الحسابات السويسرية والحسابات السياسية!
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/23 الساعة 01:47
تنشغل عمان وحدها بين عواصم المال والسياسة بتبديد دخان البنادق الذي يزعج ولا يضر منذ سنوات ليست بالقريبة، فالأردن يقف دوما على ما نسميه ركبة ونصف، ليس خشية من عدو فقط بل من غدر صديق، وكلما تحركت العجلة الرسمية لاستمرار مرحلة ما من تحقيق هدف سياسي او اقتصادي أو بناء اجتماعي تظهر في الأفق المعلومات المضللة، والخشية دوما ليس ما يتعرض له الأردن مما يسمى حرب استنزاف باردة وحسب، بل إنه استهداف واضح لمحاصرة بلد لم يألُ جهدا في الاخلاص لكل الأشقاء وفتح أبوابه لكل لاجئي العرب، في المقابل يعجز المرء عن تفسير ما وراء الحجب لإقحام الأردن وقيادته في مسائل لا قيمة لها، بناءً على مواقفه الوطنية وصلابته في مواقفه القومية وعلى رأسها المقدسات في القدس.
آخر نسخة من تسريبات صحيفة (زود دويتشه تسايتونغ) الألمانية، والتي سميت (أسرار سويسرا) أو الحسابات السويسرية وعبر 18 ألف صفحة تحوي أسماءً لشخصيات وزعماء دول وموظفين كبار وعملاء أوروبيين، بلغ عددهم 37 الفاً، من أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وبلدان عربية وغيرهم ممن تم وصفهم بتجار الحروب والفساد بانواعه، تاتي النسخة الجديدة في الغمز واللمز من قناة الملك عبدالله الثاني وعبر بوابة الرؤساء والملوك الذين لم يكشف عن أسمائهم، رغم أننا نعرف أن هناك عشرات الشخصيات العربية على الأقل يمتلكون مليارات في بنك "سويس كارد" ثاني أكبر بنك سويسري..
الديوان الملكي أصدر بيانا أوضح فيه كافة التفاصيل عن الحساب المصرفي المغلق لجلالة الملك وهو حساب قديم وتم فتحه لتحويل أموال شخصية عبر بيع طائرة كبيرة وأموال خاصة كوريث في بداية العهد، وبين طرق صرفها وهي لا ترتبط بأي صلة للموازنة العامة، ولكن السؤال هنا: لماذا يزج دائما باسم الملك من باب التشهير والتشكيك والاستهداف المباشر، ولماذا ترمى هذه المعلومات للشارع لغايات أقل ما فيها التحريض وزرع عدم الثقة، فيما هناك العديد من الزعامات الرنانة في عالمنا تمتلك حسابات ما زالت عاملة في البنوك السويسرية حتى اليوم ولا تستخدم بإنفاقها على قنوات من مثل ما تطرق لها بيان الديوان الملكي.
إن قضية أسرار سويسرا لن تنتهي بانتهاء مفعولها المثير والتشويقي، فأي شخصية سياسية يمكن أن يكون ضحية لمثلها في أي وقت، ولكن نحن في الأردن نعرف التفاصيل وهي لا تستدعي الدهشة، فهناك شخصيات سياسية انتقلت الى عالم الأعمال وهي تمتلك مئات الملايين في سويسرا على التحديد وبنايات ضخمة، ولكن الحساسية هنا أن أي مواطن متابع لما ينشر ومن باب الثرثرة تتملكه حالة من التشكيك والعدوانية بناءً على معلومات غير صحيحة أو على الأقل من مصادر غير موثوقة، وهذا ما يريده البعض من تحطيم الروح المعنوية للأفراد، لغايات الاستفراد بالأردن الجمعيّ كي يزج به في فتنة لا تحمد عقباها.
القصة الأردنية معروفة منذ تاريخ نشأته، وحبكة السيناريو هي جملة مختصرة تقول: نريدك شقيق ولا نريدك شريك، فعلى أطول خط حدودي مع الكيان الإسرائيلي يتمترس الأردن متأهبا على الدوام للتعامل مع مزاج وتقلبات ودسائس الكيان بعنصريته، ورغم أن هناك عددا من السياسيين في تل أبيب يقدرون دور الأردن الحيوي، فإن الأغلبية لا ترى في الأردن وقيادته مستقبلا حقيقيا يشاركهم أحلامهم التوسعية، وكل بيان يخرج عن الحكومة الأردنية تنديدا بإجراءات سلطات الاحتلال في القدس، تخرج الشتائم والأقاويل والأكاذيب من شخصيات متطرفة سياسية وإعلامية ودينية للنيل من صمود الأردن حتى الآن كحارس أمين على مقدساتنا هناك.
قبل أكثر من خمس سنوات جائني مدير مكتب لشخصية عربية، توفي بعد سنتين، وطلب إيصاله لشخصية أردنية يتوسم فيها الخير لحل مشكلة مع مواطن أردني اختلس مبلغا بالملايين من مديره الكبير، واختصر القصة هنا بسؤالي له: أصدقني القول فكم يملك مديرك من أموال؟ فأجاب بكل صدق: يملك مئتي مليار دولار، جزء منها نقدا يبلغ 120 مليار وثمانين استثمارات، فسألته ثانية: هل هي في بلده، قال لا في سويسرا وفرنسا وجزء منها في بلده، فقلت له: هل يعقل أنه يطارد موظفا اختلس نقطة من بحر.
اليوم يشرف الأردن على مراحل جديدة لتثبيت قواعد الاقتصاد بغية الخروج من مآزقه المالية والتشغيلية والاجتماعية، وستلتئم قريبا ورشات عمل عبر خلايا متخصصة أغلبيتها من القطاع الخاص برعاية الديوان الملكي لوضع خارطة طريق ثابتة لا تتغير بتغير الحكومات، وذلك في خضم حرب ممنهجة من الخارج بما تسمى "حرب الكبتاجون" وتهريب الأسلحة، فضلا عن اختراقات تكنولوجية تستهدف مؤسسات وكيانات حكومية، وحسابات وهمية تضخ معلومات تحريضية تستهدف صب الزيت على النار، ويجب أن ينتبه لها الجميع، فالحلول بين أيدينا إذا ما تعاونا جميعا، وإذا بقينا نهمس بخفية ونؤشر على الأخطاء دون تصحيح فلن نتقدم خطوة، وسنبقى في لطمية متواصلة.
Royal430@hotmail.com
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/23 الساعة 01:47