الأردن.. القلعة الحصينة

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/24 الساعة 16:39

 بسام شكري*

قبل سنتين كنت اناقش مع زميلة إعلامية اردنية مخاطر نقل منطقة النخيب العراقية من محافظة الانبار الى محافظة كربلاء وكيف ستصبح لإيران حدود برية مع السعودية وتصبح الأردن قريبة على الحدود البرية الإيرانية وسوف تكون بداية للزحف الإيراني لزعزعة الامن في السعودية والأردن وتصبح منطقة النخيب ممرا لنقل الممنوعات كالمخدرات والسكائر وفيما بعد ممرا لنقل الأسلحة وتكون منفذا لإرسال طائرات تجسس إيرانية بدون طيار الى داخل حدود البلدين وبالإمكان ارسال طائرات تحمل متفجرات وصواريخ باتجاه السعودية والأردن ودول الخليج العربي “وهذا ما حصل فعليا الشهر الماضي واعترفت به ميليشيا عراقية موالية لإيران بقصف مطار ابوظبي من داخل الأراضي العراقية ” وكان ذلك الموضوع غامضا بالنسبة للزميلة الإعلامية وكانت تعتقد انني ابالغ في ذلك الموضوع, وما ان برزت احداث مهربي المخدرات على الحدود الأردنية الأسبوع الماضي وزيارة جلال الملك عبد الله الثاني لقوات الحدود الأردنية الشمالية وخطابه في تلك القوات والذي تناقلته وسائل الاعلام حتى عادت زميلتي للحديث حول الموضوع فقمت بتذكيرها بحديثنا السابق قبل سنتين وتداعيات مخاطر نقل منطقة النخيب الى محافظة كربلاء والمخططات الإيرانية الجهنمية.
ان منطقة النخيب كانت تابعة لمحافظة الانبار قبل سنة 2003 وتم فصلها والحاقها بمحافظة كربلاء , وكلمة النخيب في اللغة العربية تعني الجرعة الكبيرة من الماء او الشق الكبير الذي اخذ من الأرض ولها معاني كثيرة مشتقة كالنخب والنخبة والانتخاب والمنتخب وغيرها وهذا ما يفسر ان تلك المنطقة عبارة عن وديان وشقوق في الأرض تصل الى عمق الأراضي السعودية ومن منتصف منطقة النخيب باتجاه الأراضي الأردنية تمتد وديان أخرى بشكل افقي لتصل الى عمق الأراضي الأردنية ومنطقة النخيب طريق معروف للمهربين وقطاع الطرق منذ مئات السنين وقد زرت المنطقة عدة مرات وهي عبارة عن تلال و كثبان رملية وتجاويف عميقة في الأرض اذا سارت فيها جموع الابل لا يمكن مشاهدتها من أعلى الوادي ,وخلال السنتين الماضيتين شهدت المناطقة الغربية للحدود العراقية تحركات لميليشيات تابعة لإيران كان اخرها التحركات الكبيرة قبل أسبوعين للتجمع قرب الحدود السورية والأردنية وقد اثارت تلك التحركات تكهنات عديدة من قبل وسائل الاعلام العراقية وادعت تلك الميليشيات بان مجموعة من أعضائها راجعين من الاجازة الاعتيادية لكي يلتحقوا بوحداتهم في الحدود في الوقت التي أظهرت الصور ان ارتال العجلات العسكرية تجاوز 230 عجلة وهذا لا يمكن تصديقه من انهم جميعا عائدين من اجازتهم الاعتيادية وبعد تلك الحادثة جاءت حوادث محاولات تسلل المهربين الى الأردن , ومن جانب اخر فان نقطة الحدود العراقية السورية عند مدينة القائم ليست بعيدة عن نقطة الحدود العراقية الأردنية في منطقة طريبيل وقد شهدت مدينة القائم في السابق معارك ضارية بين تنظيم داعش الإرهابي والقوات العراقية ومازالت المنطقة غير امنة , وفي ظل الفوضى التي تعم الوضع الأمني في العراق وسيطرة الميليشيات التابعة لإيران على المنافذ الحدودية بقيادة عسكريين إيرانيين وحسب توجيها مباشرة من رئيس فيلق القدس الجنرال قااني فان أي تحرك باتجاه الحدود الغربية للعراق يتم ضمن خطة ايرانية .
ان الاستراتيجية الإيرانية تسعى الى احكام الطوق حول الجزيرة العربية والتحكم بطريق التجارة البحرية وقد سيطرت ايران على مضيق باب المندب ومدخل البخر الأحمر بسيطرتها على اليمن وتسعى ايران اليوم للسيطرة على شمال البحر الأحمر وخليج العقبة والتحكم في مداخل قناة السويس وذلك يتطلب اجتياح الأردن بطرق وأساليب متعددة فبعد ان فشلت فكرة السياحة الدينية الإيرانية الى الأردن لزيارة مراقد أئمة ال البيت عليهم السلام الأردن اخذت ايران ترسل مهربي المخدرات عن طريق حدود سوريا والعراق لجس نبض قدرة قوات الحدود الأردنية ولو نجحت فكرة مهربي المخدرات فان طريق مهربي الأسلحة سيكون سالكا الى داخل الأردن والخطة تتطلب خلق تنظيم في داخل الأردن مشابه لتنظيم داعش الارهابي يقوم باستعمال تلك الأسلحة المهربة في تحويل الأردن لا سامح الله الى بلد فاشل مدمر كما هي حال العراق وسوريا اليوم عندها نقول على الأردن لا سامح الله : من هنا مرت ايران . ان قوات الحدود الأردنيين يبذلون اليوم جهودا جبارة في حماية الحدود الأردنية مع سوريا والعراق والتي تشهد حروب تشارك فيها ميليشيات وقوات محلية ودولية وفوضى امنية على مدى ثمانية عشر عاما ومن ذلك جاءت زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه الأسبوع الماضي الى قوات الحدود وخطابه بهم.
ان وجود الهاشميين في الأردن يمثل عقبتين كبيرتين في وجه ايران العقبة الأولى هي الجانب الأمني فان الأردن مستقر امنيا وهو بين العراق وسوريا اللتين تشهدان حروبا ونزاعات منذ ثمانية عشر عاما وقوات الحدود الأردنية تسيطر على الحدود بشكل جيد والعقبة الثانية هي العقبة التي تمس عقيدة الولي الفقيه حيث ان مجرد وجود الهاشميين في الأردن يمثل صفعة قوية في وجه نظرية ملالي طهران وأيديولوجيتهم الطائفية التي تقول ان ال البيت فرس وليسوا عرب فخلال الثمانية عشر سنة الماضية في العراق ومن خلال مؤسسة الملالي التي تحكم العراق يتم التركيز على نقطة واحدة وهي ان ال البيت عليهم السلام هم فرس وليسوا عرب استنادا الى القصة الكاذبة بان سيدنا الحسين قد تزوج بنت كسرى وتحول النسل العربي الى فارسي وليس لسيدنا الحسين زوجه ثانية وليس لسيدنا الحسن أي نسل , وقد ظهرت تلك الفكرة الساذجة للمرة الأولى في عهد الشاه إسماعيل الصفوي ثم تم اعادتها بقوالب جديدة مع فكرة ولاية الفقيه التي جاء بها الخميني سنة 1979 . واليوم فان ملالي طهران لا يتمكنون من مواجهة تلك الحقيقة وهي وجود الهاشميين العرب وهم ال البيت  في الأردن البلد المجاور للعراق وذلك سيقلب تلك النظرية رأسا على عقب، وفكرة ان ال البيت هم فرس استعملها ملالي طهران بشكل واسع في تسويق نظريته الكاذبة وكمبرر للسيطرة على العالم الاسلامي.
ان من حق المملكة الأردنية الهاشمية الحفاظ على امن حدودها ومن حقهما توجيه الأسئلة الى حكومتي دمشق وبغداد المواليتين لطهران عن أسباب المتغيرات الي تحصل قرب الحدود المشتركة وعن أسباب تدفق المهربين بشكل كبير الى الأردن مرة واحدة وفي هذه الفترة بالذات وعن الضمانات التي تقدمها تلك الحكومات الى الأردن لحماية الحدود ومن حق الأردن اتخاذ الإجراءات القانونية على المستويين المحلي والدولي من اجل المحافظة على حدودها من الاختراق.
ان مؤشر الخطر الحقيقي لأمن الأردن عندما تتم محاولات اختراق الحدود بالشكل الكثيف والمتكرر كما حصل خلال الأسبوعين الماضيين وردع الخطر فورا أفضل من ان تخرج علينا إيران في يوم من الأيام وتطالب الأردن بالتفاوض معها مباشرة لضمان امن حدود الأردن مع العراق وسوريا وقد حصل تدخل إيراني مماثل في شؤون اليمن عندما لم تتمكن الحكومة اليمنية من ردع إيران وعملائها الحوثيين منذ البداية بحيث أصبحت إيران تشارك في أي مفاوضات محلية او عربية او دولية حول اليمن منذ استقالة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح لغاية اليوم.
سيبقى الأردن القلعة العربية الهاشمية الحصينة بوجه كل من تسول له نفسه التدخل في شؤونها الداخلية وسيبقى أسد بني هاشم جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه الحارس الأمين للأردن وفي الخطوط الامامية دائما كلما تطلب الامر ذلك.
باحث وكاتب عراقي
 

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/24 الساعة 16:39