لماذا هذا «الهوَس» في إحصاء.. «يهود العالم»؟

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/21 الساعة 00:14

تحت هذا العنوان المثير.. كتب جدعون ليفي/الصحافي والكاتب في صحيفة هآرتس الصهيونية, مقالة لاذعة ناقش فيها موضوعاً شائكاً ما يزال يفرض نفسه, على المشهد وجدول الأعمال الصهيوني.. قبل وبعد نجاح المشروع الصهيوني على أرض فلسطين ونكبة شعبها. في ظل المحاولات التي لا تنتهي (التي أصابت نجاحاً في مراحل عديدة من الصراع المُحتدم والمتواصل على أرض فلسطين التاريخية خاصة في بُعده «الديموغرافي»).

لم يتوقف نشاط وجهود الحركة الصهيونية عن جلب المزيد من المستوطنين اليهود إلى فلسطين بعد النكبة, تطبيقاً للقانون العنصري الذي يمنح كل يهودي «حق» الحصول على الجنسية الإسرائيلية, بل وأيضاً النظر إلى يهود العالم كـ«احتياطي» الهجرة إلى إسرائيل وإمكانية الدعم التلقائي لها وفق الفرضية الصهيونية.

صحيح أنّ «الهجرة» اليهودية إلى فلسطين تواصلت، لكنها خاصة بعد الذروة التي وصلتها عشية انهيار الاتّحاد السوفياتي أوائل تسعينيات القرن الماضي, بقرار من سيء السمعة نبيّ البيريسترويكا المزيّف غورباتشوف, وثلَّة اليهود المتصهينين في صفوف الحزب الشيوعي السوفياتي في مكتبه السياسي ولجنته المركزية والمواقع المؤثرة في الدولة السوفياتية، حيث وصل أزيد من مليون شخص (يهودي/وغير يهودي) من الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية إلى إسرائيل، ما وصفه قادة العدو بـ«ولادة جديدة» لإسرائيل, لا يقل أهمية عن يوم إعلان دولتهم. إذ ضمّ مئات الآلاف من العلماء والاختصاصيين في العلوم والفضاء والطب والتكنولوجيا, وغيرها من المهن التي رفدت سوق العمل/والإنتاج في الدولة الإستعمارية على نحو استطاعت فيه تحقيق قفزات نوعية/وكمية في مجالات مختلفة, سمحت لها بالبروز على الصعيدين العلمي/والعسكري...إلّا أنّه صحيح أيضاً أنّ «موجات» الهجرة اليهودية تراجعت بشكل ملحوظ, خشيَ منه حراس الفكرة الصهيونية/الاستعمارية/الاستيطانية/الإحلالية خسارةَ «المعركة» الديمغرافية مع الفلسطينيين, وبخاصة بين مَن يتواجدون على أرض فلسطين التاريخية من فلسطينيين ويهود.

هنا واعتماداً على المعطيات «السياسية» والديموغرافية, ينطلق جدعون ليفي لمناقشة ما بات يحتلّ الأولوية على جدول أعمال الدولة العنصرية, التي ستبدأ هذا العام «تعداد» اليهود في «العالم» بعد سنوات من الاعتماد على «تقديرات» أحد المتخصصين واسمه البروفسور سيرجيو دلا برغولا, داعياً/ليفي إسرائيل إلى الكفّ عن ذلك، والالتزام بما يتوجّب عليها أن تنهض به, وهو «الاعتراف بأنّها دولة (إلإسرائيليين) بالضبط مثلما هي السويد دولة السويديين»، مُفسراً الهوس اليهودي لإسرائيل الذي يضرب مرّة أخرى» على النحو التالي: إحصاء اليهود الذي معناه الخفيّ هو -وِفقه-: مَن مع إلهنا؟ اليهود هم تابعون لنا, الآن فقط ـ يُضيف ــ أن نتلّوى ونصطدم مع أسئلة مثل مَن هو «يهودي جزئي»؟ وما هي «اليهودية المُوسعة»، ذاهباً مباشرة إلى القول بصريح العبارة»:..إسرائيل يجب أن لا تحصي كم يهودي يوجد في العالم، لأنّها - يقول ليفي - ليست (دولة الشعب اليهودي). فقط أقل من نصف الشعب المختار اختاروا الهجرة إليها, حتّى - واصلَ - عندما كانت بوابتها مفتوحة أمام كلّ يهودي. وهي - يستطرِد - ليست دولة مَن ليسوا مواطنيها، -ليختم- إسرائيل هي دولة الإسرائيليين الذين هم يهود في معظمهم..إحصاء مواطني دولة أجنبية ليس من شأن إسرائيل».

يأخذنا هذا الموضوع للإضاءة على حقائق الأرقام والمعطيات الديموغرافية, التي تفرض نفسها منذ «النكبة» والإجراءات العنصرية التي بدأها العدو, للتخلص من الديموغرافيا الفلسطينية عبر التهجير/والإبعاد/والتطهير العرقي المترافق مع مصادرة المزيد من الأراضي وفق الشعار الصهيوني المعروف «أرض أكثر، وسكان أقل»..الأمر الذي استقرّ في النهاية على اقتراب حدوث «توازن» في العديد الديموغرافي, ما أشاع نوعاً من الطمأنينة (الخادعة كما تتوجّب الإشارة) لدى قيادات ودوائر فلسطينية, لاعتبار «القنبلة» الديموغرافية الفلسطينية العنصر الحاسم للصراع الطويل مع المشروع الصهيوني لصالح الفلسطينيين، وهو أقرب إلى الوهم (على أهميته ضمن عناصر أخرى) إذا ما بقي هذا النفر من أصحاب هذا الرأي, يبث «أرقامه», فيما الوقائع الاستيطانية على الأرض تسلب المزيد من الأراضي,مع تواصل عمليات التهويد/والأسرلة، ضاربة/إسرائيل عرض الحائط بالاتهامات والإدانات وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي تصفها بـ«الدولة العنصرية», على نحو ما فعلت منظمة العفو الدولية/أمنستي في تقريرها الصادر للتوّ.

في إحصائية نشرها مكتب الإحصاء المركزي الصهيوني أواخر العام الماضي, تبيّن من تحليل المعطيات أنّ عدد سكان «إسرائيل» يبلغ مع بداية العام 9.449 مليون, منهم 6.982 مليون يهودي/ما نسبته 73.9% ونحو 1.995 مليون «عربي»/21.1% ونحو 472 ألف يُعرّفون كآخرين 5%.

ماذا عن الإحصائيات الفلسطينية؟

يتوقع القائمون عليها أن «يتساوى» عدد الفلسطينيين في «فلسطين التاريخية» مع أعداد اليهود نهاية هذه السنة، إذ سيبلغ عدد كلّ منهم سبعة ملايين ومئة ألف نسمة، وأنّ عدد الفلسطينيين سيبدأ بعد ذلك, بـ«تجاوز» عدد اليهود ليزيد عنهم بنحو 300 ألف نسمة بعد «أربع سنوات»..

وبصرف النظر عن دقة التقديرات الفلسطينية التي قدّرت عدد الفلسطينيين في العالم بنحو 14مليون نسمة في نهاية العام المنصرم/2021، فإنّ «العديد» الديموغرافي لن يكون هو العنصر الحاسم أو النهائي للصراع, لأنّ الرهان عليه وحده يقترب من حال الهوس الذي يُشيع الاتّكالية, ويترك للإجراءات/الاستعمارية/الصهيونية الفرصة لتكريس تهويد فلسطين.

kharroub@jpf.com.jo
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/21 الساعة 00:14