5 معاهدات شكلت العالم الذي نعرفه اليوم

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/21 الساعة 14:33

 مدار الساعة - خمس معاهدات شكلت العالم الحديث الذي نعرفه اليوم، معاهدات معظمها أبرم بعد حروب دموية، ولكن الغريب أن المعاهدات الأحدث تبدو أكثر عنفاً ودموية، من المعاهدات التي أبرمت منذ مئات  السنين.

 
وكأن  دبلوماسيي العصور الغابرة أكثر حكمة وعقلانية من الدبلوماسيين المتأخرين. 
 
فيما يلي أهم خمس معاهدات في التاريخ، حسبما ورد في تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
 
خمس معاهدات شكلت العالم الحديث 
معاهدة تورديسيلاس (1494): بداية استعمار العالم واقتسامه بواسطة البابا
وُقعت معاهدة تورديسيلاس بين البرتغال وإسبانيا (مملكة قشتالة تحديداً)، وقَسَّمت الأراضي المكتشفة حديثاً خارج أوروبا بين البلدين على طول أحد خطوط الطول عبر ما يعرف الآن بشرق البرازيل.
 
كان الدافع لهذه المعاهدة في إثر انتشار خبر بلوغ كريستوف كولومبوس لأراض جديدة سنة 1493  عقب إبحاره غرباً عبر المحيط الأطلسي، اتجه الملك الإسباني فرديناند الثاني (Ferdinand II) وزوجته إيزابيلا الأولى (Isabella I) للحصول على دعم السلطات البابوية لجعل كل المناطق المكتشفة بالعالم الجديد ممتلكات إسبانية.
 
ومن خلال خطوة مماثلة سعى التاج الإسباني لكبح جموح الأطماع التوسعية لبقية الدول الأوروبية بالقارة الأمريكية، حسبما ورد في تقرير لموقع قناة "العربية".
 
وعلى إثر قرار البابا ألكسندر السادس عبّرت القوى الأوروبية عن سخطها وغضبها؛ حيث حرّم هذا المرسوم قيام أية قوة مسيحية بمهاجمة واحتلال أراض يحكمها ملك مسيحي آخر وهو الأمر الذي منح إسبانيا حقاً شرعياً بالعالم الجديد.
 
وفي الأثناء اعتبرت مملكة البرتغال والتي كانت في أوج قوّتها هذا القرار إهانة لمصالحها؛ حيث طالب الملك البرتغالي جواو الثاني (John II) بحماية مصالح بلاده بالعالم الجديد، مؤكداً أن المرسوم البابوي انتهاك لحقوق البرتغال بالمحيط الأطلسي؛ حيث لم يعُد هنالك مجال بحري كاف للسفن البرتغالية أثناء إبحارها بين القارتين الأوروبية والإفريقية.
 
وأمام تصاعد التوتر بالمنطقة اتجهت كل من إسبانيا والبرتغال إلى عقد اتفاقية جديدة تضمن حقوق البلدين بالقارة الأمريكية.
 
وبناء على ذلك اتفق الطرفان يوم السابع من شهر يونيو/حزيران سنة 1494 بمدينة توردسيلاس (Tordesillas) الإسبانية على بنود اتفاقية حملت اسم المدينة.
 
وحسب اتفاقية توردسيلاس والتي باركها البابا يوليوس الثاني (Julius II) سنة 1506، تم رسم خط جديد يبعد حوالي 1185 ميلاً غرب جزر الرأس الأخضر، وبموجبه تم تقسيم العالم الجديد حيث حصلت البرتغال على المناطق الواقعة شرق هذا الخط، بينما هيمنت إسبانيا على كل ما جاء غربه. 
 
ونتيجة لهذه المعاهدة، انصب تركيز التمدد والاستعمار الإسباني في الغالب على الأمريكتين، وسيطرت إسبانيا على جزء كبير من أمريكا الوسطى والجنوبية؛ وسقطت البرازيل التي لم تكن قد اكتُشِفت بعد في يد البرتغال. وتمكنت البرتغال من التعمق شرقاً، وتحت قيادة فاسكو دا غاما عام 1498، أثبتت أنه بالإمكان الإبحار من أوروبا إلى الهند.
 
وفي البداية، كانت المعاهدة لصالح البرتغال، حيث ازدادت ثراءً من طريق التجارة الذي اكتشفته بين أوروبا وآسيا. على أنه فيما بعد، سلبت إنجلترا وهولندا البرتغال هذه التجارة. وأما بخصوص السيطرة على الأراضي، فكان يصعب على البرتغال الصغيرة الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها في آسيا التي كانت تضم دولاً منظمة. ولكن على الجانب الآخر، تمكنت إسبانيا من بناء إمبراطورية ضخمة كثيفة السكان في أمريكا اللاتينية، واكتشفت بها ثروة معدنية ضخمة.
 
وفي النهاية، بالطبع، فضلت قوى أخرى تجاهل المعاهدة التي استبعدتها. ومن هذه القوى إنجلترا وهولندا وفرنسا.
 
صلح وستفاليا (1648): انطلاق فكرة الدولة الحديثة
كان صلح وستفاليا يتكون من معاهدتين متصلتين، معاهدة مونستر ومعاهدة أُسنابروك، وقد وقع في نهاية حرب الثلاثين عاماً، التي اندلعت بشكل عام بين الدول الكاثوليكية والبروتستانتية، رغم أن دولاً مثل فرنسا تلاعبت بالطرفين لتحقيق مكاسب شخصية. وصحيح أن صلح وستفاليا لم يؤثر في البداية إلا على أوروبا الغربية والوسطى، لكن نتائجه امتدت لتشمل بقية العالم.
 
وهذا لأنه أرسى بعض أهم مبادئ النظام الدولي، والسمات الرئيسية للدولة القومية؛ إذ أرست هاتان المعاهدتان فكرة السيادة الإقليمية، حيث تكون كل دولة مسؤولة بمفردها عن القانون والنظام والضرائب والسيطرة على السكان في أرضها. وفضلاً عن ذلك، أقر الصلح بحق كل دولة في ترتيب نظامها الديني والسياسي الداخلي. وهذه المعايير تعتبر عالمية الآن.
 
معاهدة باريس (1783): نشأة أمريكا وتوسعها جا بفضل كريم بريطانيا المهزومة لتوها
معاهدة باريس (1783)، وهي أقدم معاهدة سارية وقعتها الولايات المتحدة، أنهت الثورة الأمريكية ونتج عنها تأسيس الولايات المتحدة، ولهذا السبب وحده، تعد واحدة من أهم المعاهدات في تاريخ العالم. ومعاهدة باريس لم تؤسس الولايات المتحدة فقط؛ بل بشروط تصب في صالحها بدرجة كبيرة.
 
إذ إن فريق التفاوض الأمريكي بقيادة جون جاي وبنجامين فرانكلين وجون آدامز أدى دوره ببراعة مذهلة. ولم ترغب حليفتا أمريكا، فرنسا وإسبانيا، في أن تبرم الولايات المتحدة معاهدة سلام بمعزل عنهما؛ إلا أنه ومع استمرار القتال في منطقة البحر الكاريبي وجبل طارق، كان هذا بالضبط ما يسعى إليه الأمريكيون، حيث أحسوا أنهم سيتوصلون إلى اتفاق أفضل إذا تعاملوا مع لندن بطريق مباشر. وكان الفرنسيون يأملون أن تكون أمريكا دولة صغيرة وضعيفة بين المحيط الأطلسي وجبال الأبالاش، وأن يحتفظ البريطانيون بالأراضي الممتدة على شمال نهر أوهايو والإسبان بدولة عازلة في الجنوب. لكن ما حدث هو أن البريطانيين قرروا أن قوة أمريكا ونجاحها اقتصادياً يصبان في مصلحتهم ويعاكس المصالح الفرنسية ولذلك منحوا الدولة الجديدة جميع الأراضي على طول نهر المسيسيبي وكذلك حقوق الصيد في كندا. وهذا مكّن الولايات المتحدة من التوسع غرباً لاحقاً لتصبح قوة قارية كبرى.
 
رأى المؤرخون في كثير من الأحيان أن المعاهدة كانت سخية جداً للولايات المتحدة فيما يتعلق بالحدود الموسعة بشكل كبير. أكد المؤرخون مثل ألفورد وهارلو وريتشيسون أن الكرم البريطاني كان قائماً على رؤية تقوم على فهم العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين بريطانيا والولايات المتحدة. تم تصميم الامتياز الخاص بمنطقة عبر الأبلاش الشاسعة لتسهيل نمو السكان الأمريكيين وخلق أسواق مربحة للتجار البريطانيين دون أي تكاليف عسكرية أو إدارية لبريطانيا. 
 
كانت النقطة هي أن الولايات المتحدة ستصبح شريكاً تجارياً رئيسياً. وكما قال وزير الخارجية الفرنسي فيرجينيس لاحقاً "إن الإنجليز يشترون السلام بدلاً من تحقيقه". 
 
مؤتمر فيينا (1814–1815): معاملة فرنسا المهزومة باحترام
انعقد مؤتمر فيينا بعد نهاية الحروب النابليونية وغيَّر شكل أوروباً تغييراً جذرياً. فقد شهد توقيع العديد من المعاهدات، وكان أهمها معاهدة باريس لعام 1814.
 
كان مؤتمر فيينا مميزاً بسبب النجاح الكبير الذي حققه. ورغم أن بعض المؤرخين انتقدوه فيما بعد ووصفوه بأنه "رجعي"، فقد حال دون اندلاع حرب أوروبية كبرى لمئة عام. فكيف أنجز هذا؟.
 
أولاً، شاركت جميع الأطراف، ومنها فرنسا المهزومة، في المفاوضات. وهذا يرجع إلى طبيعة المؤتمر غير الرسمية، التي مكَّنت أطرافاً مختلفة، بقيادة دبلوماسيين لامعين مثل تاليران (فرنسا) ومترينش (النمسا) من الجلوس وتوضيح مواقفهم، حتى يتوصلوا إلى حل وسط. ورغم أنها لم ترضِ الجميع، فقد ضمنت ألا يكون أحد الأطراف ساخطاً بالكامل، وكانت المفاوضات معقدة ومتشعبة. على سبيل المثال، خسرت السويد فنلندا لروسيا، لكنها حصلت على النرويج من الدنمارك. وحصلت الدنمارك بدورها على بوميرانيا السويدية ودوقية لاونبورغ من هانوفر؛ وحصلت هانوفر على إيست فريزيا من بروسيا على سبيل التعويض.
 
خمس معاهدات شكلت العالم الحديث الذي نعرفه اليوم
مؤتمر فيينا لم يسعى للانتقام من فرنسا رغم الدمار الذي ألحقته الحروب النابليونية بأوروبا/ويكيبديا
ثانياً، حدّ المؤتمر والمعاهدات الناتجة عنه من مستوى العقوبات المفروضة على الأطراف الخاسرة. إذ فقدت فرنسا الأراضي التي احتلها نابليون لكنها احتفظت بحدود ما قبل الحرب؛ فقد اعتبرتها معظم القوى الأخرى ضحية أخرى من ضحايا نابليون. والدول التي انحازت لفرنسا، مثل ساكسونيا، سُمح لها بالاحتفاظ باستقلالها، رغم المطالبات بعكس ذلك. وعلى عكس ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، لم تُبذل أية محاولات لمحو بلدان بأكملها أو تغيير نظمها السياسية الداخلية. وكل هذا ساهم في تحقيق أكبر قدر من الاستقرار. لكن الشيء المؤسف الوحيد أنه، وبسبب كل هذه المفاوضات في المؤتمر، لم تؤسَّس دولة بولندا المستقلة من جديد، والتي كان سبق لروسيا والنمسا وبروسيا "سلف ألمانيا الحالية" تقسيمها فيما بينهم.
 
معاهدة فرساي (1919): فرنسا تنتقم من ألمانيا
أُبرمت معاهدة فرساي بين دول الحلفاء وألمانيا نهاية الحرب العالمية الأولى. وكانت على النقيض تماماً من الطريقة التي سار بها مؤتمر فيينا، فكانت عبارة عن إملاء شروط وليس مفاوضات. وفضلاً عن معاهدة فرساي، وقعت النمسا والمجر وبلغاريا وبقايا الإمبراطورية العثمانية معاهدات مبنية على تصورات خاطئة.
 
وألمانيا، بطبيعة الحال، حصلت على أسوأ ما في الصفقة، وعوقبت بسلب أراضٍ منها وعقوبات مشددة، معظمها بتشجيع من فرنسا. 
 
وأدت النقاط الأربع عشرة التي حددها الرئيس وودرو ويلسون إلى نشوء دول قومية جديدة صغيرة وضعيفة، لم تتمكن من الدفاع عن نفسها بعد ذلك في وجه القوى المفترسة مثل الاتحاد السوفييتي وألمانيا. والتدخل في الهياكل السياسية الداخلية للقوى المهزومة مثل ألمانيا هيأ الظروف لحدوث متاعب، وأدى في النهاية إلى الحرب العالمية الثانية.
 
وقسّمت معاهدتا سيفر ولوزان الإمبراطورية العثمانية، وكانت عواقبها وخيمة على الشرق الأوسط: فكانت خسارة الأرمن والأكراد عظيمة، ووجد معظم العرب أنفسهم تحت الحكم الاستعماري الفرنسي والبريطاني في دول مصطنعة مثل سوريا والعراق، وتم التمهيد لعملية سلب أراضي الفلسطينيين وتأسيس إسرائيل، والنتائج الناشئة عنه تتجلى اليوم بوضوح.
 

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/21 الساعة 14:33