد قرضاي وخليفته/أشرف غني.. إنظروا إذاً الى ما حلّ بأفغانستان... وبهما الآن.

kharroub@jpf.com.jo
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/06 الساعة 02:02