عن النقشبندي شيخ المداحين

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/26 الساعة 16:14

 مدار الساعة - تعلَّق قلبه بالله، فتعلَّقت قلوبنا بصوته، هو الاسم الأشهر في عالم الابتهالات والتواشيح الدينية، شيخ المداحين سيد النقشبندي.

 
وُلد الشيخ سيد النقشبندي في الثاني عشر من مارس/آذار عام 1921 بقرية "دميرة" إحدى قرى مركز طلخا بمحافظة الدقهلية، كان والده "الشيخ محمد النقشبندي" شيخ الطريقة النقشبندية، وهي إحدى الطرق الصوفية التي أسسها الشيخ بهاء الدين نقشبند الذي أتى إلى مصر من أذربيجان في عام 791 هجرياً.
 
طفولته
حين بلغ الشيخ 4 سنوات، انفصل والداه، فانتقلت الأم "السيدة قسمة" إلى صعيد مصر حيث مسقط رأسها في مركز "طهطا" بمحافظة سوهاج، واصطحبت طفلها "الشيخ سيد" معها.
 
 
 
تزوجت والدة الشيخ سيد بعد طلاقها، الشيخ المواردي الذي تكفل برعايته، وحفظ سيد، القرآن الكريم على يد الشيخ أحمد خليل وتعلَّم الإنشاد في حلقات الذكر، وانتسب إلى المعهد الديني في طهطا.
 
تميَّز الشيخ سيد النقشبندي منذ طفولته بعذوبة صوته فكان يحيي الليالي بقراءة القرآن والأناشيد الدينية التي تعلَّمها بين مريدي الطريقة النقشبندية، فحفظ أبيات البوصيري وابن الفارض وأحمد شوقي وكعب بن زهير.
 
السيد البدوي يطلب من النقشبندي أن يجاوره
يحكي حفيد النقشبندي عن سر ارتباط جده الشيخ "سيد النقشبندي" بالسيد البدوي، قائلاً إنه في إحدى الليالي قد رأى جده أن السيد البدوي زاره وقال له: "تعالَ اقعد معايا يا سيد".
 
فلم يتردد الشيخ سيد للحظة، فأخذ زوجته وأولاده وذهب إلى طنطا، واستأجر بيتاً بجوار مسجد السيد البدوي، وظل مقيماً هناك حتى وافته المنية.
 
انطلاقة الإذاعة
تعددت الروايات حول بداية التحاق سيد النقشبندي بالإذاعة، فرواية الموسيقار حلمي أمين تقول إنه هو الذي اكتشف الشيخ سيد حين سمع صوته وأعجب به، والرواية الأخرى يرويها المذيع أحمد فراج، الذي يقول إنه هو الذي اكتشف الشيخ سيد وقدَّمه إلى "بابا شارو". لكن أياً كانت الرواية الصحيحة، فالشيخ سيد انطلق عبر أثير الإذاعة المصرية في عام 1967 بمئات الابتهالات والأدعية الدينية التي خُلدت في قلوب جميع المصريين.
 
علاقة الرئيس السادات بالشيخ سيد
كان الرئيس السابق محمد أنور السادات من عشاق صوت الشيخ سيد منذ أن سمعه للمرة الأولى قبل أن يتولى رئاسة الجمهورية، وبعد أن أصبح رئيساً اعتاد أن يرسل إلى الشيخ سيد النقشبندي في أي مناسبة؛ لكي يستمتع بحلاوة صوته، وربما أشهر وأهم تلك المناسبات حفلة زفاف ابنته، تلك التي وُضعت فيها بذرة التعاون بين الشيخ سيد النقشبندي والملحن بليغ حمدي.
 
 
 
أقام السادات حفل خطوبة ابنته في القناطر الخيرية عام 1971، وامتلأ المكان بالمدعوين سياسيين وصحفيين وفنانين، وكان ضمنهم الشيخ سيد النقشبندي، الذي أتى بناءً على دعوة السادات له، وبدأ الحفل بصوت الشيخ سيد النقشبندي ثم تلته السيدة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.
 
بعد أن انتهى الشيخ النقشبندي من ابتهالاته نادى السادات، بليغ حمدي وأخبره برغبته في أن يسمع أعمالاً تجمع بينه وبين الشيخ سيد النقشبندي، الأمر الذي شكَّل مفاجأة بالنسبة إلى الشيخ الذي اعتاد الإنشاد ومدح الرسول دون الحاجة إلى ملحن، فكيف له أن يتعاون مع هذا الشاب الذي لحَّن أغاني الحب والعشق، ولكن كان كلاهما في حضرة الرئيس الذي لا يمكن أن يردّا له طلباً.
 
وانتهى الحفل وعاد الشيخ سيد إلى بيته في طنطا وعاد بليغ إلى القاهرة، لكن ظل طلب الرئيس فرماناً واجب التنفيذ، فتمَّ تكليف رئيس إذاعة صوت العرب "وجدي الحكيم" بترتيب هذا اللقاء.
 
كانت مخاوف الشيخ النقشبندي أن يقوم اللحن بإفساد حالة الخشوع الموجودة في الإنشاد وأن يتحول من منشد وقارئ للقرآن إلى مغنٍّ.
 
لكن وجدي الحكيم طلب من الشيخ سيد أن يقوم بالاستماع لما سيقوم بليغ بإنجازه ثم يقرر آنذاك، وطلب الحكيم من بليغ أن يعدَّ ألحاناً خاصة للنقشبندي، وقام عبد الفتاح مصطفى بكتابة 15 نشيداً سمّاها مجموعة "أنغام الروح"، وأنجز بليغ حمدي مهمة التلحين وتبقَّى أن يستمع النقشبندي إلى العمل، وما إن استمع الشيخ سيد إلى اللحن -وكان "مولاي إني ببابك"- حتى وافق على الفور، واصفاً بليغ بأنه "جن" وليس إنساناً.
 
 
 
وضمَّت تلك المجموعة أناشيد أخرى مثل: كن لنا نعم المعين، أخوة الحق، عليك سلام الله، أي سلوى، أيها الساهر، ما أعظم الذكرى، يا دار أرقم، مولاي، أقول أُمتي، يا ربنا، يا ليلة في الدهر، حمداً لك الله، أشرق المعصوم، يارب أنا أمه، رباه يا من أناجي.  
 
 
الاعتداء على النقشبندي في الحرم الشريف
بعد أن حقق النقشبَندي صدى في العالَمين العربي والإسلامي، تمت دعوته إلى عدد من الدول مثل سوريا وإيران والمغرب واليمن، وفي بداية الستينيات ذهب لأداء العمرة بالمملكة العربية السعودية، فرقَّ قلبه في الحرم وانطلق لسانه ينشد بما فتح الله عليه من ابتهالات، ليفاجأ النقشبندي بمجموعة من المتعصبين الذين يرون أن ما يفعله الشيخ سيد من ضروب البدع، فانهالوا عليه بالضرب والاعتداء لولا دفاع مجموعة من المصريين والجزائريين الذين تصادف مرورهم حينها.
 
أما زيارة الشيخ الثانية فكانت في ذكرى المولد النبوي عام 1964، وفوجئ الشيخ سيد بأن الحرم شبه فارغ فأنشد بصوته العذب: "إن الملائكة والحمام يطوفون، فلنشاركهم"، لكن هذه المرة كانت المفاجأة، فلم تمضِ دقائق حتى امتلأ الحرم بالناس حوله، يسمعونه في طرب.
 
علاقة الشيخ بـ"الست"
يحكي الحفيد سيد شحاته النقشبَندي أن جده كان يحب صوت كوكب الشرق، بل يحفظ أغاني مثل "رباعيات الخيام" و"وُلد الهدى"، وقد قابلها الشيخ في طنطا بمسجد السيد البدوي، ثم دعاها إلى زيارة الأسرة في منزله، واستقبلتها الأسرة استقبالاً حاراً.
 
 
 
 
 
يحكي الموسيقار الراحل عمار الشريعي في حوار مع الكاتب الصحفي عمر طاهر، أنه كان عازفاً في الفرقة التي نفَّذت أول أعمال الشيخ سيد، ثم تلا ذلك عمل مشترك في تنفيذ أغنية جديدة، حيث وقف الشريعي يغني خلفه في البطانة. أما عن اللقاء الثالث فيحكي الشريعي أنه كان بعد رحيل الشيخ، حيث أحضر أحد المسؤولين بعض التسجيلات للشيخ لم تتم إذاعتها بعد، ليقوم الشريعي بتفريغ الصوت وعمل موسيقى وتركيبها عليها؛ ليتم تقديمها في الإذاعة.
 
النقشبندي بطلاً لفيلم سينمائي لم يرَ النور
قام النقشبندي ببطولة فيلم سينمائي بعنوان "الطريق الطويل" عن حياة منشد ديني، وكان الفيلم من إخراج مصطفى كمال البدري وإنتاج عباس حلمي، وقام الشيخ سيد بتسجيل عدد من الأناشيد والابتهالات للفيلم، لكن للحظ السيئ توفي المخرج في منتصف التصوير، ولم يتم استكمال الفيلم حتى إن تلك الابتهالات التي تم تسجيلها بصوت الشيخ، معظمها مفقود حتى الآن.
 
وصية الشيخ سيد الأخيرة
رحل الشيخ سيد في الرابع عشر من فبراير/شباط عام 1976 عن عمر ناهز 55 عاماً، ولم يكن يشكو من مرض أو ألم، فقبل وفاته بيوم واحد كان يقرأ القرآن في مسجد التلفزيون ثم أذَّن لصلاة الجمعة، وأدى الصلاة وذهب إلى منزل شقيقه من والدته "سعد المواردي" في العباسية، وأعطاه وصيته وأخبره بألا يقرأها إلا حين يحين الوقت، ثم عاد إلى منزله بطنطا، وفي اليوم التالي شعر ببعض الآلام في الصدر فذهب إلى مستشفى المبرة في طنطا، ولم تمر دقائق حتى صعدت روحه إلى بارئها.
 
وحين فتح أخوه الورقة التي أعطاها إياه وجد وصية الشيخ بأن يُدفن مع والدته في القاهرة مهما كانت الظروف، وألا يقيموا مأتماً وأن يكتفوا بنشر النعي في الجريدة.
 
 
وصية النقشبندي بخط يده
استعنت في مقالي هذا بالاطلاع على بعض المصادر، مثل "شيوخ الطرب" لعادل السنهوري عن "دار المسك"، و"في بيوت الحبايب" لزينب عبد اللاه عن "المصرية اللبنانية"، و"صنايعية مصر" لعمر طاهر عن "دار الكرمة". 
 

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/26 الساعة 16:14