الجيش الألماني الذي قد يبزغ قريباً في أوروبا
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/03 الساعة 15:02
مدار الساعة - يعتبر البوندسفير أو 'الجيش الألماني' واحداً من بين أكبر 30 قوة عسكرية في العالم، وبقوامه البالغ 183,695 جندياً، يُعد ثاني أكبر قوة عسكرية في الاتحاد الأوروبي بعد فرنسا من حيث عدد الأفراد، وسابع أفضل جيش من حيث التمويل في العالم.
لكن هذا الجيش الذي يقل عدد أفراده اليوم عن 200 ألف جندي، ضم في يوم من الأيام قرابة 18 مليون مقاتل، راح منهم 11 مليون ضحية في الحرب العالمية الثانية، وقد انفرط عقد الجيش الألماني ثم أعيد تشكيله وتنظيمه عدة مرات على مر السنوات.. تعالوا نروِ لكم القصة.
توحيد ألمانيا كان البداية.. قصة الجيش الألماني
فلنبدأ قصتنا من عام 1871، عندما توافد أمراء الولايات الألمانية إلى قاعة المرايا في قصر فيرساي في فرنسا ليعلنوا عن 'توحيد ألمانيا' وتجمع الولايات الألمانية في إطار دولة قومية واحدة، وتعيين ملك بروسيا (أحد مقاطعات ألمانيا) فيلهلم الأول إمبراطوراً للإمبراطورية الألمانية وذلك بعد استسلام فرنسا في الحرب الفرنسية البروسية.
في نفس العام، تم تأسيس وتجهيز القوات البرية الألمانية تحت راية وقيادة واحدة، وهكذا تم الإعلان عن ولادة Deutsches Heer أو 'الجيش الألماني' الذي بقي صامداً حتى عام 1919، فمع هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، قامت الثورة الألمانية التي أعلنت نهاية عهد الإمبراطورية وبداية عهد الجمهورية البرلمانية الديمقراطية (عُرفت باسم جمهورية فايمار)، ومع بداية هذا العهد الجديد تم حل الجيش الألماني.
'الرايخسفير'.. دولة داخل الدولة وتعاون سري مع الجيش الأحمر
بعد حلّ الجيش الإمبراطوري الألماني، تم تشكيل جيش جديد عام 1919 ليكون جيشاً في زمن السلم، عُرف باسم Reichswehr أو ' الرايخسفير'، وقد تم تقييد هذا الجيش الجديد من حيث الحجم والتسليح بموجب شروط معاهدة فرساي (معاهدة السلام التي أنهت حالة الحرب بين ألمانيا وقوات الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى).
فوفقاً لتلك المعاهدة التزمت ألمانيا بألا يتجاوز قوام جيشها 100 ألف جندي، وألا تنشئ هيئة للأركان العامة، وألا تقتني الأسلحة الثقيلة مثل المدرعات والغواصات والسفن الحربية الكبيرة، كذلك يمنع التجنيد الإجباري في ألمانيا وفقاً للمعاهدة.
مع ذلك بدأت قيادات الرايخسفير في وقت مبكر بالتحايل على القيود التي فرضت على الألمان في معاهدة فرساي، وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات السرية وغير القانونية، مثل اختبارات أسلحة غير مصرح بها في الاتحاد السوفييتي، وإنشاء مدرسة عسكرية تدريبية للقادة، وتشكيل هيئة سرية للأركان العامة.
وفي عام 1923 جرت مفاوضات سرية بين قوات الرايخسفير والاتحاد السوفييتي، وكانت نتيجتها الاتفاق على دعم ألمانيا الصناعة السوفييتية مقابل أن يتم تدريب الأركان العامة السرية في الرايخسفير من قبل قادة في الجيش الأحمر.
كذلك حصل الألمان على ذخيرة مدفعية من الاتحاد السوفييتي، وتم إنشاء مدرسة سرية للطيران، وعملوا على تطوير أسلحة بشكل سري، ووفقاً للمؤرخين فقد كان الألمان يعملون منذ ذلك الوقت لجعل الجيش الألماني 'قوة عالمية' لا يستهان بها.
على الرغم من تأكيد ولاء جيش الرايخسفير للحكومة منذ تأسيسه إلا أن معظم القادة العسكريين رفضوا قبول الجمهورية، وكانوا فعلياً خارج سيطرة السياسيين، وضمنوا الحصول على استقلالية واسعة النطاق. وبذلك تحولت قوات الرايخسفير تدريجياً إلى دولة مستقلة داخل الدولة الألمانية، وأصبح من الصعوبة بمكان السيطرة عليها من قبل الحكومة.
وفي عام 1928 أنشأ الرايخسفير مكتباً للشؤون الوزارية وكانت تلك خطوة بهدف دمج القطاعين العسكري والمدني ونشر مفاهيم اجتماعية جديدة تروج لدولة عسكرية شمولية.
واعتباراً من عام 1931 بدأت قوة الرايخسفير بالتعاظم، فضلاً عن ذلك أبدت قياداته ميلاً واضحاً نحو النازيين، ورفضاً متجدداً للجمهورية الديمقراطية. وفي عام 1932 أدت الاضطرابات العنيفة التي وقعت في برلين إثر ما عُرف بالانقلاب البروسي إلى إعلان حالة الطوارئ ونقل السلطة التنفيذية بشكل مؤقت إلى قوات الرايخسفير.
الرايخسفير تحت حكم هتلر
عندما شغل أدولف هتلر منصب مستشار الدولة الألمانية عام 1933، وعد بأن يبقى الرايخسفير القوة المسلحة الوحيدة لألمانيا وأعلن إعادة التجنيد الإجباري.
وفي ظل حكم هتلر أمل قادة الرايخسفير في زيادة الجهود الساعية لإحباط قيود معاهدة فرساي وبناء جيش قوي وحكومة حازمة، مع ذلك كان لهتلر خصوم سياسيون ضمن الجيش استطاع التخلص منهم جميعاً.
وبدأت قوات الرايخسفير برنامجاً سرياً للتوسع، فزادت القوة النشطة إلى حوالي 300 ألف رجل عام 1933، وزاد عدد المجندين بشكل ملحوظ خلال عام واحد فقط، وأجرى هتلر تغييرات هيكلية جوهرية في الجيش بحيث يضمن ولاءه الكامل للنازيين.
ومع حلول عام 1935 كان هتلر قد انتهك معاهدة فرساي عدة مرات وبنى جيشاً قوياً واعتمد على التجنيد الإجباري الشامل وغير الاسم الرسمي للجيش من رايخسفير إلى فيرماخت (والتي تعني: قوة الدفاع).
الفيرماخت.. جيش النازيين الذي قاد الحرب العالمية الثانية
منذ اعتلائه السلطة عام 1933، كان تأسيس الفيرماخت أحد أكثر الخطوات الجريئة التي اتخذها أدولف هتلر (قبل بداية الحرب العالمية الثانية)، فقد كان الفيرماخت تحدياً علنياً لمعاهدة فرساي، فقد شكَّلَ قوة ذات قدرة هجومية فتاكة قلبت موازين القوى العسكرية في العالم.
وتألَّف الفيرماخت الذي تشكل عام 1935 واستمر حتى عام 1945 من ثلاثة أقسام: القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية، وامتلك كل منها أسلحة متطورة وجنوداً على مستوى عال من التدريب.
ومع اشتعال فتيل الحرب العالمية الثانية، برز الفيرماخت قوة لا يستهان بها مؤلفة من 18 مليون رجل، شنت حملات في فرنسا (عام 1940) والاتحاد السوفييتي (عام 1941) وشمال إفريقيا (عام 1941). وارتكب الفيرماخت العديد من الانتهاكات التي صنفت على أنها جرائم حرب كان أبرزها في الاتحاد السوفييتي وبولندا ويوغوسلافيا واليونان وإيطاليا، فضلاً عن المحارق النازية المعروفة.
وبالرغم من القوة التي أبداها الفيرماخت في بداية الحرب، إلا أنه بدأ بالتراجع تدريجياً حتى بلغ نقطة الانهيار في أول هزيمة كبرى له في معركة موسكو عام 1941، وبحلول أواخر عام 1942 فقدت ألمانيا زمام المبادرة في جميع الجبهات القتالية تقريباً، وبدأت قوات الحلفاء باستغلال نقاط ضعف الفيرماخت الاستراتيجية واللوجستية، وفقاً لما ورد في موقع Britannica.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 فقدت القوات الألمانية ما يزيد على 11 مليون رجل ما بين قتيل أو مفقود.
ولم يُحاكم سوى عدد قليل من أعضاء القيادة العليا للفيرماخت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى تورطهم بارتكابها.
جيشان في ألمانيا.. ظلال الحرب الباردة
بعد الحرب العالمية الثانية، حل الحلفاء ما تبقى من جيش الفيرماخت، وقسمت ألمانيا إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) الواقعة في سيطرة أوروبا وأمريكا، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) الواقعة في سيطرة الاتحاد السوفييتي.
وفي عام 1955 تم تأسيس جيش خاص في ألمانيا الغربية، ليكون بمثابة جزء من قوة دولية تهدف للدفاع عن أوروبا الغربية، وبسبب عدم وجود بدائل كان معظم الضباط في هذا الجيش عبارة عن ضباط سابقين في الفيرماخت، وبعد قرابة 3 أعوام من بداية تأسيسه كان قوام هذا الجيش عبارة عن حوالي 100 ألف رجل.
وفي الطرف المقابل، أسست ألمانيا الشرقية أيضاً جيشها الخاص عام 1956.
وخلال الحرب الباردة، تم دمج جيش ألمانيا الغربية بالكامل في هيكل قيادة الناتو. وهو منظمة عسكرية دولية تأسست بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1949. وقد اتفقت الدول الأعضاء في هذه المنظمة على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية، مع العلم أن الناتو يضم حالياً 30 بلداً على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة.
بينما كان جيش ألمانيا الشرقية جزءاً من حلف وارسو، وهو حلف وقعت أعضاؤه معاهدة أمن مشترك في وارسو عاصمة بولندا عام 1955 خلال الحرب الباردة، وكانت تلك المعاهدة بين الاتحاد السوفييتي وسبع جمهوريات اشتراكية أخرى من الكتلة الشرقية.
جيشٌ واحد ولكن!
في عام 1990، اتحدت ألمانيا الشرقية مع ألمانيا الغربية، ووقعت معاهدة ما بين الدولة الموحدة وما بين القوى الأربعة التي فرضت سيطرتها على الألمانيتين بعد الحرب العالمية الثانية وهي (فرنسا والمملكة المتحدة وأمريكا والاتحاد السوفييتي)، وبناءً على تلك المعاهدة منحت ألمانيا الاستقلال التام.
بعد الاستقلال بقيت ألمانيا عضواً في المجموعة الأوروبية، وهو ما أصبح يعرف فيما بعد بالاتحاد الأوروبي، وكذلك في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
أما فيما يخص الجيش فقد اندمج جيشا ألمانيا الغربية والشرقية في جيش واحد قوامه 585 ألف جندي، لكن تم تقليص هذا العدد في وقت لاحق.
ولكي نفهم أسباب هذا التقليص، يجب أن نطلع أولاً على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا ( CFE)، وهي معاهدة تم التفاوض عليها وإبرامها خلال السنوات الأخيرة من الحرب الباردة حيث وضعت هذه المعاهدة قيوداً شاملة على اقتناء المعدات العسكرية في أوروبا (من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال ) وفرضت تدمير الأسلحة الزائدة. كذلك اقترحت المعاهدة حدوداً متساوية لمجموعتي الدول الأطراف (دول الناتو وحلف وارسو).
وبالعودة إلى ألمانيا، فقد فرضت معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا عليها ما يلي:
تقليص عدد أفراد الجيش الألماني الموحد إلى 370 ألف فرد
حل جيش ألمانيا الشرقية مع ضم 5 آلاف من أفراده إلى الجيش الألماني الموحد (وقد تم تخفيض هذا الرقم لاحقاً بعدما أكمل المجندون فترات خدمتهم).
تفكيك معظم المركبات المدرعة والطائرات المقاتلة
تحويل العديد من السفن إلى خردة أو بيعها
لكن، مع إعادة التوحيد، رفعت جميع القيود على تصنيع وحيازة الأسلحة التقليدية التي كانت مفروضة على الجيش الألماني (والذي بات يعرف لاحقاً باسم البوندسفير).
ومنذ ذلك الحين، شارك الجيش الألماني في عمليات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم، كما بات قوة مساعدة تابعة لحلف الناتو، وشارك بالفعل في العمليات القتالية التي قادها الحلف في أفغانستان عام 2002.
ويبدي الجيش الألماني تعاوناً مع شركائه الأوروبيين، حتى أن وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين اقترحت السماح لمواطني الاتحاد الأوروبي غير الألمان بالانضمام إلى 'البوندسفير'، لكن هذا الاقتراح قوبل بالمعارضة.
مع ذلك، يوجد تعاون عسكري هولندي ألماني لافت، إذ يوجد لواءان من ألوية الجيش الهولندي الملكي تحت قيادة ألمانية، ويُنظر إلى التعاون العسكري الهولندي الألماني مثالاً فعالاً على فكرة إنشاء اتحاد دفاعي أوروبي.
الجيش الألماني.. من التقشف إلى زيادة النفقات العسكرية
استجابة للركود العظيم وأزمة الديون الأوروبية، اعتمدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سياسة التقشف فيما يخص الجيش الألماني، فأعلنت عن تخفيض الإنفاق الدفاعي وعلقت التجنيد الإجباري في 2011. وخلال العام التالي تم الإعلان عن الحد بشكل إضافي من عدد القواعد العسكرية والجنود.
وفي عام 2014، أقر الجيش الألماني بوجود مشاكل مزمنة في المعدات جعلت قواته المسلحة غير قادرة على الوفاء بوعودها الدفاعية لحلف شمال الأطلسي. وكان من بين تلك المشاكل خلل في أنظمة الأسلحة والمدرعات والطائرات والسفن البحرية غير الصالحة للخدمة الفورية بسبب إهمال الصيانة والنقص الخطير في المعدات وقطع الغيار.
كان الوضع مروعاً للغاية، لدرجة أنه تم الاعتراف بأن معظم الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر المقاتلة الألمانية لم تكن صالحة للاستخدام.
في 2015، ونتيجة للتوترات الخطيرة بين حلف الناتو وروسيا في أوروبا (بعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في أوكرانيا)، أعلنت ألمانيا زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي الأمر الذي سمح لوزارة الدفاع بتحديث الجيش بالكامل.
تم الإعلان أيضاً عن خطط لتوسيع أسطول الدبابات بشكل كبير إلى عدد محتمل يبلغ 328، وطلب 131 ناقلة جنود مصفحة من طراز Boxer، وزيادة أسطول الغواصات، وتطوير الطائرات المقاتلة.
ومع حلول 2016 أعلنت ألمانيا أنها ستنفق 130 مليار يورو على معدات جديدة بحلول عام 2030، وستضيف ما يقرب من 7000 جندي بحلول عام 2023 في أول توسع عسكري ألماني منذ نهاية الحرب الباردة.
ثم أعلنت الحكومة الألمانية توسعاً آخر عام 2017 من شأنه زيادة عدد جنودها المحترفين بمقدار 20000 جندي بحلول عام 2024.
وفي عام 2020 بلغ الإنفاق العسكري في ألمانيا 52.8 مليار دولار، وعلى الرغم من أنه يبدو مبلغاً كبيراً، إلا أن الإنفاق العسكري الألماني يعتبر أقل من الإنفاق العسكري في دول مماثلة في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا والمملكة المتحدة، خاصة عند الأخذ في الاعتبار عدد السكان والاقتصاد الأقوى في ألمانيا.
ولطالما تعرضت ألمانيا للانتقادات من قبل حلفائها العسكريين بسبب إنفاقها العسكري المحدود وخاصة من قبل الولايات المتحدة.
لكن، في فبراير/شباط 2022، قررت حكومة شولتز والبرلمان الألماني تخصيص 100 مليار يورو لشراء طائرات بدون طيار وطائرات مقاتلة جديدة، كما تقرر رفع الإنفاق الدفاعي لما يزيد على 2% من الناتج المحلي الإجمالي بشكل دائم (بعد أن كان 1.3% سابقاً)، وتلك خطوة تعتبر استثنائية أعقبت الحرب الروسية على أوكرانيا.
عمليات الجيش الألماني
من الجدير بالذكر أن مشاركة الجيش الألماني في العمليات الدولية باتت متزايدة منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، فقد شارك في عمليات داخل وحول دولة يوغوسلافيا السابقة في شرق أوروبا، وكذلك في أجزاء أخرى من العالم مثل كمبوديا والصومال.
وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، استعين بالقوات الألمانية بشكل متزايد في معظم الساحات القتالية.
ويوجد ما يقارب 1925 جندياً من القوات المسلحة الألمانية منتشرين في أماكن متفرقة من العالم منها: كوسوفو وجنوب السودان ولبنان ومالي وسوريا وغيرها. ويقوم البوندسفير أيضاً بتدريب قوات الأمن العراقية في مواقع خارج العراق، مثل الإمارات وألمانيا.
وقد فقد الجيش الألماني حوالي 100 جندي منذ عام 1994 في عمليات الانتشار الأجنبية، كان معظمهم في أفغانستان.
عربي بوست
مدار الساعة ـ نشر في 2022/03/03 الساعة 15:02