الملك من وجهة نظر أخرى

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/28 الساعة 00:05
في آخر اجتماعنا مع جلالة الملك عبدالله الثاني، الأربعاء الماضي، كانت مساحة الحديث الملكي واسعة وشاملة بما لا يحيط كثير من المسؤولين إدراكها وإن أدركوها فهم لا يستطيعون ترجمتها أو لا يريدون تحمل المسؤولية لتنفيذ رؤية الملك التي يعتقد أنها طريق سهلة للتعافي السريع في كل المحاور التي يدور حولها مستقبل البلد، حتى بات الناس يخلطون بين الصلاحيات نتيجة لتردد وتخوف المسؤولين من تبعات قراراتهم التي يجب أن يأخذوها على محمل الجدّ، ولهذا نرى كل مرة أن الملك متقدم على الحكومات والمسؤولين ببون شاسع، إذ هو يعطي الأمور جدية حازمة للعمل الفوري لا التأخير والتنظير ثم التبرير، وفي النهاية لا يرى المواطن أي أثر، فيستشكل عليه الأمر. الملك يرى وجهتي النظر اللتين تحكمان المشهد المحلي، وهو بتقديرنا يدرك جيدا أن الغلبة للمعسكر المسمى بالحرس القديم، وهذا يتبع طريقة روتينية بطيئة ومتلكئة في رؤية العالم المتسارع والمتغيرات السريعة وهذا ما يفوت على البلد استغلال الوقت السريع لانجاز خطط كثيرة وضعت لضمان الوصول الى المبتغى، ولكن الحرس القديم لم يعِ ذلك ليس لأنهم عجائز بل لأن عقليتهم جبلت على الموروث القديم، والإشكالية أن البعض منهم لا يعترف بعجزهم عن فهم تسريع المراحل لبناء جديد، بل يعيشون على أطلال الماضي، وفيما تتقدم الدول بسرعة وتنافسية نرى أن خيبتنا ببعض المسؤولين تجر علينا ضياع الفرص الواحدة تلو الأخرى. الملك في حديثه الصريح كالعادة والمباشر والإجابة عن كل سؤال أو تعليق يجعلك أمام شخصية لا يمكن لك إلا ان تحبس حواسك كلها لتفهم ما يدور في رأسه، فهو لا يتوقف عند حدث أو منعطف ما أو قضية تستدعي صداعا، بل يقفز عن كل تلك المراحل بحديث لا يخلو من الابتسامة، خصوصا عندما يتعلق الأمر به أو بردود فعل تأتي بناءً على معلومات لا أصل لها، أو تستجر قضايا طواها الزمن لإعادة تدوير الثرثرة بطريقة «هيا بنا نلعب على العواطف»، وصنع أصنام تركنا عبادتها منذ أربعة عشر قرنا بعد أن هدانا الله لإعمال العقل، وامتلاك القدرة على الوصول إلى المعلومة الحقيقية لا ما يستجره البعض من ترهات لا أصل لها. من هنا يحار المراقب ما بين ملك يقف فوق طاولة كبيرة تحمل خارطة طريق لإعادة وضع الاقتصاد الوطني على سكته الحقيقية بعيدا عن التدخلات والرؤى العاجزة والغايات الضيقة، يقابلها خارطة سياسية لدمج الأغلبية الشابة في ما قد نسميه بمشروع الدولة الجديد، وما بين أصوات تهرف بما قد لا تعرف، سوى التشويش الواضح في محاولة لعرقلة أي تقدم أو تغيير يمكن التعويل عليه، حتى وإن كانت الفرصة الأخيرة في ظل توحش انكفائي يلف الدول المحيطة، ونحن ننظر الى تراجع الإدارة العامة وتآكل الطبقة الوسطى والفقر الذي يلف قرى ومدن الأردن عبر الأطراف. عندما قال الملك لنا إنه سيزور الإمارات الجمعة، لم نأخذ التفاصيل، ولكنه اليوم عاد الى الوطن يحمل جائزة مهمة سيضمها الى قائمة جوائزه العالمية، هي جائزة الشيخ زايد للأخوة الإنسانية، ذلك الراحل الحليم والذي بفطرته الصادقة بنى بلدا لا يزال شعبه يستذكرونه بكل حب، وهذا التكريم لا يبعد الملك عن الهم الاقتصادي إذ وجّه لعقد اجتماعات ورشة العمل الاقتصادية الوطنية التي التأمت تحت عنوان «الانتقال نحو المستقبل: تحرير الإمكانيات لتحديث الاقتصاد» لرسم خارطة طريق يتم ترجمتها إلى خطط عمل عابرة للحكومات، بما يضمن إطلاق الإمكانيات لتحقيق النمو الشامل المتكامل. بالتأكيد قرأ الكثير من القرّاء ملامح حديث الملك عبر الصحافة الأصيلة، والتي شدد جلالته على أهميتها ودعمها لتكون عينا عبر مراقبة ومتابعة كل خطط واستراتيجيات الحكومات، وهو يرى أن هناك فرقاً بين ما يفكر به الجيل القديم وما يفكر به جيل الشباب، وكيف أن معاملة أو مشروعا يتطلب من الدوائر سنة أو أكثر لإنجازها، يقابله سرعة تنفيذ لا تتعدى يوماً أو أياماً قليلة عبر تعاملات الكترونية تحيط بكل المطلوب، وهنا يتضح فعلا كيف تهرب الاستثمارات نتيجة المعوقات والروتين وسياسة «التطفيش»، فعملوماتنا تؤكد أن أكثر من مئتي شركة أردنية كبرى خرجت من الأردن نحو بلد قريب دون أي سؤال لماذا. الملك في النهاية يرى أننا إن لم نكن فاعلين بجدية لدخول المستقبل بتشاركية الجميع، معتمدين على إرادتنا وقوة الشباب وحكمة الرجالات فسنخشى من أن المستقبل لن ينتظرنا، ولتلك الفلسفة معان كثيرة، فهو يؤكد من وجهة نظره أن الأردن رغم التحديات والصعوبات ومحاولة البعض خارجيا للتأثير على مواقف الأردن ووضع العراقيل أمام علاقاته، فسيبقى الأردن قويا بمواقفه السياسية وعلاقاته مع الأشقاء والدول الصديقة، وحاميا جلداً لأرضه وشعبه ومقدساته، وستثبت الأيام أن المستقبل للأردنيين الذين يؤمنون بوطنهم ودولتهم، ومهما اختلفنا على الطربقة فسنتفق حتما على المصلحة العليا لهذا الوطن الذي يحترمه الجميع.. فهل هناك كلام غير هذا؟! ROYAL430@HOTMAIL.COM الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/28 الساعة 00:05