المقارنة مع الآخرين سلاح ذو حدين.. يمكن استخدامه للنمو وتطوير الذات لكن بشروط
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/19 الساعة 16:02
مار الساعة - من بين جميع النصائح النفسية التي تقرأها يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ربما تكون هذه واحدة من أكثر الأفكار شيوعاً وتردداً: لا تقارن نفسك بالآخرين.
ولكن هل نفهم حقاً ما يعنيه هذا؟ منذ آلاف السنين عرف البشر من كل ثقافة أن هذه وصفة للعذاب النفسي، فلماذا نواصل يوماً بعد يوم مقارنة أنفسنا بمن حولنا،
وهل يمكن للمقارنات أن تكون عاملاً من عوامل الإلهام والتحفيز على الاجتهاد، أم أن الأمر يؤدي أكثر لحالة من التدمير الذاتي والتعب النفسي والأمراض العقلية؟
المقارنة مع الآخرين نزعة بشرية
المقارنة مع الآخرين هي نزعة بشرية طبيعية وليست سيئة بطبيعتها الفطرية. في الواقع نحن نفعل ذلك طوال الوقت: نقارن وضعنا الحالي مع المكان الذي أتينا منه، ونقارن ما نحن عليه اليوم بما كنا عليه في السابق، ونقارن أنفسنا بالآخرين في فئتنا العمرية أو مجالنا المهني، ونقارن معرفتنا وقدراتنا مع الآخرين ممن حولنا، كل هذه أشياء جيدة وطبيعية لمعرفة أين نحن بالضبط.
إذ قد تسمح لنا المقارنات مع الغير بتشكيل خط أساس لما نحن فيه في الحياة، وأين نريد أن نكون، بحسب مدونة New York University للصحة العقلية. فهي تسمح لنا بتقييم ومعايرة أنفسنا مقابل الأشخاص الذين نتطلع إليهم. فالمقارنات تعطينا فكرة عن كيفية قياسنا، وهي معلومات قيمة لتحسين الذات وتطويرها والنمو في الاتجاه المرجو.
وبدون القدرة على المقارنة مع الآخرين، ليس لدينا طريقة لمعرفة ما إذا كنا قد تقدمنا على الإطلاق.
يصف توماس موسويلر، أستاذ السلوك التنظيمي لموقع Ramsey Solutions للصحة النفسية، المقارنة بهذه الطريقة: 'إنها واحدة من أكثر الطرق الأساسية التي نطور بها فهمنا لمن نحن، وما نحن جيدون فيه، وما لا نجيده'.
وفي معظم الأحيان يتم إجراء هذا الحساب في جزء من الثانية في خلفية أفكارنا، ولا ندركه حتى في أغلب الأوقات.
ولكن عندما نتطرق إلى النقاط البارزة في حياة الآخرين يمكن أن تصبح سامة بسرعة، فنحن مجهزون للتواصل والانتماء، ولكن إذا قارنا أنفسنا باستمرار بالآخرين فإننا نعرض سعادتنا وثقتنا وصحتنا العقلية للخطر.
المقارنات محفزات قوية للتطوير والنمو
وبالرغم من خطورتها تساعدنا المقارنة مع الآخرين في أن نصبح أكثر نجاحاً، ولكن بالطبع شريطة استخدامها بشكل صحيح وصحي.
على سبيل المثال إذا كنت تعلم أن صديقك لديه منزل أكبر منك، فيمكن أن تحفزك المقارنة مع منزلك على العمل بجدية أكبر وكسب المزيد من المال.
إذا كنت تعلم أن شخصاً ما أكثر اجتماعيةً منك فيمكن أن يحفزك ذلك على دراسة المهارات المرتبطة بالتواصل مع الآخرين بجدية أكبر، بحسب موقع NYU.
إذا كنت تعلم أن زميلك في العمل أفضل منك في مهمة معينة، فيمكن أن يحفزك أن تقارن نفسك به على التعلم منه والقيام بعمل أفضل في المرة القادمة.
في المقابل، إذا كنت تعلم أنك تؤدي أداءً أفضل من أي شخص آخر عند إجراء المقارنة مع الآخرين، فيمكن أن يحفزك ذلك على مواصلة الأداء الجيد كذلك.
الجانب المظلم للمقارنات غير الصحية الآخرين
يمكن أن تكون المقارنات سلاحاً ذا حدين، إذ يمكن أن تكون محفزاً قوياً كما أسلفنا، لكن في بعض الأحيان يمكن أن تكون رادعاً قوياً وسبباً عميقاً في الشعور بالدونية الذاتية والإحباط والتثبيط عن فعل شيء ما، كما أنها ليست جيدة لصحتنا العقلية على المدى الطويل.
مثلاً إذا كنت تفكر في الأشخاص الذين تعتبرهم أفضل منك بطريقة ما، يمكنك غالباً الوقوع في هذا الفخ. قد تنظر إلى الشخص وتفكر 'لن أكون قادراً على فعل ذلك أبداً'، أو 'لن أكون جيداً في ذلك مثل هذا الشخص أبداً'، أو 'لن أصل إلى هذا المستوى مهما حاولت'.
الحيلة هي بدلاً من ذلك، انظر إلى الشخص وفكر 'كيف يمكنني الوصول إلى هذا المستوى؟'.
يمكن أن تضر المقارنات أيضاً بدفعنا إلى فعل شيء نجده مزعجاً أو صعباً.
إذا رأيت شخصاً يفعل شيئاً تجده مزعجاً أو صعباً، مثل ممارسة التمارين الرياضية أو الالتزام بنظام غذائي صحي، فقد تفكر 'أنا لا أفعل ذلك مثلهم لأن الأمر يبدو صعباً ومملاً، ولا أريد أن أفعله'.
لكن هذه ليست الطريقة الصحيحة للنظر إليها، يجب أن تقول بدلاً من ذلك، 'يمكنني أن أتحسن في هذا الأمر، وسأكون أفضل في هذا مع المحاولة والتكرار. لهذا السبب يجب أن أفعل ذلك، وأن أتغلب على كراهيتي له، لأنه سيجعلني أكثر سعادة على المدى الطويل'.
لا تنسَ أنك لا ترى الصورة الكاملة للأمور من هذه الزاوية
عندما ننظر إلى الآخرين من أجل تقييم ما وصلوا إليه أو فعلوه هناك دائماً فجوة: فجوة في المعرفة، فجوة في إدراك الخلفية، فجوة في استيعاب المهارات المختلفة للشخص، فجوة في الذكاء، فجوة في التعليم، فجوة في الخبرة.
هذا أمر طبيعي: والطريقة الوحيدة لمنع هذه الفجوة من التأثير هي أن نصبح نسخاً مستنسخة وطبق الأصل من الآخرين، وهذا بالطبع غير قابل للتحقُّق. وإن حاولنا القيام به سنكون غير واقعيين أو حقيقيين مع ذواتنا ونبدأ في المعاناة من الاضطرابات النفسية والعقلية مع الوقت.
الخطوة الأولى لتجنب ذلك هي أن تكون مدركاً لميلنا لمقارنة أنفسنا بالآخرين، وإدراك آثار ذلك على صحتنا العقلية. الخطوة التالية هي تذكير أنفسنا باستمرار بأن الطريقة الوحيدة لعدم الشعور بالتعاسة هي ألا نكون مثل أي شخص آخر. الخطوة الأخيرة هي البحث عن أولئك الذين ليسوا مثلنا، والتعلم منهم، والاستلهام منهم، مع الاعتزاز في الوقت ذاته بما أنت عليه، دون تقليل أو ازدراء للذات.
الآثار السلبية للوقوع في فخ المقارنة مع الآخرين باستمرار
هناك العديد من الآثار السلبية لفخ المقارنات. فيما يلي بعض أبرز التبعات وفقاً لموقع Ramsey Solutions:
الأفكار السلبية والقلق المزمن.
مشاعر الندم والاجترار.
ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب والتوتر.
المبالغة في الإنفاق في محاولة لمواكبة الآخرين مادياً.
الشعور بالدونية وازدراء الذات بشكل قد يصل لمراحل خطيرة منها العزلة الاجتماعية والانطواء، وعدم الثقة في النفس، وأذية الذات أو محاولة الانتحار.
وقد أظهرت دراسة تلو الأخرى أن الناس يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم بعد قضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، نظراً لاعتبارها نافذة قوية لمقارنة نفسك بالآخرين بشكل غير واعٍ.
وكل هذه السلبية تؤثر على صحتنا العقلية والنفسية والجسدية، بل والحالة المادية أيضاً.
كيف تخرج من حفرة المقارنة مع الآخرين؟
ممارسة الامتنان: هذه العادة قادرة على تغيير كل شيء، ويمكن باتباع أول 3 أشياء تتبادر إلى الذهن كل صباح أن تعزز شعورك بالرضا والامتنان.
إطلاق العنان لقوة القناعة: الامتنان يؤدي إلى الرضا الذي يسمح لك بأن تكون في حالة من الفرح والرضا مهما كانت ظروفك.
لا تقارن حياتك بما يُظهره الآخرون من صورة مجتزأة: ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي لا يتخطى كونه فقاعة، وقد يمثل أقل من 1%.
إذ قد ننفق كل هذه الأموال والطاقة العاطفية لمجرد مواكبة الحياة التي نعتقد أن الجميع يعيشها، بينما نحن غير مواكبين لها. وهذا لا يدمر صحتنا العقلية فحسب، بل يدمر أمننا النفسي وشعورنا بالاكتفاء، سواء العاطفي أو المادي أيضاً.
ركز على نقاط قوتك: يمكنك أن تكون متواضعاً ولا تزال تدرك نقاط قوتك ومواهبك وإنجازاتك. ليس عليك أن تهزم نفسك أو تكسرها لكي تكون متواضعاً. في الواقع هذا نهج غير صحي إلى حد ما، وهو أحد أكبر مخاطر المقارنة مع الآخرين، وهو أننا كلما قارّنا أنفسنا بالآخرين شعرنا بالسوء تجاه أنفسنا، وهذا فخّ خطير علينا تجنبه.
بدلاً من ذلك حاوِل كتابة ثلاثة أشياء تعجبك حقاً في نفسك، أشياء يمكنك تحديدها على أنها نقاط قوة، لا تكتب فقط 'مهارات جيدة في التعامل مع الأشخاص' كما لو كنت تكتب سيرة ذاتية مملة، اجعلها شخصية.
اكتب مثلاً: أنا شخص مجتهد، أنا أحب الناس، أنا ذكي في عملي، أنا طباخ ماهر، وهكذا..
احتفِ بالآخرين: تؤدي مقارنة أنفسنا بالآخرين إلى عدم تشجيعنا للأشخاص الذين يعملون بجد للوصول إلى مكانة ما، وهذا يجعل من الصعب الاحتفاء والسعادة بما يمكنهم إنجازه فعلاً.
لذلك إذا شاركك أحدهم ببعض الأخبار الرائعة فواصل التركيز عليها بدلاً من مقارنتها بنفسك، اكتشف طرقاً كبيرة وصغيرة للاحتفال بإنجازات الآخرين.
تعلّم أن تُنافس نفسك بدلاً من منافسة الآخرين: بدلاً من التركيز على مقارنة نفسك بالآخرين، ركّز على أهدافك الخاصة. أين أنت مقارنةً بما كنتَ عليه في هذا الوقت من العام الماضي، أو قبل خمس سنوات، أو حتى البارحة؟
ضَعْ حدوداً لمقدار الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي
كما كنا نتحدث، يمكن أن يكون للمقارنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تأثير هائل على صحتنا العقلية والنفسية، فيما يلي بعض الحدود التي يمكنك وضعها لحماية نفسك، بحسب موقع Hope For Healing للصحة النفسية والعقلية:
ألغِ متابعة أي حسابات تميل إلى جعلك تشعر بالضيق تجاه نفسك.
اضبط مؤقِّتاً واسمح لنفسك بالتمرير في صفحات التواصل الاجتماعي لمدة 30 دقيقة. وعندما ينتهي الوقت ابتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي كلياً.
أغلق هاتفك عندما تتناول العشاء مع عائلتك وأصدقائك. التواجد الكامل معهم سيجعل الجميع أكثر سعادة واستقراراً نفسياً بسبب جودة التواصل بينكم.
لا تشعر بأنك مضطر للرد على كل تعليق ورسالة، فلا أحد لديه الوقت لذلك.
عندما تشعر بالانزعاج والرغبة الملحة في التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي، اسأل نفسك عن السبب في ذلك الإلحاح. هل تشعر بالملل أو عدم الارتياح أو تسعى للحصول على توكيد وقبول من الآخرين؟ ماذا يمكنك أن تفعل لتشعر بتحسن بدلاً من ذلك؟
في النهاية، المقارنة مع الآخرين بقدر ما يمكنها أن تساعدنا على التطور والنمو، لكن عواقبها الوخيمة أكثر فتكاً وتهديداً لسلامتنا النفسية والعقلية. لذلك في كل مرة تحاول فيها قياس ما فعلت أو امتلكت مقابل ما يتمتع به الآخرون فكِّر أولاً: 'ما النعم التي أتمتع بها ولا أشعر بالامتنان الكافي لوجودها؟'.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/19 الساعة 16:02