شيوخ القبائل في «الماساي»
القضية لا تتعلق بشيوخ العشائر العربية، فأولئك طوتهم القبور برحمة من الله، ولكن القضية تكشف مدى سيطرة الشركات العابرة للقارات والدول بوجه استعماري جديد بغيض، فمن هناك سنفهم كيفية التغيير والاستقلاب والاستبدال لشعوب الأرض الأصليين، وهذا ما جرى لشعب «الماساي» الذي يتكون من قبائل تقطن شمال شرق تنزانيا منذ قرون وليس لهم سوى الرعي بمواشيهم والتنقل الحرّ عبر ما يعادل 1500 كيلومتر مربع، إذ يتعرضون اليوم لانتزاعهم من أرضهم لحساب إحدى الشركات، والتي حصلت على حقوق حصرية للصيد في تلك المنطقة وتأجيرها لأثرياء العالم لممارسة الصيد تحت اسم «الألعاب البرية» وطرد السكان، لغايات بزنس ألعاب الصيد البرية..
شيوخ قبائل الماساي في إقليم «نغورونغورو» بعثوا رسائل مناشدة للأمم المتحدة، وحصلت شخصيا على نسخة منها عبر منظمة «آفاز» كوني عضواً فيها، وهي منظمة تضم 62 مليون عضو داعمين لحقوق الإنسان والحياة البرية والسكان الأصليين ومناهضة سيطرة الشركات العالمية التي غيرت وجه الأرض بمنتجاتها المعدلة وراثيا واستباحة الحضر على كثير من المبيدات باستخدامها السموم والمبيدات القاطعة لأصول الإنبات الطبيعي، والمتمثلة بالشركة ذات الاسم القديم «مونسانتو» قبل بيعها بمليارات الدولارت لشركة المانية، ولا تزال الشركة الجديدة تمتلك 70 بالمئة من أسواق البذور في العالم، وسابقا فعلت بشعب غابات الأمازون ما تفعله الشركات الاستعمارية، من تحريض حكومة البرازيل لطرد قبائل حوض الأمازون وتجريف ملايين الأشجار النادرة واشعال النار فيها.
الشيوخ الذين يدافعون عن وطنهم وشعبهم الجائع منذ خمس سنوات، واجهوا بكل بسالة وصلف محاولات حكومتهم بإجلاء شعبهم الى مناطق بعيدة،إذ سنت الشركة قانونا يتيح لقوات الأمن نزع الملكية وطرد الرعاة ومصادرة المواشي تحت طائلة حرق الأكواخ التي يسكنونها، وكل ذلك لإتاحة المجال كي يتنعم الأغنياء بالصيد الجائر وممارسة هوايتهم في قتل الحيوانات النادرة.
رسالة شيوخ الماساي تقول: نحن شيوخ شعب الماساي في شمال تنزانيا، نتوجه إليكم لأننا معرضون في أي يوم للطرد من أرضنا، فعشرات الآلاف من أبناء مجتمعنا مهددون بالإجلاء من أراضيهم أجدادهم، وهم يأملون من رئيستهم الجديدة أن تدعم قضيتهم في اجتماعات القمة الأوروبية الأفريقية في بروكسل، ولكنهم مصرون على البقاء فوق أرضهم حتى الموت.
كيف وقع اولئك الشعب ضحية للمترفين، القصة بدأت بعد مئتي عام من استيطانهم لمنطقة «سيرنغيتي» التي تحولت الى أكبر متنزه للحياة الطبيعية والحيوانات البرية، إذ وصل لها مستكشفون بريطانيون في الربع الثاني من القرن العشرين وعرفوا بعقليتهم الاستعمارية أن تلك البلاد يجب أن لا تكون لأهلها البدائيين، وقد أثرت كتابات لعلماء أحياء غربيين تتهم شعب ماساي بأنهم خطر على الحياة البرية، حيث أغرت واضعي السياسات الاستعمارية البريطانية عام 1950لإجلاء جميع شعب الماساي من أرضهم حول متنزه سيرينغيتي، وأبعدوهم إلى مناطق داخلية حول منطقة نجورونجورو المحمية، ووعدوهم بأن تكون مصالح الماساي فوق كل المصالح الأخرى، ولكن هذا الوعد لم يتحقق أبدا، فهم لا يزالون طرائد، كما تفعل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشعب فلسطين التاريخي من تهجير.
شيوخ الماساي، يضربون مثالا للجهاد البشري ضد الظلم والقهر والاستعباد بناء على لون العينين والبشرة، وهم يتزوجون الكثير من النساء والعكس صحيح لإبقاء نسلهم متحد ضد قوى الشرّ الأشقر، ولكنهم مساكين يرون ثرواتهم تذهب لأعداء الطبيعة والإنسانية..
Royal430@hotmail.com
الرأي