درس اليوم.. ناب كلب في جلد خنزير

فايز الفايز
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/27 الساعة 00:53
وحدهم اليوم يتقاربان في الاسم ويتباعدان في العبقرية السياسية، فلاديمير بوتين وريث الحضارة الروسية القديمة بقيمها الشرقية، يقابله فولوديمير زيلنيسكي رئيس دولة أوكرانيا التي يواجه خيبة لا مثيل لها، إذ لا مقارنة هناك بين الرجلين، فبوتين الذي ما زال في الحكم منذ عقدين، ينبثق عن تاريخ إمبراطوري أحادي، سعى فيه إلى تمكين وتركيز قوة روسيا الاتحادية كإرث لا يمكن التفريط به، فهو يفكر ثم يقدّر ثم يقرّر وأخيراً يفعل بناءً على مصالحه كرئيس يقارع الغرب الليبرالي دون أن يطلب أي حماية، أما الرئيس زيلنسكي فهو قد تجرّع السم الأميركي والأوروبي، بعد اتكائه على الغرب المتخليّ، ليرى اليوم بوتين وقد التهم بلده. هذا ما سينتهي إليه كل من يضع ثقته في دوائر الحكم الأميركي أو تابعيه في أوروبا، يتخلون عنه عند أول مفصل ويتركونه لمصيره المحتوم، فبعد سنوات من الدعم السياسي والزيارات البروتوكولية للعاصمة كييف، وتحريض رؤساء أوكرانيا على العناد مقابل موسكو، جاءت ساعة الحقيقة، أوكرانيا باتت على بعد ساعات من السيطرة الروسية عليها، ليخرج الرئيس زيلنيسكي وأعضاء حكومته عراة الأيدي عبر الهاتف المرئي، نحن هنا، بعد كل الاستمطار اللفظي الذي أرعد فيه الرئيس جو بايدن ومن ورائه زعماء أوروبا ولم يمطروا شيئاً لحماية كييف وقائدها، إذ جاءتهم الفرصة لمعاقبة بوتين ممتطين ظهر أوكرانيا. الغرب المتوحش تخلى عما كانوا يسمونه حليفهم ضد بوتين، ولسان حالهم يقول: إنه «ناب كلب في جلد خنزير»، لنرى الى أين تنتهي المسألة، فيما الشعب الأوكراني هو الوحيد الذي سينال العقوبات والتشريد والقتل واجتزاء أراض من دولته ومنشآت خطيرة كمحطة تيشرنوبيل الشهيرة، وتدمير البنية التحتية ومثلها القوة العسكرية، ومن الممكن خلال الفترة القادمة أن تستبدل القيادة بقيادة موالية تماما لموسكو، وستصبح كييف قرية روسية، ولن يفعل الناتو شيئاً بل سترتعب أوروبا الشرقية كلها خشية شبح الاتحاد السوفييتي، وهذا كله نتيجة الثقة العمياء بالغرب البراغماتي المخادع، فهم لا يهتمون بحماية أي حكم على خارطة العالم سوى إسرائيل ومصالحهم. في أيام المدرسة، أخذت مسألة «القرم» مني أياما طويلة لفهم وحفظ تلك القضية في كتاب التاريخ السياسي، وعبر السنين نسينا حفظ الدرس، ولكن فيما بعد فهمنا أهمية القرم وكيف دارت حروب طاحنة بين الدولة العثمانية والإمبراطورية القيصرية الروسية، فالأخيرة رأت في الحكم العثماني خصما مهددا لإرثها الأرثوذكسي، وأصرت على التمدد نحو فلسطين التاريخية كي تخضع كنائسها العربية للأرثوذكسية الإمبراطورية بذريعة حماية المسيحيين العرب وهم الأصل في هذه البلاد وأهلها الأولون. ولكن روسيا القيصرية استدارت لمحاربة الدولة العثمانية في حروب خسرتها موسكو، إذ واجه العثمانيون قياصرة روسيا ودافعوا عن جزيرة القرم تحت سيادتهم بما فيها من شعوب التتار والقوقاز المسلمين والمسيحيين الأوربيين، وقد انضمت للعثمانيين آنذاك بريطانيا وفرنسا ومصر ودولة تونس ومملكة سردينيا التي اصبحت فيما بعد مملكة إيطاليا، واستمرت الحرب لثلاث سنين وانتهت العام 1856م باستسلام روسيا بعد حصار سيبساتوفول وتوقيعها معاهدة باريس. التاريخ اليوم يعيد نفسه بطريقة أخرى ضمن تحالفات شرقية عقائدية لا مكان فيها للاستسلام تقابلها تحالفات غربية ناعمة تدير معاركها السياسية بديلا عن العسكرية، ولن تكون كييف كما كانت «ستالينغراد» التي هزمت جيش هتلر1945، وفتحت أوروبا الشرقية كلها للجيش الأحمر وإعلانها جزءا من الاتحاد السوفييتي، فروسيا ليست بلاد العرب تدخلها قوات حلف الناتو لتدمر العراق وليبيا وسوريا واليمن والصومال ومالي وغيرها كما تشاء، حتى إيران لم تعد تخشى الغرب وتفاوضهم بالحرف والهمزة. هذا الدرس الأخير يجب أن يفهمه العرب جيدا، وهناك فرق بين أن تعرف وبين أن تفهم ما تعرفه، فالحروب الدونكشيوتية يجب أن تنتهي لأنها استنزفت موارد الدول وأعادت الشعوب الى عصور الجوع المظلمة، وشردت ملايين المساكين بين أصقاع العالم الغربي ودول الجوار،وأوضح مثال للعناد هي القيادة الأوكرانية التي آمنت بأن الغرب سيدافع عنها، وكفرت بجيرانها طيلة سنوات من التشكيك، وهي تعلم أن شعبها لا يحب الغرب بل يحب تاريخه، ويحب من يقوده الى الرخاء والثقة وبناء مستقبل يكون للأجيال فيه مكان يفاخرون به العالم. Royal430@hotmail.com الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/27 الساعة 00:53